وصعد جاك إلى هذه العربة بصحبة الجلاد، ثم خرج وراءه من باب السجن برناردينو أخوه الصغير، فما كاد يظهر للجميع حتى قام فيهم مندوب من لدن البابا يقول: «قد عفا سيدنا ومولانا البابا عنك يا برنار سنسي ووهب لك الحياة، إنما أمر أن تساق إلى آلة الإعدام وتجرى عليك الرسوم التي على إخوتك دون أن تموت، فعليك أن لا تنسى في صلواتك من كان قدر عليك أن تموت معهم.»
ولما سمع القوم هذا الخبر غير المنتظر ضجوا فرحا، وأقبلوا عليه ينزعون عن عينيه الرباط الذي كان أعد له ليخفي عنه نظر آلة الإعدام.
وأصعد الجلاد برناردينو إلى جنب أخيه بعد أن استلم صورة العفو عنه، ثم ألقى عليه رداء ثمينا موشى بالذهب، وعجب الناس من وجود هذا الرداء الثمين لدى الجلاد، ولم يعلموا أنه الرداء الذي أهدته بياتريس لمارزيو، وورثه عنه الجلاد بعد إعدامه، كما قضت عوائد ذلك العصر، وأثر على برناردينو نظر ذلك الجمع المحتشد فغشي عليه.
وسار موكب الأخوين تزفه الأغاني الدينية حتى سجن كورتي سافيلا، فوقف أمام بابه وخرجت بياتريس وامرأة أبيها، فسجدتا أمام الصليب وسارتا وراء الجمع ماشيتين على قدميهما إحداهما تلي الأخرى. وكانت لوكريزيا مرتدية الحداد وتبكي بكاء مرا وبياتريس لابسة ثيابا من حرير موشاة بالفضة، والسكون والصبر مرسومان على محياها.
وكانت كل منهما حاملة في إحدى يديها صليبا وفي الأخرى منديلها.
وسار الموكب حتى جسر سانتانج المقامة عند ميدانه آلة الإعدام. وقد نصبوها في الليل وكانت تلك الآلات القاطعة ذات نصل ثقيل ينزلق بين عامودين فيسقط على رأس المحكوم عليه وهو ممدد على لوح من الخشب، وقد أسندت رأسه إلى قائمة موازية للوح. ولما وصل الموكب إلى ذلك المكان أدخلت المرأتان إلى كنيسة قريبة، ثم أدخل الفتيان عندهما فلبثوا برهة معا، ثم أتى الجلادون، فأخذوا جاك وأخاه إلى الساحة، فلما علا الفتيان آلة الإعدام غشي على أصغرهما، فتقدم إليه الجلاد لينبهه، فظن القوم أنه يريد السوء فصاحوا به قائلين: «إنه معفي عنه.» فطمنهم الجلاد بإشار، وأجلس الفتى جانب القائمة، وجثا أخوه على جانبها الآخر.
وعاد الجلاد فأحضر لوكريزيا أولا، حيث قرر أن تعدم الأولى، فتقدم بها إلى أسفل آلة الإعدام فقد قميصها من صدرها، ثم صعد بها إلى حيث الفتيان، وكانت لوكريزيا ممتلئة الجسم فتعبت لصعود سلم الآلة، ولما استقر بها عليها المقام، قدم لها الجلاد صورة المسيح على صليبه فقبلتها ثم نزع عن رأسها غطاءها، فخجلت وقد انكشف للناظرين صدرها ورأسها، ثم التفتت فرأت القائمة التي أعدت لرقبتها، فارتجفت ارتجافا خفق له قلوب الحاضرين، وجالت الدموع في آماقها، فقالت بصوت جهوري: «رباه! ارؤف بي وارحمني، وأنتم يا إخواني صلوا لأجلي.»
والتفتت لوكريزيا إلى الجلاد تسأله عما تفعل، فقال لها أن تتمدد على بطنها على اللوح، ففعلت وهي تذوب خجلا من الأنظار الموجهة إليها، وتستيسر الموت عنها، ومنع ثدياها رقبتها أن تلمس القائمة فأتي بقطعة من الخشب رفعت بها القائمة، ولما تم ذلك الوضع أدار الجلاد لولب الآلة، فسقط النصل، وانفصلت الرأس فتدحرجت، وقد ضج القوم لذلك المشهد، وتناول الجلاد الرأس، فأراها للحاضرين، ثم لفها في خرقة سوداء، وأودعها مع الجثة تابوتا كان معدا لهذا الغرض.
وبينما الجلادون يعيدون آلة الإعدام إلى ما كانت عليه استعدادا لمقدم بياتريس؛ إذ سقط درج كان أقيم لجلوس المتفرجين، فمات تحته قوم وجرح آخرون.
وعاد الجلاد إلى الكنيسة ليأتي ببياتريس، فوجدها قائمة تصلي، فلما رأته مقبلا وفي يده الحبال التفتت له قائلة: «يريد الله أن ينتهي ذلك الجسم على يديك إلى الفناء وتقصد الروح دار الأبدية.» ثم قامت تتبعه إلى الساحة فقبلت الصليب، ثم خلعت نعليها، وارتقت سلم آلة الإعدام بخفة ونشاط، فلما بلغت سطحها، وكانت قد استعلمت قبل عما يتم عليها، قصدت اللوح وتمددت عليه، ووضعت رقبتها فوق القائمة حتى لا ينظر القوم كتفيها وهما عاريان، لكنها ما كادت تعلو اللوح حتى سمع دوي مدفع أطلق من قصر سانتانج، فاندهش الحاضرون واندهشت بياتريس نفسها فهبت تنظر الخبر، وكان البابا عالما بما جبلت عليه هذه الفتاة من حدة الطبع؛ فخشي أن ترتكب خطيئة بين الغفران والموت، فأمر بأن يطلق مدفع عندما تعلو آلة الإعدام فيسمعه وهو بمونتي كافلو قائم يصلي فيدعو الله ليغفر لها خطاياها.
Bilinmeyen sayfa