الشرع؛ لأنّ إنّه التصديق مسبوقٌ بالتصوّر.
والجواب إِنّه إِلزامٌُ لنا على أصلهم في أنّ ماهيّة الحُشن وَرَد مؤكدًا لحكم العقلِ في ذلك. وقد سبق منعُه. ونحن إِنما نستفيد الحكم بحُسن الشيء وقبحه من أمرِ الشرعِ ونهيه. وقبل الشرع، لا يستحيل منّا تصورُ ماهيتهما بهذا المعنى، بأن نقول: لو جاء شرعٌ، أو قدّرنا ورود شرعن لكان الحَسَن والقبيح ما أمَر به ونهى عنه.
الوجه السادس: لو لم يكونا عقليّين، لم يجُز إِسنادُ الأحكام إِلى المصالح. وحينئذٍ، ينسدّ بابُ القياس في الشرع بتحسينها، وكذا المفاسدُ.
والنزاع معكم إِنما هو فيما سبق. وهو كونُ العقل بذاته أدرك المصالحَ والمفاسدَ، ثمّ جَزَم وأوجَب في حُكم الله سبحانه رّبْط الجزاءِ بها ثوابًا وعقابًا وذلك غير ما نحن فيه.
الوجه السابع: لو كان حُسن الأفعال لورودِ الأمر بها، لم تكن أفعالُ الله سبحانه حَسنةً، لاستحالة توجُّه الأمر إِليه من غيره. ولو كان قبحُ الفعل للنهي عنه، لاقتضى نهيُ التنزيه قبحَ المنهيّ عنه.
والجواب أنّ الحَسّن عندنا ما عَلِمَ فاعلُه أنّه غير ممنوعٍ منه. فيتناول أفعالَ الله سبحانه؛ إِذ لا مانع. والمقتضي للقبح هو نهيٌ مخصوصٌ، وهو نهي التحريم، لا مطلق النهي. وأمّا قولنا في بعض المواضع، "الحَسَن ما أذن فيه الشرعُ، والقبيح ما مَنَع منه"، فإِنما نريد بذلك الحَسَنَ من أفعالنا؛ وهو حَسَنٌ خاص. أمّا إِذا أردنا به ما يعم الحَسَنَ منّا ومن الله سبحانه، عرفناه بما ذكرنا. والله أعلم.
[إبطال التحسين والتقبيح]
والمعتمد في إِبطال التحسين والتقبيح أنّ رعاية مصالح الخلق غير واجبةٍ على الله. ويلزم من ذلك بطلانُ التحسينوالتقبيح.
أمّا الأوّل، فلأنّ خلق اللهِ سبحانه للعالم في وقته الذي خلَقه فيه، دون ما قبله وعده، إِمّا مصلحةٌ لهم، أو مفسدةٌ، أو مصلحةٌ لبعضهم دون بعضٍ. فإن كان مصلحةً، فقد فوّتها فيما قبل خلْقِ العالمِ بدهورٍ وأزمنةٍ لا تتناهى. وإن كان مفسدةً،
1 / 92