وكقبح الظلم، والكذب، وإِهلاك البريء، والتقاعد عن تخليص المُشفِي على الهلاك مع القدرة عليه، ونحوه.
"ومنه ما يدرِكه نظرًا، كحُسن الصدق الضارّ، وقبحِ الكذبِ النافع، لتعارُض المصلحة والمفسدة فيه؛ فيُنظر في أيّهما أرجح، بخلاف الأوّل، فإِنّه ضروري لتمحضِ مصلحتِه.
"ومنه ما لا سبيل للعقل إِلى إِدراكه بدون التوقيف، كحُسن العبادات، كالصلاة والزكاة، وقُبح المحرَّمات النافعة، كالخمر ونحوها، وكتقدير نصات الزكوات وأُروش الجنايات، وإِيجاب صوم آخِر يومٍ من رمضان، وتحريم صوم الذي بعده، وتحريم صوم الأيّام الخمسة، ومشروعيّته في غيرها من الأوقات، وتحريم الصلاة في الأوقات الخمسة والأماكن السبعة، ومشروعيّتها في غيرها من الأزمنة والأمكنة. وذلك هو حظّ النبوّات، وفائدة إِرسال الرسل، هو وغيره من فوائد البِعثة على ما بيّنه العلماءُ".
وحاصل ذلك أنّ العقل إنِ أَدرَك كونَ الفعلِ مصلَحةً أو مفسدةً جَزم بارتباط الثواب أو العقاب بها ابتداءً. وإن لم يُدرِك ذلك، تَوقف في جزمه على تعريف الشرع له بكونه مصلحةً أو مفسدةً.
[مآخذ الخلاف في مسألة التحسين والتقبيح]
[المأخذان الكيّان]
وإِذ قد تلخَّص محل النزاع، فنذكر مآخذ الخلاف، وهو من وجهين.
أحدهما: أنّ الحُسن عندهم صفةٌ قامت بالفعل، أَوجبَت كونَه حَسنًا، والقبحَ صفةٌ قامت به أَوجبَت كونه قبيحًا، حملًا للأفعال على الأجسام. فإِن الحُسن والقبح إنما هو نسبةٌ وإِضافةٌ حاصلةٌ بين الفعلِ واقتضاءِ الشرعِ إِيجاد والكفَّ عنه. فإِذا قال الشرعُ: "صلِّ! "، قلنا: الصلاة حَسنةٌ: "لا تزن! " قلنا: الزنا قبيحٌ. وعلى هذا فقِسْ.
وما ذكروه، مِن أنّ الحُسن والقبح صفتان للفعل، باطلٌ، لأنّ الصفات أعراضٌ؛
1 / 84