62

لما كان المفروض أن أحد الأسس الرئيسية للثناء الخلقي إنما يقع في النفع المترتب على أية صفة أو فعل، كان من الواضح أن «العقل» لا بد أن يدخل إلى حد كبير في كل القرارات التي من هذا القبيل؛ ذلك لأن هذه الملكة وحدها [ملكة العقل] هي التي تستطيع أن تهدينا إلى ما قد ينجم عن الصفات والأفعال، فتبرز لنا نتائجها النافعة للمجتمع ولصاحبها؛ إذ في حالات كثيرة يكون هذا الأمر موضعا لجدل كثير؛ فقد تنشأ الشكوك وقد تتعارض المصالح، بحيث يتحتم أن نعرف كيف نفضل جانبا على جانب، من هذه الآراء التي قد تدق بينها الفوارق إلى حد بعيد، فلا يرجح أحدها الآخر في النفع إلا بقدر يسير؛ وإنا لنلحظ هذا بصفة خاصة في المسائل المتصلة بالعدالة؛ إذ من الطبيعي حقا أن يطرأ على الذهن ما عساه أن ينشأ من اختلاف الرأي في نوع المنفعة التي تصاحب هذه الفضيلة [فضيلة العدالة]؛ فلو كان كل مثل جزئي من أمثلة العدالة - كالإحسان مثلا - نافعا للمجتمع، لكان الأمر من أهون جوانب الموضوع، ولقل أن يتعرض إلى كثير جدل؛ ولكن لما كانت الأمثلة الجزئية للعدالة غالبا ما تكون مؤذية في نتائجها الأولى المباشرة، ثم لما كانت فائدة المجتمع لا تنتج إلا بعد مراعاة القاعدة العامة، ومن التقاء مختلف الأشخاص واشتراكهم في السلوك العادل الذي لا يختلف عند أحدهم عنه عند الآخر، فقد أصبحت المسألة أكثر تعقدا وتعقيدا؛ فالظروف المختلفة التي تحيط بالمجتمع، والنتائج المختلفة التي تترتب على أي فعل معين، والمصالح المختلفة التي قد يقدمها أصحابها، كل هذه تكون في حالات كثيرة مثارا للشك وموضوعا لنقاش وبحث كبيرين؛ والقوانين المدنية إنما تستهدف غاية هي أن تحسم الأمر في مسائل العدالة كلها؛ وهي نفسها الغاية التي يستهدفها المواطنون من مناقشاتهم ورجال السياسة من تأملاتهم، وسوابق التاريخ والمدونات العامة؛ وكثيرا ما يكون الأمر بحاجة ماسة إلى «عقل» أو «حكم» غاية في الدقة، لنقرر به القرار الصائب وسط أمثال هذه الشكوك الشائكة التي تنشأ عن غموض المنافع أو تضاربها.

ولكن على الرغم من أن العقل إذا ما لقي من المعونة والتقويم أكمله، كاف لهدايتنا في التفريق بين ما هو ضار وما هو نافع من الصفات والأفعال، فليس وحده بكاف أن ينتج لنا الاستهجان أو الاستحسان في مسائل الأخلاق؛ فما المنفعة إلا وسيلة إلى غاية معينة؛ فلو كانت الغاية غير ذات خطر بالنسبة لنا لأحسسنا تجاه الوسائل المؤدية إليها بعدم مبالاة كذلك؛ فلا مندوحة لنا ها هنا عن «عاطفة» تكشف عن نفسها، لتعيننا على تفضيل الوسائل النافعة على الوسائل الضارة؛ ولا يمكن أن تكون هذه العاطفة إلا الميل بشعورنا نحو سعادة النوع الإنساني، والنفور مما يشقيه، لأن هذين هما الغايتان المختلفتان اللتان تتجه الفضيلة والرذيلة نحو تحقيقهما؛ إذن فها هنا «العقل» يهدينا الطريق في مسالك السلوك المختلفة، وأما «الشعور الإنساني» فيميز بينها ليفصل منها ما هو نافع ومفيد. «بحث في مبادئ الأخلاق» (نشر سلبي بج) 285-286

CONCERNING MORAL SENTIMENT

One principal foundation of moral praise being supposed to lie in the usefulness of any quality or action, it is evident that 'reason’ must enter for a considerable share in all decisions of this kind; since nothing but that faculty can instruct us in the tendency of qualities and actions, and point out their beneficial consequences to society and to their possessor, In many cases this is an affair liable to great controversy: doubts may arise, opposite interests may occur; and a preference must be given to one side, from very nice views, and a small overbalance of utility. This is particularly remarkable in questions with regard to justice; as is, indeed, natural to suppose, from that species of utility which attends this virtue. Were every single instance of justice, like that of benevolence, useful to society; this would be a more simple state of the case, and seldom liable to great controversy. But as single instances of justice are often pernicious in their first and immediate tendency, and as the advantage to society results only from the observance of the general rule, and from the concurrence and combination of several persons in the same equitable conduct; the case here becomes more intricate and involved. The various circumstances of society; the various consequences of any practice; the various interests which may be proposed; these, on many occasions, are doubtful, and subject to great discussion and inquiry. The object of municipal laws is to fix all the questions with regard to justice: the debates of civilians; the reflections of politicians; the precedents of history and public records, are all directed to the same purpose. And a very accurate 'reason’ or 'judgement’ is often requisite, to give the true determination, amidst such intricate doubts arising from obscure or opposite utilities.

But though reason, when fully assisted and improved, be sufficient to instruct us in the pernicious or useful tendency of qualities and actions; it is not alone sufficient to produce any moral blame or approbation. Utility is only a tendency to a certain end; and were the end totally indifferent to us, we should feel the same indifference towards the means. It is requisite a 'sentiment’ should here display itself, in order to give a preference to the useful above the pernicious tendencies. This sentiment can be no other than a feeling for the happiness of mankind, and a resentment of their misery; since these are the different ends which virtue and vice have a tendency to promote. Here therefore 'reason’ instructs us in the several tendencies of actions, and 'humanity’ makes a distinction in favour of those which are useful and beneficial.

An Enquiry Concerning the Principles of Morals (ed. Selby-Bigge) pp. 285-286

النص رقم 9

في العقد الابتدائي

تكاد جميع الحكومات القائمة اليوم، أو التي احتفظ لنا الرواة بمدونات عنها أن تكون قد نشأت بادئ ذي بدء إما على أساس الاغتصاب أو الغزو أو كليهما، دون أن تدعي مجرد ادعاء بأنها تستند إلى موافقة عادلة من الشعب أو إلى خضوع ذلك الشعب خضوعا اختاره بإرادته؛ فإذا ما وضع رجل ماكر أو جريء على رأس جيش أو حزب، فغالبا ما يتيسر له - باستخدامه للعنف تارة وللدعاوى الباطلة طورا - أن يبسط سلطانه على شعب أكثر عددا من أتباعه مائة مرة؛ وهو لا يسمح باتصال علني يتيح لأعدائه أن يعلموا في يقين كم عددهم أو ما مدى قوتهم؛ ولا يفسح لهم من وقت الفراغ ما يمكنهم من الاجتماع بعضهم ببعض في هيئة تتألف لمعارضته؛ وحتى كل أولئك الذين هم أدوات اغتصابه، قد يتمنون سقوطه، لكن جهل بعضهم بنوايا بعضهم الآخر يوقفهم جميعا موقف المرتاع، فيكون ذلك هو المصدر الوحيد الذي يستمد منه الحاكم أمنه؛ هكذا أقيمت حكومات كثيرة بوسائل كهذه، وهي وحدها «العقد الابتدائي» الذي لديهم ويزهون به.

إن وجه الأرض دائب التغير، فممالك صغيرة تزداد لتصبح إمبراطوريات عظيمة، وإمبراطوريات عظيمة تنحل لتصبح ممالك أصغر، ومستعمرات تخلق، وقبائل تهاجر؛ فهل ترى في كل هذه الحوادث شيئا سوى القوة والعنف؟ أين الاتفاق المتبادل أو الاجتماع الإرادي الذي كثر التحدث عنه على النحو الذي نرى؟

Bilinmeyen sayfa