قال الراغب في الذريعة: وحُقَّ للجود أن يُقرن بالإيمان، فلا شيء أخصُّ به، وأشدُّ مجانسة، منه، إذ من صفة المؤمن انشراحُ الصدر: ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾. . . وهذا من صفات الجواد والبخيل، لأن الجواد يوصف بسعة الصدر للإنفاق، والبخيل يوصف بضيق الصدر للإمساك. . .
الناس مجبولون على البخل
وأما بعد فإن أكثر هذا الناس لقد جبلوا على البخل، فالبخل هو الأصل، وإنما الجود في سائر ألوانه، تكلُّفٌ وتعمُّلٌ وحَمْلٌ للنفس على مكروهها وعلى غير ما جُبلت عليه، وقد قيل لحاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الجود: كيف تجد الجود في قلبك؟ فقال: إني لأجده كما يجده الناس، ولكني أحمل نفسي على خُططِ الكرام، وقال بعض الأجواد: إنّا لنجد كما يجد البخلاء ولكنّا نصبر ولا يصبرون. . . وفي هذا المعنى يقول البحتري:
وَأشَقُّ الأفْعالِ أَنْ تَهَبَ الأن ... فُسُ ما أُغْلِقتْ عليهِ الأكُفُّ
ويقول أبو يعقوب الخُريميّ:
ودُونَ النَّدى في كُلِّ قَلْبٍ ثنِيَّةٌ ... بهَا مَصْعَدٌ حَزْنٌ ومُنْحدَرٌ سَهْلُ
ويقول أبو العتاهية:
اِطْرَحْ بطَرْفِكَ حيْثُ شِئْ ... تَ فلن تَرَى إلاَّ بخيلا
ويقول ابن نُباتة السّعدي:
1 / 65