وهناك فريقٌ من الناس يذهبون إلى ذمِّ الولدِ وقلَّة جَدْاوه: ومما يُروى في هذا الباب أنه قيلَ لبعض الزهَّاد: هلاَّ تزوَّجْت؟ فربما يكون لك خَلَفٌ؟ فقال: كفى بالتَّزهيد فيه قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾، وقوله ﷾: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾. . وقالوا: قلة العيال أحدُ اليَسارينِ، وقال المتنبي:
وما الدَّهْرُ أَهْلٌ أن يُؤَمَّلَ عنْدَه ... حَيَاةٌ وأن يُشْتاقَ فيه إلى النَّسْلِ
هَلِ الوَلدُ المحْبُوبُ إلاَّ تَعِلَّةٌ ... وهلْ خَلْوَةُ الحَسْناءِ إلا أذَى البَعْلِ
وقد ذُقْتُ حَلْوَاَء البنينَ على الصِّبَا ... فلا تحْسَبَنِّي قلتُ ما قلت عن جَهْلِ
وقال المعرِّي - وهو إمام الساخطين، أو المتشائمين كما يقولون اليوم -:
أرَى وُلْدَ الفتى عِبْئًا عليه ... لقدْ سَعِدَ الذي أضْحى عَقيمَا
فإمَّا أَنْ يُرَبِّيَهُ عدُوًَّا ... وإمّا أَنْ يُخلِّفَهُ يَتيمَا
وإمَّا أنْ يُصادِفَهُ حِمَامٌ ... فيبقى حُزْنُه أبدًا مُقيما
وبُشِّر الحسن البصريُّ بابنٍ فقال: لا مرحبًا بمَن إن كنت غنيًا أذهَلَني، وإن كنتُ فقيرًا أتْعبني، لا أرضى كدِّي له كدًّا، ولا سَعْيي له في الحياة سعيًا، أهتمُّ بفقره بعد وفاتي، حين لا ينالني به سرور، ولا يُهمّه لي حُزْن.
وأصحر الحسن يومًا - أي ذهب إلى الصحراء - فرأى صيّادًا فقال: ما أكثرُ
1 / 29