قلتُ: لأّن أفعالهما لا توصف بحُسنٍ ولا قُبحٍ، فهي عريّةٌ عن وجوه القبح. وكذلك هما لا يستحقّان مدحًا ولا ذمًّا.
وقال الجبّائيّ: "الحَسَنُ ما للقادر عليه فعلُه". قلتُ: وهو دوري؛ لأنّا لا نعلم أنّ له فِعلَه حتى نعلم حُسنَه. فلو عرّفنا كونَه حَسَنًا بأنّه عرى عن وجوه القبح وعدمِ استحقاق فاعلِه الذمَّ، كان دورًا. وإِذا عُرِف الكلام على الحَسَن تعريفًا وتزييفًا، فالكلام على القبيح على وزانه في ذلك عكسًا.
ومذهبنا: الحَسَنُ ما وَرَد به الشرعُ اقتضاءً لفعله وإِثناءً على فاعل؛ فيتناول الواجبَ والمندوبَ. [والقبيحُ ما وَرَد به الشرعُ] اقتضاء لتركه وذمَّا لفِاعله؛ فيتناول الحرامَ والمكروهَ.
فإِن قيل: "المباح من أحكام الشرع؛ ولو تتناوله هذه القِسمةُ". فالجواب من وجوهٍ. أحدها: أنّ المباح لوقوع التخيير فيه صار كأفعال البهائم، لا حَسَنٌ ولا قبيحٌ، ولا مدحٌ فيه ولا ذمٌ. ولهذا، قالت المعتزلة: "إِنّه ليس من أحكام التكليف؛ إِذ التكليف يقتضي المشقّة، ولا مشقّة مع التخيير".
الثاني: قال ابن برهان: "المباح أيضًا إِ ن الشارع في إطلاق الثناء على فاعله. فتتناوله القسمةُ المذكورة". قلتُ: هذا إِنما يتحقق على رأى الكعبيىّ في قوله، "كلّ مباحٍ تَركُ حرامٍ؛ وتركُ الحرامِ واجبٌ". لكنّ هذا يوجب أنّه من قِسم الواجب، وأنْ لا مباح. بل يقال: إِنّ فعل المباحِ يَستلزم تركَ الحرامِ، فيتوجّه الثناءُ إِلى فاعلِه من هذه الحيثيّة. وبالجملة، في هذا الوجه شيءٌ.
الثالث: أنّ الإِسفرائينيّ لهذا الإِشكال قال: "الحَسَن هو المأذونُ فيه شرعًا"؛ فيتناول المباحَ. فلنا أن نُفسِّر الاقتضاءَ المذكور في قسمتنا بالإِذن. أو نقول: الاقتضاء يتضمّن
1 / 80