İskenderiye Vuruşu
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
Türler
ولم يظهر لروسيا اسم في إبان الحروب الصليبية؛ لأنها كانت شعوبا متفرقة بعضها على الوثنية وبعضها حديث عهد بالمسيحية، فلما تمت لها الوحدة بين شعوبها وقامت على رأسها حكومتها القيصرية اتخذت لها سياسة تتلخص في «مداومة الحرب لفتح العالم»، وجمعتها الوصية المفصلة التي كتبها بطرس الأكبر، وجاء في مادتها الأولى: «يجب أن يقاد الجيش إلى الحرب على الدوام، وأن تظل الأمة الروسية على أهبة القتال ولا تغفل عنه إلا لراحة الجند وتوفير المال.»
وجاء في المادة التاسعة منها: «يجب الاقتراب جهد المستطاع من القسطنطينية والهند، وإذا كان معلوما مسلما أن القابض على القسطنطينية يقبض على الدنيا بأسرها كان لزاما أن تشن الغارة تارة على الدولة العثمانية وتارة على الدولة الإيرانية، ويجب ضم البحر الأسود شيئا فشيئا لإقامة دار لصناعة السفن على شواطئه، ولا غنى مع هذا عن ضم البحر البلطي لأن موقعه لازم لتحقيق هذه الخطة، ومن الواجب التعجيل بإضعاف دولة إيران أو القضاء عليها للوصول إلى خليج البصرة، لعلنا نتمكن من إعادة التجارة الشرقية القديمة إلى بلاد الشام والنفاذ منها إلى الهند التي هي مخزن الدنيا، وبهذه الوسيلة نستغني عن ذهب إنجلترا.»
وقد اشتملت مواد الوصية الأخرى على النصائح التي ينبغي اتباعها لبث الفتنة والفساد في البلدان المتاخمة لروسيا توطئة للزحف عليها أو ضمها بالوسائل السلمية.
وهكذا اتفق أن تنفيذ هذه الوصية وفتح باب المسألة الشرقية باسم تحرير المسيحيين من حكم الدولة العثمانية يمشيان مرحلة طويلة في طريق واحد، وتعاقبت المعاهدات تنفيذا لتلك الخطة، كمعاهدة كارلوتيز بين روسيا والنمسا وبولونيا وتركيا (1699)، ومعاهدة كجوق قينارجة بين الروسيا وتركيا (1774) ومعاهدات سابقة ولاحقة اشتركت روسيا وممالك أوربة الوسطى وشواطئ البحر الأبيض في معظمها.
إلا أن هذه الدعوة لم تخدع أوربة الغربية عن خفايا المقاصد التي انطوت عليها، وكانت فرنسا على الخصوص قد خرجت من الحروب الصليبية بلقب حامية البقاع المقدسة، وكانت إنجلترا التي انفصلت عن كنيسة رومة لا تنازعها هذه الدعوى، ولكنها تخشى على الهند وتأبى كل الإباء أن تسمح لروسيا بالتسلل إلى البحر الأبيض. فحدث غير مرة أن فرنسا كانت تهب للمطالبة بحماية المسيحيين اللاتين كلما هبت روسيا لحماية المسيحيين الإغريق، وأن إنجلترا كانت تتعلل بالمحافظة على كيان الدولة العثمانية كما ضمنته المعاهدات، وكانت مع هذا لا تخلو من أناس يحبون أن يطلقوا على ملكهم لقبا من الألقاب الدينية، وظلت هذه الرغبة تساورهم إلى أيام الملكة فكتوريا التي كانت تود لو اعترف لها شعبها بلقب حامية الملة
Defonber of faith ، وسبقت فرنسا الدول إلى عقد معاهدة مع تركيا تعترف لها باللقب القديم، فانعقدت هذه المعاهدة بين لويس الخامس عشر والسلطان محمد خان (سنة 1740).
تمخضت الحروب الصليبية كما قدمنا عن حروب المسألة الشرقية، وظلت المسألة الشرقية زمنا طويلا، وهي حروب صليبية بعنوان آخر، وبخاصة في موقف الدول الأوروبية الكبرى بإزاء مصر، وعلى الأخص فيما يتعلق بقناة السويس؛ فإن الفيلسوف الألماني «ليبنتز» قد زين لعاهل فرنسا «لويس الرابع عشر» أن يضرب هولندة في تجارتها الشرقية بانتزاع مصر من قبضة الإسلام، وأنه بذلك يشل هولندة عن مقاومته؛ لأن اعتراضها إياه في غزوه لمصر يثير عليها الأمم المسيحية، وسيأتي في الكلام على قناة السويس أن المركيز «دار جنسون
Dar Genson » كان يعتبر حفر قناة السويس فتحا صليبيا يهم العالم المسيحي بأسره، ولكن المسألة الشرقية قد ذهبت شوطا آخر وراء ذلك، وتمخضت عن دور آخر في سياسة الدول الأوروبية نحو الدولة التركية، وهو الدور الذي عرف بالتفاهم على تركة الرجل المريض. •••
فبعد أن كان الغرض من المسألة الشرقية انتزاع الأقطار المسيحية في تلك الدولة أصبح الغرض المتفق عليه في هذا الدور تقسيم أقطار الدولة جميعا من مسيحية وإسلامية، وتبادل الإغضاء عن كل نصيب متفق عليه يقع في قبضة الطامعين فيه من المتنازعين على التركة، وصاحبها بقيد الحياة.
وعلمت الدنيا في القرن الثامن عشر أن شركة من الشركات التجارية نزلت بالهند فملكتها وضمتها إلى حوزة الدولة البريطانية. ونشأت الصناعات الكبرى في ذلك القرن، وتدفق الذهب من القارة الأمريكية على الدول الأوروبية، صواحب المستعمرات في تلك القارة، فحسن لدى بعضها أن تعتمد على الذهب وتعدل عن القتال لضم الأقطار المطموع فيها. وراقت هذه الخطة دول التجارة والمستعمرات، وفي مقدمتها إنجلترا وفرنسا، ففتحت خزائنها لطلاب الديون من بلاد الدولة العثمانية على الخصوص؛ لأنها تستند فيها إلى الامتيازات الأجنبية. ولم تستطع الدول الأخرى أن تجاريهما في هذا المضمار، ولم تستطع كذلك أن تقف في طريقهما لأنهما تعملان «بالوسائل السلمية» ولا تجردان السيف، فيتبع ذلك ما يتبعه من اشتباك دول شتى في حومة القتال، ولكن الدولتين صاحبتي المال والمستعمرات لم تتركا الدول المتربصة بغير عوض؛ فسمحتا لروسيا بضم ما شاءت ضمه من الديار الأوروبية، وتغاضتا عن خطتها «إلى الشرق» ما دامت بعيدة من مكمن الخطر، وسمحتا لروسيا ببعض الأقاليم في آسيا الغربية وأوقعتا في روعها دائما أن الحد الممنوع هو الحد الذي يؤدي إلى الاحتكاك في طريق البحر الأبيض وطريق الهند من أقصاه إلى أقصاه. •••
Bilinmeyen sayfa