بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
Yayıncı
مكتبة الآداب
Baskı Numarası
السابعة عشر
Türler
ميل الزمخشري؛ فإنه ذكر أن إبراهيم ﵇ لم يُخْلِ هذا الكلام من حسن الأدب مع أبيه؛ حيث لم يصرح فيه أن العذاب لاحق له لاصق به، ولكنه قال: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [مريم: ٤٥] فذكر الخوف والمسّ، ونكّر العذاب.
وأما التنكير في قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩] فيحتمل النوعية والتعظيم؛ أي: ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة؛ لمنعه عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد متى اقتدروا، أو نوع من الحياة وهو الحاصل للمقتول والقاتل بالارتداع عن القتل للعلم بالاقتصاص؛ فإن الإنسان إذا همّ بالقتل تذكر الاقتصاص فارتدع، فسلم صاحبه من القتل وهو من القَوَد، فتسبّبَ لحياة نفسين.
ومن تنكير غير المسند إليه للنوعية: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ [الشعراء: ١٧٣] أي: وأرسلنا عليهم نوعا من المطر عجيبا، يعني: الحجارة، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ ١ [الشعراء: ١٧٣]، وللتحقير٢: ﴿إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا﴾ [الجاثية: ٣٢] ٣.
١ أي: في الآية نفسها؛ لأن قوله "فساء" صيغة تعجب. ٢ فالمعنى في الآية: إلا ظنا ضعيفا، وإنما حُمل على هذا ولم يجعل مصدرا مؤكدا؛ لأن الاستثناء لا يصح في المصدر المؤكد، وعلى الأول يكون من المصدر المبين لنوع فعله. ٣ [الجاثية: ٣٢] . هذا، وقد يأتي التنكير لأغراض أخرى: منها قصد التجاهل في قوله تعالى: ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] . ومنها أن يمنع مانع من التعريف كما في قول الشاعر "من الوافر": إذا سئمتْ مهنّده يمينٌ ... لطول الحمل بدّله شمالا لم يقل: "يمينه"؛ لأنه كره أن ينسب ذلك إلى يمين ممدوحه، فنكرها ولم يضفها إليه.
1 / 96