دفع شبه من شبه فتمرد
Sayfa 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين صلى الله عليه وسلم على سيد الأولين والآخرين وأكرم السابقين واللاحقين وسلم ومجد وكرم سبحان من بيده الضر والنفع والوصل والقطع والتفرقة والجمع والعطاء والمنع وفق من أحب لتنزيهه فحمى موضع نظره منه وكذا السمع وخذل من أبغض فجرى لشقاوته على ما اعتاده وألفه من رديء الطبع فهب على الأول نسيم إسعاده وعلى الثاني ريح إبعاده لصدع قلبه بتمويه العدو فياله من صدع تقدس وتمجد بعز كبريائه وجلاله وتفرد بأوصاف عظمته وكماله كما عم بجوده وإفضاله ونواله تقدس وتبارك عن مشابهة العبيد وتنزه عن صفات الحدوث
فمن شبه فقد شابه السامرة وأبا جهل والوليد ومن عطل ما ثبت له من صفاته بالأدلة القاطعة فهو عن الحق مائل ومحيد وكلا القسمين سفيه وشقي وغير رشيد ومن ورائهما عذاب شديد
ونال خلع الرضوان في دار الأمان من نزه مع تزايد الكرامات ولديه مزيد
فشتان بين من هو راتع في رياض السلامة ونزل الكرامة في دار المقامة وبين المطرود المعبود وقد حق عليه الوعيد
وبعد فإن سبب وضعي لهذه الأحرف اليسيرة ما دهمني من الحيرة من أقوام أخباث السريرة يظهرون الإنتماء إلى مذهب السيد الجليل الإمام أحمد وهم على خلاف ذلك والفرد الصمد والعجب أنهم يعظمونه في الملأ ويتكاتمون إضلاله مع بقية الأئمة وهم أكفر ممن تمرد وجحد ويضلون عقول العوام وضعفاء الطلبة بالتمويه الشيطاني وإظهار التعبد والتقشف وقراءة الأحاديث ويعتنون بالمسند
Sayfa 4
كل ذلك خزعبلات منهم وتمويه وقد إنكشف أمرهم حتى لبعض العوام وبهذه الأحرف يظهر الأمر إن شاء الله تعالى لكل أحد إلا لمن أراد عزوجل إضلاله وإبقاءه في العذاب السرمد
Sayfa 5
ومن قال بنفي ذلك أي بنفي خلود العذاب وسرمديته وهو إبن تيمية وأتباعه فقد تجرأ على كلام الغفور قال تعالى
ﵟوالذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفورﵞ
وعلى العليم الحكيم في قوله تعالى
ﵟيريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيمﵞ
والآيات في ذلك كثيرة عموما وخصوصا ومنها قوله تعالى
ﵟربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماﵞ
والغرام المستمر الذي لا ينقطع فلو انقطع قدر نفس لا يسمى غراما ومن ذلك قوله تعالى
ﵟوجاء ربكﵞ
قال الإمام أحمد معناه جاء أمر ربك قال القاضي أبو يعلى قال الإمام أحمد المراد به قدرته وأمره وقد بينه في قوله تعالى
ﵟأو يأتي أمر ربكﵞ
يشير إلى حمل المطلق على المقيد وهو كثير في القرآن والسنة والإجماع وفي كلام علماء الأمة لأنه لا يجوز عليه الإنتقال سبحانه وتعالى ومثله حديث النزول وممن صرح بذلك الإمام الأوزاعي والإمام مالك لأن الإنتقال والحركة من صفات الحدث والله عزوجل قد نزه نفسه عن ذلك ومن ذلك قوله تعالى
ﵟاستوى على العرشﵞ
فإذا سأل العامي عن ذلك فيقال له الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وسنوضح ذلك إن شاء الله تعالى وإنما أجاب الإمام ربيعة بذلك وتبعه تلميذه مالك لأن الإستواء الذي يفهمه العوام من صفات الحدث وهو سبحانه وتعالى نزه نفسه عن ذلك بقوله تعالى
ﵟليس كمثله شيءﵞ
فمتى وقع التشبيه ولو بزنة ذرة جاء الكفر بالقرآن قال الأئمة وإنما قيل السؤال بدعة لأن كثيرا ممن ينسب إلى الفقه والعلم لا يدركون الغوامض في غير المتشابه فكيف بالمتشابه فآيات المتشابه وأحاديثه لا يعلمها إلا الله سبحانه والقرآن والسنة طافحان بتنزيهه عزوجل ومن أسمائه القدوس وفي ذلك المبالغة في التنزيه ونفى خيال التشبيه وكذا في قوله تعالى
ﵟقل هو الله أحدﵞ
إلخ لما فيها من نفي الجنسية والبعضية وغير ذلك مما فيه مبالغة في تنزيهه سبحانه وتعالى وكان الإمام أحمد رضي الله عنه يقول أمروا الأحاديث كما جاءت وعلى ما قال جرى كبار أصحابه كإبراهيم الحربي وأبي داود والأثرم ومن كبار أتباعه أبو الحسين المنادي وكان من المحققين وكذلك أبو الحسن التميمي وأبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب وغيرهم من أساطين الأئمة في مذهب الإمام أحمد وجروا على ما قاله في حالة العافية وفي حالة الإبتلاء فقال تحت السياط فكيف أقول ما لم يقل وقال في آية الإستواء هو كما أراد فمن قال عنه أنه قال في الإستواء أنه من صفات الذات أو صفات الفعل أو أنه قال إن ظاهره مراد فقد افترى عليه وحسيبه الله تعالى فيما نسب إليه مما فيه الحاقة عزوجل بخلقه الذي هو كفر صراح لمخالفته كلامه فيما نزه نفسه به سبحانه وتعالى عما يقولون ومنهم إبن حامد والقاضي تلميذه وإبن الزاغوني وهؤلاء ممن ينتمي إلى الإمام ويتبعهم على ذلك الجهلة بالإمام أحمد وبما هو معتمده مما ذكرت بعضه وبالغوا في الإفتراء إما لجهلهم وإما لضغينة في قلوبهم كالمغيرة بن سعيد وأبي عبد الله محمد الكرامي لأنهم أفراخ السامرة في التشبيه ويهود في التجسيم وحرف المغيرة ومعه خمسة من أتباعه كما أذكره من بعد قال إبن حامد في قوله تعالى
ﵟويبقى وجه ربكﵞ
وفي قوله تعالى
ﵟكل شيء هالك إلا وجههﵞ
نثبت لله وجها ولا نثبت له رأسا وقال غيره يموت إلا وجهه وذكروا أشياء يقشعر الجسد من ذكر بعضها
قال أبو الفرج بن الجوزي
Sayfa 6
رأيت من تكلم من أصحابنا في الأصول بما لا يصلح وانتدب للتصنيف وهم ثلاثة إبن حامد وصاحبه القاضي وإبن الزاغوني صنفوا كتبا شانوا بها المذهب وقد رأيتهم نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس فسمعوا أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم على صورته فأثبتوا له صورة ووجها زائدا على الذات وعينين وفما ولهوات وأضراسا ويدين وأصابع وكفا وخنصرا وإبهاما وصدرا وفخذا وساقين ورجلين وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس وقالوا يجوز أن يمس ويمس ويدني العبد من ذاته وقال بعضهم ويتنفس ثم أنهم يرضون العوام بقولهم لا كما يعقل وقد أخذوا بالظواهر في الأسماء والإضافات فسموا الصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله سبحانه وتعالى ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من سمات الحدث ولم يقنعوا أن يقولوا صفة فعل حتى قالوا صفة ذات ثم لما أثبتوا أنها صفات قالوا لا نحملها على ما توجبه اللغة مثل اليد على النعمة أو القدرة ولا المجيء على معنى البر واللطف ولا الساق على الشدة ونحو ذلك بل قالوا نحملها على ظواهرها المتعارفة والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن فإن صرف صارف حمل على المجاز وهم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون نحن أهل السنة وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوام على ذلك لجهلهم ونقص عقولهم وكفروا تقليدا وقد نصحت للتابع والمتبوع ثم أقول لهم على وجه التوبيخ يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل وإتباع وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول كيف أقول ما لم يقل هل بلغكم أنه قال إن الإستواء من صفة الذات المقدسة أو صفة الفعل فمن أين أقدمتم على هذه الأشياء وهذا كله إبتداع قبيح بمن ينكر البدعة ثم قلتم أن الأحاديث تحمل على ظاهرها
Sayfa 7
وظاهر القدم الجارحة وإنما يقال تمر كما جاءت ولا تقاس بشيء فمن قال إستوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات وذلك عين التشبيه فاصرفوا بالعقول الصحيحة عنه سبحانه ما لا يليق به من تشبيه أو تجسيم وأمروا الأحاديث كما جاءت من غير زيادة ولا نقص فلو أنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت لما أنكر عليكم أحد ولا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي أعني الإمام أحمد ما ليس منه فلقد كسوتم هذا المذهب شيئا قبيحا حتى لا يقال عن حنبلي إلا مجسم ثم زينتم مذهبكم بالعصبية ليزيد وقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته وقد كان أبو محمد التميمي يقول في بعض أئمتكم لقد شان المذهب شينا قبيحا لا يغسل إلى يوم القيامة فالحاصل من كلام إبن حامد والقاضي وإبن الزاغوني من التشبيه والصفات التي لا تليق بجناب الحق سبحانه وتعالى هي نزعة سامرية في التجسيم ونزعة يهودية في التشبيه وكذا نزعة نصرانية فإنه لما قيل عن عيسى عليه السلام أنه روح الله سبحانه وتعالى إعتقدت النصارى أن الله صفة هي روح ولجت في مريم عليها السلام وهؤلاء وقع لهم الغلط من سوء فهمهم وما ذاك إلا أنهم سموا الأخبار أخبار صفات وإنما هي إضافات وليس كل مضاف صفة فإنه سبحانه وتعالى قال
ﵟونفخت فيه من روحيﵞ
وليس لله صفة تسمى روحا فقد إبتدع من سمى المضاف صفة ونادى على نفسه بالجهل وسوء الفهم ثم أنهم في مواضع يؤولون بالتشهي وفي مواضع أغراضهم الفاسدة يجرون الأحاديث على مقتضى العرف والحس ويقولون ينزل بذاته وينتقل ويتحرك ويجلس على العرش بذاته ثم يقولون لا كما يعقل يغالطون بذلك من يسمع من عامي وسيء الفهم وذلك عين التناقض ومكابرة في الحس والعقل لأنه كلام متهافت يدفع أخره أوله وأوله آخره وفي كلامهم ننزهه غير أننا لا ننفي عنه حقيقة النزول وهذا كلام من لا يعقل ما يقول ومثل قول بعضهم المفهوم من قوله
ﵟالله لا إله إلا هو الحي القيومﵞ
في حقه هو المفهوم في حقنا إلا أنه ليس كمثله شيء فأنظر أرشدك الله كيف حكم بالتشبيه المساوي ثم عقبه بهذا التناقض الصريح وهذا لا يرضى أن يقوله من له أدنى روية ولهم من مثل هذه التناقضات ما لا يحصى ومن التناقض الواضح في دعواهم في قوله تعالى
ﵟالرحمن على العرش استوىﵞ
أنه مستقر على العرش مع قولهم في قوله تعالى
ﵟأأمنتم من في السماءﵞ
إن من قال إنه ليس في السماء فهو كافر ومن المحال أن يكون الشيء الواحد في حيزين في آن واحد وفي زمن واحد ومن المعلوم أن في للظرفية ويلزم أنه سبحانه وتعالى مظروف تعالى عن ذلك وفي البخاري من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رؤي في وجهه فقام فحكها بيده فقال إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة وفيه من حديث إبن عمر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار القبلة فحكها ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فقال ما بال أحدكم يستقبل ربه فيتنخع أمامه أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم أنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم وفي رواية والذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته وفي الصحيح أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني وحديث المريض أما لوعدته لوجدتني عنده وقال تعالى
ﵟوناديناه من جانب الطور الأيمنﵞ
وقال تعالى
ﵟنودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمينﵞ
وقال تعالى
ﵟفأينما تولوا فثم وجه اللهﵞ
وفي الترمذي في حديث العنان وفيه ذكر الأرضين السبع وأن بين كل أرض والأخرى كما بين السماء والأرض ثم قال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو دلى أحدكم بحبل لوقع على الله سبحانه وتعالى ومثل هذه الأدلة كثير وكلها قاضية بالكون السفلي دون العلوي وأعلم أن الإستواء في اللغة على وجوه وأصله إفتعال من السواء ومعناه أي السواء العدل والوسط وله وجوه في الإستعمال منها الإعتدال قال بعض بني تميم إستوى ظالم العشيرة والمظلوم أي إعتدلا ومنها إتمام الشيء ومنه قوله تعالى
ﵟولما بلغ أشده واستوىﵞ
ومنها القصد إلى الشيء ومنه قوله تعالى
ﵟثم استوى إلى السماءﵞ
أي قصد خلقها ومنها الإستيلاء على الشيء ومنه قول الشاعر
( ثم استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق ) وقال آخر
( إذا ما غزا قوما أباح حريمهم
وأضحى على ما ملكوه قد إستوى )
ومنها بمعنى إستقر ومنه قوله تعالى
ﵟواستوت على الجوديﵞ
وهذه صفة المخلوق الحادث كقوله تعالى
ﵟوجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهورهﵞ
وهو نزه نفسه سبحانه عن ذلك في كتابه العزيز في غير ما موضع وقطع المادة في ذلك أن المسألة علمية وكفى الله المؤمنين القتال والجدال
قال أبو الفرج بن الجوزي وجميع السلف على إمرار هذه الآية كما جاءت من غير تفسير ولا تأويل قال عبد الله بن وهب كنا عند مالك بن أنس ودخل رجل فقال يا أبا عبد الله
ﵟالرحمن على العرش استوىﵞ
كيف استواؤه فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال
ﵟالرحمن على العرش استوىﵞ
كما وصف نفسه ولا يقال له كيف وكيف عنه مرفوع
وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه
فأخرج
كان إبن حامد يقول المراد بالإستواء القعود وزاد بعضهم إستوى على العرش بذاته فزاد هذه الزيادة وهي جرأة على الله بما لم يقل
Sayfa 9
قال أبو الفرج وقد ذهب طائفة من أصحابنا إلى أن الله عزوجل على عرشه ما ملأه وأنه يقعد نبيه معه العرش ثم قال والعجب من قول هذا ما نحن مجسمة وهو تشبيه محض تعالى الله عزوجل عن المحل والحيز لإستغنائه عنهما ولأن ذلك مستحيل في حقه عزوجل ولأن المحل والحيز من لوازم الأجرام ولا نزاع في ذلك وهو سبحانه وتعالى منزه عن ذلك لأن الأجرام من صفات الحدث وهو عزوجل منزه عن ذلك شرعا وعقلا بل هو أزلي لم يسبق بعدم بخلاف الحادث ومن المعلوم أن الإستواء إذا كان بمعنى الإستقرار والقعود لا بد فيه من المماسة
والمماسة إنما تقع بين جسمين أو جرمين والقائل بهذا شبه وجسم وما أبقى في التجسيم والتشبيه بقية كما أبطل دلالة
ﵟليس كمثله شيءﵞ
ومن المعلوم في قوله تعالى
ﵟلتستووا على ظهورهﵞ
أنه الإستقرار على الأنعام والسفن وذلك من صفات الآدميين فمن جعل الإستواء على العرش بمعنى الإستقرار والتمكن فقد ساوى بينه عزوجل وبين خلقه وذلك من الأمور الواضحة التي لا يقف في تصورها بليد فضلا عمن هو حسن التصور جيد الفهم والذوق وحينئذ فلا يقف في تكذيبه
ﵟليس كمثله شيءﵞ
وذلك كفر محقق
ثم من المعلوم أن الإستواء من الألفاظ الموضوعة بالإشتراك وهو من قبيل المجمل فدعواه أنه بمعنى الإستقرار في غاية الجهل لجعله المشترك دليلا على أحد أقسامه خاصة فالحمار مع بلادته لا يرضى لنفسه أن يكون ضحكة لجعله القسم قسيما فمن تأمل هؤلاء الحمقى وجدهم على جهل مركب يحتجون بالأدلة المجملة التي لا دليل فيها قطعا عند أهل العلم ويتركون الأدلة التي ظاهرها في غاية الظهور في الدليل على خلاف دعواهم بل بعضها نصوص كما قدمته في حديث النخامة وغيرها فتنبه لذلك لتبقى على بصيرة من جهل أولئك
ومن المعلوم أنه عزوجل واجب الوجود كان ولا زمان ولا مكان وهما أعني الزمان والمكان مخلوقان وبالضرورة أن من هو في مكان فهو مقهور محاط به ويكون مقدرا ومحدودا وهو سبحانه وتعالى منزه عن التقدير والتحديد وعن أن يحويه شيء أو يحدث له صفة تعالى الله عما يصفون وعما يقولون علوا كبيرا
فإن قيل ففي الصحيحين من حديث شريك بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه أنه ذكر المعراج وفيه فعلا بي الجبار تعالى فقال وهو في مكانه يا رب خفف عنا الحديث فالجواب أن الحافظ أبا سليمان الخطابي قال إن هذه لفظة تفرد بها شريك ولم يذكرها غيره وهو كثير التفرد بمناكير الألفاظ والمكان لا يضاف إلى الله سبحانه وتعالى إنما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه الأول الذي أقيم فيه وفي الحديث فاستأذن على ربي وهو في داره يوهم مكانا وإنما المعنى في داره التي دورها لأوليائه وقد قال القاضي أبو يعلى في كتابه المعتمد أن الله سبحانه وتعالى وتقدس لا يوصف بمكان فإن قيل يلزم من كلامكم نفي الجهات ونفيها يحيل وجوده فالجواب أن هذا السؤال ساقط فيه تمويه على الأغبيا يجرون الجهات المتعلقة بالآدميين بالنسبة إلى الله عزوجل عن ذلك
Sayfa 10
وأيضا إن كان الموجود يقبل الإتصال والإنفصال فمسلم فأما إذا لم يقبلهما فليس خلوه من طرفي سوى النقيض بمحال ويوضح هذا أنك لو قلت كل موجود لا يخلو أن يكون عالما أو جاهلا قلنا إن كان ذلك الموجود يقبل الضدين فنعم فأما إذا لم يقبلهما كالحائط مثلا فإنه لا يقبل العلم ولا الجهل ونحن ننزه الذي ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى كما نزه نفسه عن كل ما يدل على الحدث وما ليس كمثله شيء لا يتصوره وهم ولا يتخيله خيال والتصور والخيال إنما هما من نتائج المحسوسات والمخلوقات تعالى عن ذلك ومن هنا وقع الغلط وإستدراج العدو فأهلك خلقا وقد تنبه خلق لهذه الغائلة فسلموا وصرفوا عنه عقولهم إلى تنزيهه سبحانه وتعالى فسلموا
ومن الأحاديث التي يحتجون بها حديث عبد الرحمن إبن عائش عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قلت أنت أعلم يا رب فوضع كفيه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السموات وما في الأرض وهذا الحديث قال الإمام أحمد فيه أن طرقه مضطربة وقال الدارقطني كل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح وقال البيهقي روى من أوجه كلها ضعيفة وأحسن طرقه يدل على أن ذلك كان في النوم ويدل على ذلك أنه روي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال أتاني أت في أحسن صورة فقال فيم يخيصم الملأ الأعلى قلت لا أدري فوضع كفيه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعرفت كل شيء يسألني عنه وروي من حديث ثوبان رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح فقال إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة فقال لي يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لا أعلم يا رب فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري فتجلى لي ما بين السماء والأرض وروى من وجوه كثيرة فهي أحاديث مختلفة وليس فيها ما يثبت مع أن عبد الرحمن لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وعلى وجه التنزل فالمعنى راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالمعنى رأيته على أحسن صفاته أي من الإقبال والرضا ونحو ذلك
Sayfa 11
لأن الصورة يعبر بها ويراد الصفة كما في حديث خلق الله آدم على صورته تقول هذه صورة هذا الأمر أي صفته فيكون المعنى خلق الله آدم على صفته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة مع أن هذا الحديث فيه علل منها أن الثوري والأعمش كان يدلس ولم يذكر أنه سمع الحديث من حبيب بن أبي ثابت ومنها أن حبيبا كان يدلس ولم يعلم أنه سمعه من عطاء وهذا كله يوجب وهنا في الحديث ومع ذلك فالضمير يصح عوده إلى آدم عليه السلام فالمعنى أن الله عزوجل خلق آدم على صورته التى خلقه عليها تاما لم ينقله من نطفة إلى علقة كبنيه قال الإمام أبو سليمان الخطابي وذكره تغلب في أماليه وقيل إن الضمير يعود إلى بعض بني آدم وخلق من العلماء سكتوا عن تفسير هذا الحديث فالمشبه لا متمسك له بهذه الأحاديث لما ذكرناه وتمسكه بها يدل على جهله وزندقته عافانا الله عزوجل من ذلك ومن ذلك حديث القدم لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه الحديث وهذا يرجع إلى المحكم قال الله تعالى
ﵟوبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهمﵞ
وقال الحسن البصري القدم في الحديث هم الذين قدمهم الله من شرار خلقه وأثبتهم لها وقال البيهقي عن النضر بن شميل القدم هنا الكفار الذين سبق في علم الله أنهم من أهل النار وقال الأزهري القدم الذين تقدم القول بتخليدهم في النار وقال إبن الأعرابي القدم المتقدم وكل قادم عليها يسمى قدما والقدم جمع قادم كما يقال عيب وعايب وروى الدارقطني حتى يضع قدمه أو رجله وفي هذه دلالة على تغيير الرواية بالظن مع أن الرجل في اللغة هي الجماعة ألا تراهم يقولون رجل من جراد فيكون المعنى يدخلها جماعة يشبهون الجراد في الكثرة قال إبن عقيل تعالى الله أن يكون له صفة تشغل الأمكنة وهذا عين التجسيم وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض فما أسخف هذا الإعتقاد وأبعده عن المكون تعالى الله عن تخايل الجسمية وذكر كلاما مطولا بالغا في التنزيه وتعظيم الله تعالى وقد تمسك بهذا الحديث إبن حامد المشبه فأثبت لله سبحانه وتعالى صفات وزاد فروى من حديث إبن عباس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لما أسري بي رأيت الرحمن على صورة شاب أمرد نور يتلألأ وقد نهيت عن صفته لكم فسألت ربي أن يكرمني برؤيته فإذا كأنه عروس حين كشف عنه حجابه مستو على عرشه وهذا من وضعه وافترائه وجرأته على الله عزوجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أعظم فرية ممن شبه الله عزوجل بأمرد وعروس وكان بعض أئمة الحنابلة يتوجع ويقول ليت إبن حامد هذا ومن ضاهاه لم ينسبوا إلى أنهم من أتباع الإمام أحمد فقد أدخلوا بأقوالهم المفتراة الشين على المذهب والتعرض إلى الإمام أحمد بالتشبيه والتجسيم وحاشاه من ذلك بل هو من أعظم المنزهة لله عزوجل وقد خاب من افترى وقال بعض أئمة الحنابلة المنزهين من أثبت لله تعالى هذه الصفات بالمعنى المحسوس فما عنده من الإسلام خبر تقدس الله عزوجل عما يقولون علوا كبيرا وخوضهم في ذلك كلام من لايعرف الله عزوجل وكذا خوضهم في الأحاديث خوض من لا يعرف كلام الله تعالى ولا كلام أهل اللغة فيجرونها على المتعارف عند الخلق فيقعون في الكفر ونوضح ذلك إيضاحا مبينا يدركه أبلد العوام فضلا عن أذكياء الطلبة والعلماء الأخيار الذين جعل الله عزوجل قلوبهم معادن المعاني المرادة وكنوزها فمن ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث الضيف وفيه لقد عجب الله من صنيعكما الليلة وفي إفراد البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عجب ربك من قوم جيء بهم في السلاسل حتى يدخلهم الجنة
قال إبن الأنباري معنى عجب ربك زادهم إنعاما وإحسانا فعبر بالعجب عن ذلك قال الأئمة لأن العجب إنما يكون من شئ يدهم الأنسان فيستعظمه ممالا يعلمه وذلك إنما يكون في المخلوق وأما الخالق فلا يليق به ذلك فمعناه عظم قدر ذلك الشيء عنده لأن المتعجب من الشيء يعظم قدره عنده فالمعنى في حديث الضيف عظم قدره وقدر زوجته عنده حتى نوه بذكرهما في أعظم كتبه وعظم قدر المجيء بهم في السلاسل حتى أدخلهم الجنة وجعلهم من أوليائه وأنصار دينه ومن ذلك حديث لله أفرح بتوبة عبده ومعناه أرضى بها ومنه قوله
ﵟكل حزب بما لديهم فرحونﵞ
أي راضون ونحو ذلك مما هو كثير في القرآن وكذا الأحاديث ومنها حديث النزول وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له إلى آخره وهذا الحديث رواه عشرون نفسا من الصحابة رضي الله عنهم وقد تقدم أنه يستحيل على الله عزوجل الحركة والتنقل والتغير لأن ذلك من صفات الحدث فمن قال ذلك في حقه تعالى فقد ألحقه بالمخلوق وذلك كفر صريح لمخالفة القرآن في تنزيهه لنفسه سبحانه وتعالى
Sayfa 13
ومن العجب العجيب أن يقرأ أحدهم قوله تعالى
ﵟوأنزلنا الحديدﵞ
مع أن معدنه في الأرض وقوله تعالى
ﵟوأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواجﵞ
فيالله العجب من شخص لم يعرف نزول الجمل كيف يتكلم في تفصيلها وقد قال تعالى
ﵟوأنزلنا إليك الكتابﵞ
وقال تعالى
ﵟقد أنزل الله إليكم ذكراﵞ
فنسب الإنزال إلى هاتين الغايتين إليه سبحانه وتعالى وقد قال تعالى
ﵟمن يضلل اللهﵞ
أي ببدعته
ﵟفلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهونﵞ
والعمه في البصيرة كما أن العمى في البصر والعمه في البصيرة منه الهلكة أعاذنا الله من ذلك وروى أبو عيسى الترمذي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينه وإبن المبارك أنهم قالوا أمروا هذه الأحاديث بلا كيف قال الأئمة فواجب على الخلق إعتقاد التنزيه وإمتناع تجويز النقلة والحركة فإن النزول الذي هو إنتقال من مكان إلى آخر يفتقر إلى الجسمية والمكان العالي والمكان السافل ضرورة كما في قوله تعالى
ﵟيخافون ربهم من فوقهمﵞ
فإن الفوقية بإعتبار المكان لا تكون بالضرورة إلا في الأجرام والأجسام مركبة كانت أو بسيطة والرب سبحانه وتعالى منزه عن ذلك إذ هو من صفات الحدث وقال إبن حامد الراسم نفسه بالحنبلي هو فوق العرش بذاته وينزل من مكانه الذي هو فيه فينزل وينتقل ولما سمع تلميذه القاضي منه هذا إستبشعه فقال النزول صفة ذاتية ولا نقول نزوله إنتقال أراد أن يغالط الأغبياء بذلك وقال غيره يتحرك إذا نزل وحكوا هذه المقالة عن الإمام أحمد فجورا منه بل هو كذب محض على هذا السيد الجليل السلفي المنزه فإن النزول إذا كان صفة لذاته لزم تجددها كل ليلة وتعددها والإجماع منعقد على أن صفاته قديمة فلا تجدد ولا تعدد تعالى الله عما يصفون وقد بالغ في الكفر من الحق صفة الحق بالخلق وأدرج نفسه في جريدة السامرة واليهود الذين هم أشد عداوة للذين آمنوا ومنها حديث الأصابع وهو في الصحيحين من حديث إبن مسعود رضي الله عنه قال جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع والأنهار على إصبع وسائر الخلق على إصبع وفي لفظ والماء والثرى على إصبع ثم يهزهن فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وما قدروا الله حق قدره وفي لفظ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا له قال الأئمة ومنهم أبو سليمان الخطابي لا نثبت لله صفة إلا بالكتاب أو خبر مقطوع بصحته مستند إلى أصل في الكتاب أو السنة المقطوع بصحتها وما كان بخلاف ذلك فالواجب التوقف عن إطلاق ذلك ويتأول على ما يليق بمعاني الأصول المتفق عليها من أقوال أهل العلم مع نفي التشبيه وقال غيره قد نفى الله تعالى التشبيه عنه في قوله تعالى
ﵟوما قدروا الله حق قدرهﵞ
ﵟوالأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالىﵞ
دفعا لما يتبادر إليه الفهم بإعتبار المحسوسات قال الأئمة معناه ما عرفوه حق معرفته وقال المبرد ما عظموه حق عظمته وقبضة الله عزوجل عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته واليمين في كلام العرب بمعنى الملك والقدرة كما قال تعالى
ﵟلأخذنا منه باليمينﵞ
أي بالقوة والقدرة وأشعار العرب في ذلك أكثر جدا من أن تذكر وأشهر من أن تنشد وتبرز وتظهر وفي الحديث الحجر الأسود يمين الله تعالى وقال تعالى
ﵟيد الله فوق أيديهمﵞ
وقال أبو الوفاء بن عقيل من أصحاب الإمام أحمد ما قدر الله حق قدره إذ جعلوا صفاته تتساعد وتتعاضد على حمل مخلوقاته وإنما ذكر الشرك في الآية ردا عليهم وفي معنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء وفي ذلك إشارة إلى أن القلوب مقهورة لمقلبها قال الخطابي واليهود مشبهة ونزول الآية دليل على إنكار الرسول عليهم ولهذا ضحك صلى الله عليه وسلم علي وجه الإنكار وليس معنى الأصابع معنى الجارحة لعدم ثبوته بل يطلق الإسم في ذلك على ما جاء به الكتاب من غير تكييف ولا تشبيه وقال غيره من حمل الأصابع على الجارحة فقد رد على الله سبحانه وتعالى في قوله سبحانه وأدخل نفسه في أهل الشرك لقوله تعالى
ﵟسبحانه وتعالى عما يشركونﵞ
وهو عزوجل يذكر في كتابه المبين التحرس عما لا يليق دفعا وردا لأعداءه كقوله تعالى
ﵟوقالوا اتخذ الله ولدا سبحانهﵞ
وقال تعالى
ﵟوخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانهﵞ
ونحو ذلك وأكد من ذلك قوله
ﵟوأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولداﵞ
قدم تنزيهه عزوجل أولا في هذه الآية والقرآن طافح بذلك ومنها ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش أن رحمتي غلبت غضبي وفي لفظ سبقت قال القاضي المشبه تلميذ إبن حامد ظاهر قوله عنده القرب من الذات وما قاله يستدعي القرب والمساحة وذلك من صفات الأجسام وقد عمى عن قوله تعالى
ﵟمسومة عند ربكﵞ
ومن المعلوم أنك تقول عندي فوق الغرفة كتاب كذا وهو في موضع شاسع نازل عن الغرفة بمسافة بعيدة ثم أن هذا القاضي روى عن الشعبي أنه قال أن الله قد ملأ العرش حتى أن له أطيطا كأطيط الرحل وهو كذب على الشعبي وقال بعضهم ثم إستوى على العرش قعد عليه وقال إبن الزاغوني خرج عن الإستواء بأربع أصابع ولهم ولأتباعهم مثل ذلك خبائث كلها صريحة في التشبيه والتجسيم لا سيما في مسألة الإستواء وهو سبحانه وتعالى متنزه عما لا يليق به من صفات الحدث ثم أن هؤلاء الجمادات وأعالي الجهلة يلزمهم أن يقولوا في الحديث الذي رواه مسلم وغيره مالم يمكن القول به من أجهل الناس ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ) إلخ وبالضرورة لا يكون سبحانه جارحة لعبده ومع هذا يلزم التعدد بحسب المتقربين والتجزئة والتفرقة وغير ذلك مما لا يقوله حمار بل ولا جماد تعالى الله وتقدس عن ذلك قال إبن الجوزي وهؤلاء وأتباعهم جهلوا معرفة ما يجوز على الله وما يستحيل عليه ومن أعجب ما رأيت لهم ما ذكروا عن إبن أبي شيبة أنه قال في كتاب العرش أن الله قد أخبرنا أنه صار من الأرض إلى السماء ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش ثم قال ونبرأ من أقوام شأنوا مذهبنا فعابنا الناس بكلامهم ولو فهموا أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بما يوصف به الخلق لما بنوا أمورهم وقواعدهم على المحسوسات التي بها المساواة بينه وبين خلقه وفي ذلك تكذيبه في تنزيهه وتقديسه نفسه عزوجل وقال أبو الوفاء بن عقيل تحسب الجهلة أن الكمال في نسبة النقائص إليه فيما نزه نفسه عنه عزوجل والذي أوقعهم في ذلك القياس المظنون وكيف يكون له حكم الدليل وقد قضى عليه دليل العقل بالرد قال أبو الفرج إبن الجوزي والناس في أخبار الصفات على الثلاث مراتب أحدها إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل إلا أن تقع ضرورة كقوله تعالى
ﵟوجاء ربكﵞ
أي جاء أمره وهذا مذهب السلف المرتبة الثانية التأويل وهو مقام خطر
Sayfa 16
المرتبة الثالثة القول فيها بمقتضى الحس وقد عم جهله الناقلين إذ ليس لهم علوم المعقولات التي بها يعرف ما يجوز على الله عزوجل وما يستحيل فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه فإذا عدموها تصرفوا في النقل بمقتضى الحس ولوا فهموا أن الله عزوجل لا يوصف بحركة ولا إنتقال ولا جارحة ولا تغير لما بقوا على الحسيات التي فيها عين التشبيه وهو كفر بالقرآن أعاذنا الله من ذلك ولا شك أن مذهب السكوت أسلم وقد ندم خلق من أكابر المتكلمين على الخوض في ذلك قال أبو المعالي الجويني في آخر عمره خليت أهل الإسلام وعلومهم وركبت البحر الأعظم وغصت في الذي نهوا عنه والآن رجعت إلى قولهم عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطفه وأموت على دين العجائز وإلا فالويل لإبن الجويني قال أبو الوفاء بن عقيل معني بدين العجائز أن المدققين بالغوا في البحث والنظر ولم يشهدوا ما يشفي العقل من التعليل فوقفوا مع المراسم واستطرحوا وقالوا لا ندري وسئل الإمام أحمد قدس الله روحه عن الإستواء فقال هو كما أخبر لا كما يخطر بالبشر فأنظر وفقك الله وأرشدك إلى الحق إلى هذه العبارة ما أرشقها وعلى أتباعه ما أشققها إعتقاد قويم ومنهاج سليم قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي وإسمه عبد الرحمن بن علي لما رأى الحساد للإمام أحمد ما حصل له من الرفعة ونفاسة مذهبه لتشييده بالكتاب والسنة انتموا إلى مذهبه ليدخلوا عليه النقص والخلل وصرف الناس عنه حسدا من أنفسهم فصرحوا بالتشبيه والتجسيم ولم يستحيوا من الخبير العليم
ونسبوه إليه إفتراء عليه ومن نظمه في ذلك
( ولما نظرت في المذاهب كلها
طلبت الأسد في الصواب وما أغلو )
( فألفيت عند السير قول إبن حنبل
يزيد على كل المذاهب بل يعلو )
( وكل الذي قد قاله فمشيد
بنقل صحيح والحديث هو الأصل )
( وكان بنقل العلم أعرف من روى ) يقوم
( ومذهبه أن لايشبه ربه
ويتبع في التسليم من قد مضى قبل ) يشير إلى صاحبه الإمام الشافعي وغيره من علماء السلف كما أذكر
( فقام له الحساد من كل جانب
فقام على رجل الثبات وهم زلوا )
( وكان له اتباع صدق تتابعوا
فكم أرشدوا نحو الهدى ولكم دلوا )
Sayfa 17
( وجاءك قوم يدعون تمذهبا
بمذهبه ما كل زرع له أكل ) ومالوا إلى التشبيه أخذا بصورة الذي نقلوه في الصفات وهم غفل
( وقالوا الذي قلناه مذهب أحمد
فمال إلى تصديقهم من به جهل )
( فصار الأعادي قائلين لكنا
مشبهة قد ضرنا الصحب والخل )
( فقد فضحوا ذاك الإمام لجهلهم
ومذهبه التنزيه لكن هم ختلفوا )
( لعمري لقد أدركت منهم مشايخا
وأكثر ما أدركته ماله عقل )
Sayfa 18
وحذفت أبياتا من هذه القصيدة لأني في هذه الورقات على سبيل الإقتصاد والرمز إلى منهج الحق والرشاد وسئل الإمام الشافعي قدس الله روحه عن الإستواء فقال آمنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك وهذا شأن الأئمة يمسكون أعنة الخوض في هذا الشأن مع أنهم أعلم الناس به ولا يخوض فيه إلا أجهل الناس به وسئل الإمام أبو حنيفة قدس الله روحه عن ذلك فقال من قال لا أعرف الله أفي السماء أم في الأرض فقد كفر لأن هذا القول يؤذن أن الله سبحانه وتعالى مكانا ومن توهم أن الله مكانا فهو مشبه وسئل الإمام مالك عن الإستواء فقال الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة فنفى العلم بالكيف فمن إستدل بكلامه على أنه سبحانه وتعالى فوق عرشه فهو لجهله وسوء فهمه وقال الإمام مالك عند قوله فلا تضربوا لله الأمثال من وصف شيئا من ذاته سبحانه وتعالى مثل قوله تعالى
ﵟوقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهمﵞ
فأشار بيده إلى عنقه قطعت وكذا السمع والبصر يقطع ذلك منه لأنه شبه الله بنفسه وقال مالك رضي الله عنه الإستواء معلوم يعني عند أهل اللغة وقوله والكيف مجهول أي بالنسبة إلى الله عزوجل لأن الكيف من صفات الحدث وكل ما كان من صفات الحدث فالله عزوجل منزه عنه فإثباته له سبحانه كفر محقق عند جميع أهل السنة والجماعة وقوله والإيمان به واجب أي على الوجه اللائق بعظمته وكبريائه وقوله والسؤال عنه بدعة لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا عالمين به وبمعناه اللائق بحسب اللغة فلم يحتاجوا إلى السؤال عنه فلما ذهب العالمون به وحدث من لم يعلم أوضاع لغتهم ولا له نور كنورهم شرع يسأل الجهلة بما يجوز على الله عزوجل وفرح بذلك أهل الزيغ فشرعوا يدخلون الشبه على الناس ولذلك تعين على أهل العلم أن يبينوا للناس وأن لا يهملوا البيان لقوله تعالى
ﵟوإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونهﵞ
فهذه الأئمة التي مدار الأمة عليهم في دينهم متفقون في العقيدة فمن زعم أن بينهم إختلافا في ذلك فقد إفترى على أئمة الإسلام والمسلمين والله حسبه وسيجزي الله المفترين وفي الصحيحين من حديث إبن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية وقال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ القاصية والنافرة والشاذة إياكم والشعاب وعليكم بالعامة والجماعة والمساجد رواه الطبراني وغيره من حديث معاذ رضي الله عنه ورواه الإمام أحمد ورجاله ثقات وسئل الإمام أحمد عن الشافعي فقال ما الذي أقول فيه وهو الذي أخرج من قشور التشبيه لبابها وأطلع على معارفها أربابها وجمع مذهبه أكنافها وأطنابها فالمحدثون صيادلة والشافعي طبيبهم والفقهاء أكابر والشافعي كبيرهم وما وضع أحد قلمه في محبرة إلا وللشافعي عليه منة وكان كثير الدعاء للشافعي قال له إبنه عبد الله أي شيء كان الشافعي فإني إسمعك تكثر الدعاء له قال يابني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فأنظر هل لهذين من خلف أو عوض وسئل بعض أئمة السلف عن قوله تعالى
ﵟالرحمن على العرش استوىﵞ
فقال الرحمن جل وعلا لم يزل والعرش محدث بالرحمن إستوى ثم قال كل ما ميزتموه بأذهانكم وأدركتموه في أتم عقولكم فهو مصروف إليكم ومردود عليكم محدث ومصنوع مثلكم لأن حقيقته عالية عن أن تلحقه عبارة أو يدركه وهم أو يحيط به علم كلا كيف يحيط به علم وقد إتفق فيه الإضداد بقوله سبحانه وتعالى
ﵟهو الأول والآخر والظاهر والباطنﵞ
أي عبارة تخبر عنه حقيقة الألفاظ كلام قصرت عنه العبارات وخرست عنه الألسنة بقوله
ﵟليس كمثله شيءﵞ
تعالى الله وتقدس عن المجاسنة والمماثلة قال إبن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية معناها ليس له نظير وقال أهل التحقيق ذكر العرش إظهارا لقدرته لا مكانا لذاته إذ الذات ممتنعة عن الإحاطة بها والوقوف عليها كما أشار إلى ذلك في قوله تعالى
ﵟالله لا إله إلا هو رب العرش العظيمﵞ
فسبحانه هو المنزه عن الشبيه القدوس المبرأ عن الآفات والمسبح بجميع اللغات السلام السالم من نقائص المخلوقات الصمد السيد الذي لا يشبهه شيء من المصنوعات والمخلوقات الغني عن الأغيار تبارك وتعالى عن أن تحويه الجهات الفرد الذي لا نظير له المنفرد بصفات الكمال والقدرة ومن بعض مقدوراته الكرسي والعرش والأرضون والسموات شهد لنفسه بالوحدانية ونزهها بالآيات البينات فصفاته لا يوصف بها غيره ومن تعرض لذلك فقد طعن في كلامه وضاهى أهل العناد فاستوجب اللعن وأشد العقوبات قال البغداديون في قوله تعالى
ﵟبديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكونﵞ
كل صنع صنعه ولا علة لصنعته ليس لذاته مكان لأنه قبل الكون والمكان وأوجد الأكوان بقوله كن أزال العلل عن ذاته بالدرك وبالعبارة عنه وبالإشارة فلا يبلغ أحد شيئا من كنه معرفته لأنه لا يعلم أحد ما هو إلا هو حي قيوم لا أول لحياته ولا أمد لبقائه احتجب عن العقول والأفهام كما إحتجب عن الأبصار فعجز العقل عن الدرك والدرك عن الإستنباط وانتهى المخلوق إلى مثله واسنده الطلب إلى شكله أهو قولهم كل صنع عبروا بالمصدر عن إسم المفعول كقوله تعالى
ﵟهذا خلق اللهﵞ
ومن الجهل البين أن يطلب العبد المقهور بكن درك مالا يدرك كيف وقد تنزه عن أن يدرك بالحواس أو يتصور بالعقل الحادث والقياس من لا يدركه العقل من جهة التمثيل ويدركه من جهة الدليل فكل ما يتوهمه العقل لنفسه فهو جسم وله نهاية في جسمه وجنسه ونوعه وحركته وسكونه مع ما يلزمه من الحدود والمساحة من الطول والعرض وغير ذلك من صفات الحدث تعالى عن ذلك فهو الكائن قبل الزمان والمكان وهو الأول قبل سوابق العدم الأبدي بعد لواحق القدم ليس كذاته ذات ولا كصفاته صفات
Sayfa 20
جلت ذاته القديمة التي لم تسبق بعدم أن يكون لها صفة حادثة كما يستحيل أن يكون للذات الحادثة صفة قديمة قال تعالى
ﵟحيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاﵞ
وسأل بعض المخبثين الطوية للإمام العالم العلامة الجامع بين العلوم السنية والمناهج العلية يحيى بن معاذ الرازي فقال له أخبرنا عن الله فقال إله واحد فقال له كيف هو قال إله قادر قال فأين هو قال بالمرصاد فقال السائل لم أسألك عن هذا فقال ما كان غير هذا فهو صفة المخلوق فأما صفته فالذي أخبرتك عنه فالسائل سأل عن الذات والكيفية فأجابه هذا الحبر بالصفات الجلالية القدسية وهذا أخذه من قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون اللعين لما قال له موسى عليه السلام
ﵟإني رسول رب العالمينﵞ
فسأله فرعون وما رب العالمين فقال موسى
ﵟرب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنينﵞ
فضمن الجواب العدول عما سأل لأنه عدل فيه عن مطابقة السؤال لأن فرعون سأل عن ما هيتة سبحانه وتعالى وموسى أجابه عن قدرته وصفاته فجاز له حين خلط في السؤال وأخطأ وسأل عما لا يمكن إدراكه العدول عن سؤاله فقال فرعون
ﵟألا تستمعونﵞ
أنا أسأله عن شيء فيجيب عن غيره فقال موسى عليه السلام
ﵟربكم ورب آبائكم الأولينﵞ
فلما قال موسى عليه السلام ذلك استشعر فرعون أنه أخطأ في السؤال فخشي أن يدرك ذلك جلساؤه فقال
ﵟإن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنونﵞ
رماه بذلك حتى يتخلص ويصير موسى عليه السلام في مقام لا يلتفت إلى قوله ولا يؤخذ به فتأمل أرشدك الله عزوجل وهداك إلى الحق كيف أن ذلك معلوم عند الإنبياء عليهم الصلاة والسلام وغيرهم عدم العلم بالذات والكيف فلا أجهل ولا أعمى بصيرة ممن فرعون أهدي منه في معرفته بالعجز عن درك ذاته قال الإمام الحافظ محمد بن علي الترمذي صاحب التصانيف المشهورة من جهل أوصاف العبودية فهو بنعت الربوبية أجهل وقال أهل التحقيق من أهل السنة والجماعة من إعتقد في الله عزوجل ما يليق بطبعه كالعامي فهو مشبه فإنه عزوجل منزه عن كل ما يصفه الآدمي أو يتخيله لأن ذلك من صفات الحدث تعالى وتقدس عن ذلك فإيمان العامي لضعف علمه وعقله يقبل التشكيك قال إبن عباس سبحانه وتعالى بخلقه يؤمنون به مجملا ويكفرون به مفصلا حملهم على ذلك زخرف العدو وإغواؤه رضي الله عنهما في قوله تعالى
ﵟوما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركونﵞ
هم الذين شبهوا الله بدسيسة عدم علمهم بغوائل النفس الأمارة بالسوء وعدم تأملهم قوله تعالى
ﵟما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهمﵞ
وفي ذلك إشارة إلى عجز الخليقة ان تدرك بعض صفات ذواتها في ذاتها أو تدري كيف كنهها في أنفسها بعدم شهودهم خلق السموات والأرض وخلق أنفسها فلم تملك أن تحتوي علم أنفسها في أنفسها فكيف تدري أو تدرك شيئا من صفات موجدها من العدم وبارئها ومالكها وقال تعالى
ﵟومن كل شيء خلقنا زوجينﵞ
ﵟسبحان الذي خلق الأزواج كلهاﵞ
وفي ذلك إشارة ظاهرة إلى عجزك عن إدراك كنه بعض المخلوقات على إختلاف ذواتها وصفاتها وفي بعضها ما لا يخطر على قلب بشر فكيف بالخالق الذي نزه نفسه بقوله تعالى
ﵟليس كمثله شيءﵞ
وهو سبحانه وتعالى مباين لخلقه من كل وجه لا يسعه غيره ولا يحجبه سواه تقدس أن يدركه حادث أو يتخيله وهم أو يتصوره خيال
كل ذلك محال
فهو الملك القدوس المنزه في ذاته وصفاته عن مشابهة مخلوقاته وأنت من مخلوقاته
ركبك علي منوال عجيب
وجعلك في أحسن صورة وأعجب ترتيب
مع تنقل تارات من ماء مهين فقال عزوجل
ﵟولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقينﵞ
الإنسان هنا هو آدم عليه السلام وسلالته لآنه سلة من كل تربة وكان عليه السلام يتكلم بسبعمائة ألف لغة وقوله تعالى ثم جعلناه أي الإنسان نطفة في قرار مكين أي حرز منيع وهو الرحم ثم خلقناه علقة أي دما فخلقنا العلقة مضغة أي قدر ما يمضغ فخلقنا المضغة عظاما وبين كل خلقتين أربعون يوما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر وهو نفخ الروح فيه قاله إبن عباس ومجاهد والشعبي وغيرهم وقيل نبات الأنسان والشعر قاله قتادة وقيل ذكرا أو أنثى قاله الحسن وقيل غير ذلك فتبارك الله أحسن الخالقين أي المصورين والمقدرين تنزه سبحانه وتعالى بعد ذكر هذه الأطوار
Sayfa 22
المعنى أن من هذه من بعض مقدوراته يستحق التعظيم والتنزيه لأن هذه التارات والتنقلات إنشاء بعد إنشاء في غاية الدلالة على كمال القدرة ووصف الألوهية ثم الإنشاء الآخر أن شق الشقوق وخرق الخروق وأخرج العصب وجعل العروق كالأنهار الجارية وركبها على منوال غريب مع كونه خلقا سويا فأظهر يد القدرة والآيات الظاهرة وكمال الصنع والحكمة الباهرة وأودع فيه الروح والحركة والسكون والإدراك والتمييز ولغات الكلام والعلم والمعرفة والفهم والفطنة والفراسة وغير ذلك مما يليق بهذا النوع الإنساني الحيواني إلى غير ذلك مما يطول عده ويعسر تقديره وحده فتبارك الله أحسن الخالقين
ولو قيل لك أخبرني عن قدر عروقك رقة وتخانة وطولا وقصرا أو عن حقيقة بعض ما في باطنك من أي نوع كان لعجزت عن بيان ذلك ولخرست وأنت وجميع هذا النوع الإنساني نتفة تراب جعله بشرا منتشرا فتعالى الله وتبارك أن يخوض في ذاته وصفاته إلا من عدم الرشاد
وسلك سبيل الفساد والعناد
وصير نفسه أخس العباد
فمن حقق نظره واستعمل فكره وجد نفسه أجهل الجاهلين بعظمة هذا العظيم فلا يقدره أحد قدره ولا يعرفه سواه وأن قربه وأدناه فسبحانه ما أثنى عليه حق ثنائه غيره ولا وصفه بما يليق به سواه عجز الأنبياء والمرسلون عن ذلك قال أجهلهم قدرا وأرفعهم محلا وأبلغهم نطقا مع ما أعطى من جوامع الكلم لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
Sayfa 23
ومن تأمل كلام الله عزوجل وجده محشوا بتنزيهه تارة بالتصريح وتارة بالتلويح وتارة بالإشارات وتارة بما تقصر عنه العبارات وهؤلاء العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين قربوا من درجة النبوة لأنهم دلوا الناس على ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام ويرجح مدادهم على دم الشهداء ويستغفر لهم من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء وهم أمناء الله عزوجل في أرضه وأحدهم على الشيطان أشد من ألف عابد وقد قيل في قوله تعالى
ﵟرب زدني علماﵞ
أي زدني علما بالقرآن ومعانيه وهؤلاء لهم علم لدني يرد على قلوبهم من غيب الهدي لها جولان في الملكوت فترجع إلى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يلقي إليها عالم علمه ومن ثمرة ذلك حصول الخشية وتزايد الخوف والعمل بالإخلاص والصدق والزهد وصون النفس عن مواطن الهلكة وإلا هلك وأهلك غيره ومثل العالم كمثل السفينة إذا إنحرفت غرقت وغرق أهلها فواجب على العالم أن يحترز لئلا ويهلك غيره فيلقي الله بذنوبه وذنوب غيره فيضاعف عليه العذاب قال محمد بن المنكدر وهو من سادة التابعين وكانت عائشة رضي الله عنها تحبه وتكرمه وتبره الفقيه يدخل بين الله عزوجل وبين عباده فلينظر كيف يدخل وصدق ونصح قدس الله روحه وهذا شأن السلف بذلوا النصيحة للإسلام والمسلمين وكانوا شديدين على من خالف ولا سيما لما ظهر أهل الزيغ وتظاهروا بالتنويه بذكر آيات المتشابه وأحاديثه بالغوا في التحذير منهم ومن مجالستهم وكانوا يقولون هم الذين عني الله عزوجل في قوله تعالى
ﵟفأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنةﵞ
الآية وكذا قالت عائشة رضي الله عنها وكانوا يقولون إذا جلس أحد للوعظ والتذكير تفقدوا منه أمورا ولا تغتروا بكل واعظ فإن الواعظ إذا لم يكن صادقا ناصحا سليم السريرة من الطمع والهوى هلك وأهلك وذكروا أشياء ببعضها تنطفيء نار الشبه التي بها يموه أهل الزيغ ومن لا يقبلها فما ذاك إلا أن الله عزوجل يريد إهلاكه وحشره في زمرة السامرة واليهود والزنادقة ومن يرد الله عزوجل إضلاله فلا هادي له
ﵟوالله يحكم لا معقب لحكمهﵞ
ﵟلا يسأل عما يفعلﵞ
قسم الخلق إلى شقي وسعيد
فهو الفعال لما يريد
فمن إتبع هداه فلا يضل ولا يشقى
ومن إتبع هوى نفسه الأمارة وأهل الزيغ والضلالة وحاد عن سبيل من بهم يقتدى هلك في المرقي
Sayfa 24
ولنرجع إلى قول السلف رضي الله عنهم إذا جلس شخص للوعظ فتفقدوا منه أمورا إن كانت فيه وإلا فاهربوا منه وإياكم والجلوس إليه وإلا هلكتم من حيث طلبتم النجاة قالوا ذلك حين ظهر أهل الزيغ والبدع وكثرت المقالات وذلك بعد وفاة عمر رضي الله عنه وحديث حذيفة رضي الله عنه يدل لذلك واللفظ لمسلم قال حذيفة كنا عند عمر رضي الله عنه فقال أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن فقال قوم نحن سمعناه فقال لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره قالوا أجل قال تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر التي تموج موج البحر قال حذيفة رضي الله عنه فأسكت القوم فقلت أنا قال أنت لله أبوك قال حذيفة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تعرض الفتن على القلوب كالحصير فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين على أبيض مثل الصفاة فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض والآخر أسود مربادا كلكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه قال حذيفة رضي الله عنه وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر قال قال عمر رضي الله عنه أكسر لا أبالك فلو أنه فتح لعله كان يعاد قال لا بل يكسر وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت حديثا ليس بالأغاليط قال أبو خالد فقلت لسعيد يا أبا مالك ما أسود مربادا قال شدة البياض في السواد قال قلت فما الكوزمجخيا قال منكوسا فقوله ليس بالأغاليط يعني أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والفتن كل أمر كشفه الإختبار عن أمر سوء وأصله في اللغة الإختبار وشبهت بموج البحر لإضطرابها ودفع بعضها ببعض وشدة عظمها وشيوعها وقوله تعرض الفتن على القلوب أي تلصق بعرض القلوب أي بجانبها كالحصير تلصق بجنب النائم وتؤثر فيه لشدة إلتصاقها وهذا شأن المشبهة تلصق فتنة التشبيه في قلوبهم وتؤثر وتحسن لعقولهم ذلك حتى يعتقدوا ذلك دينا وقربانا من الله عزوجل وما يقنع أحدهم حتى يبقي داعية وحريصا على إفتان من يقدر على إفتانه كما هو مشاهد منهم وإلى مثل ذلك قوله أشربها أي دخلت فيه دخولا تاما وألزمها وحلت منه محل الشراب ومنه قوله تعالى
ﵟوأشربوا في قلوبهم العجلﵞ
أي حبه فقوله أن بينك وبينها بابا مغلقا معناه أن تلك الفتن لا تفتح ولا يخرج منها شيء في حياتك وقوله يوشك هو بضم الياء وكسر الشين معناه أنه يكسر عن قرب والرجل هو عمر وقد جاء مبينا في الصحيح والحاصل أن الحائل بين الناس وبين الفتن هو عمر رضي الله عنه ما دام حيا فإذا مات دخلت ومبدأ الفتن هو الذين شرقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر وعمر رضي الله عنهما لعلمهم أن الدين لا يتم إلا بهما لأن عندهم علما بذلك وكانوا يظهرون الإسلام ويقرءون شيئا من القرآن وكانوا يرمزون إلى التعرض بالنقص حتى في النبي صلى الله عليه وسلم حتى أن منهم من كان يؤم الناس ولا يقرأ في الجهرية إلا بعبس لما فيها من العتاب مع النبي صلى الله عليه وسلم لأجل إبن مكتوم وهم رضي الله عنه على قتاله وتظاهر شخص بسؤال ما الذاريات ذروا فقال عمر رضي الله عنه اللهم أمكني منه فمر يوما فقيل له هو ذا وإسم الرجل صبيغ فشمر عمر رضي الله عنه عن ذراعيه وأوجعه جلدا ثم قال أرحلوه فأركبوه على راحلته فقال طيفوا به في حيه ليعلم الناس بذلك وكان رضي الله عنه شديدا في دين الله عزوجل لا تأخذه في الله لومة لائم وقد ذكرت نبذة يسيرة من سيرته في كتاب قمع النفوس ولما كان أواخر القرن الأول اتسع الأمر من القصاص وتظاهر شخص يقال له المغيرة بن سعيد وكان ساحرا واشتهر بالوصاف وجمع بين الإلحاد والتنجيم ويقول أن ربه على صورة رجل على رأسه تاج وأن أعضاءه على عدد حروف الهجاء ويقول ما لا ينطق به ويقول أن الأمانة في قول الله تعالى
ﵟإنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبالﵞ
هي أن لا يمنع على الخلافة وقوله تعالى
ﵟوحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاﵞ
هو أبو بكر رضي الله عنه وقال عمر رضي الله عنه لأبي بكر أن يحملها ويمنع عليا منها وضمن عمر أنه يعين أبا بكر بشرط أن يجعل أبو بكر الخلافة له بعده فقبل أبو بكر منه وأقدما على المنع متظاهرين ثم وصفهما بالظلم والجهل فقال وحملها أبو بكر انه كان ظلوما جهولا وزعم أنه نزل في حق عمر رضي الله عنه
ﵟكمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفرﵞ
الآية وكان يقول بتكفير سائر الصحابة رضي الله عنهم إلا لمن ثبت مع علي رضي الله عنه وكان يقول أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يختلفوا في شيء من الشرائع وكان يقول بتحريم انكار المنكر قبل خروج الإمام وقال لمحمد الباقر اقر أنك تعلم الغيب حتى أجبي لك العراق فانتهزه وطرده وكذا فعل بجعفر الصادق ولد محمد الباقر فقال أعوذ بالله وكان يقول انتظروا محمد بن عبد الله الإمام فإنه يرجع ومعه ميكائيل وجبريل يتبعانه من الركن والمقام وكان له خبائث فلما كان في السنة التاسعة عشرة والمائة ظفر به خالد بن عبد الله القسري فأحرقه وأحرق معه خمسة من أتباعه فهذا شأن أهل الزيغ واستمر الأمر على ذلك إلا أنهم سلكوا مسلك المكر والحيلة بإظهار الكب على سماع الحديث ويكثرون من ذكر أحاديث المتشابه ويجمعونها ويسردونها على الناس العوام ثم كثرت المقالات في زمن الإمام أحمد وكثر القصاص وتوجع هو وإبن عيينة وغيرهما منهم وكان الإمام أحمد يقول كنت أود لو كان قصاصا صادقا نصوحا طيب السريرة ونبغ في زمنه محمد بن كرام السجستاني وترافق مع الإمام أحمد وأظهر حسن الطريقة حتى وثقه هو وإبن عيينة وسمع الحديث الكثير ووقف على التفاسير وأظهر التقشف مع العفة ولين الجانب وكان ملبوسه جلد ضأن غير مخيط وعلى رأسه قلنسوة بيضاء ثم أخذ حانوتا يبيع فيه لبنا واتخذ قطعة فرو يجلس عليها ويعظ ويذكر ويحدث ويتخشع حتى أخذ بقلوب العوام والضعفاء من الطلبة لوعظه وبزهده حتى حصر من تبعه من الناس فإذا هم سبعون ألفا وكان من غلاة المشبهة وصار يلقي على العوام الآيات المتشابهة والأخبار التي ظواهرها يوافق عقول العوام وما ألفوه ففطن الحذاق من العلماء فأخذوه ووضعوه في السجن فلبث في سجن نيسابور ثمان سنين ثم لم يزل أتباعه يسعون فيه حتى خرج من السجن وارتحل إلى الشام ومات بها في زعر ولم يعلم به إلا خاصة من أصحابه فحملوه ودفنوه في القدس الشريف وكان أتباعه في القدس أكثر من عشرين ألفا على التعبد والتقشف وقد زين لهم الشيطان ما هم عليه وهم من الهالكين وهم لا يشعرون واستمر على ما هم عليه خلق شأنهم حمل الناس على ما هم عليه إلى وقتك هذا قال الله تعالى
ﵟأفمن زين له سوء عمله فرآه حسناﵞ
قال سعيد بن جبير هذه الآية نزلت في أصحاب الأهواء والبدع المعنى أنه ركض في ميادين الباطل وهو يظنها حقا وكان إبن عباس رضي الله عنهما يقول عند هذه الآية إن الضلالة لها حلاوة في قلوب أهلها والبدعة هي إستحسان ما يسوق إليه الهوى والشبهة مع الظن بكونها حقا وهؤلاء ينزع من قلوبهم نور المعرفة وسراج التوحيد من اسرارهم ووكلوا إلى ما اختاروا فضلوا وأضلوا
ﵟويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبونﵞ
حتى ينكشف لهم الأمر كما قال الله تعالى
ﵟوبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبونﵞ
قيل عملوا أعمالا ظنوا أنها في كفة الحسنات فإذا هي في كفة السيئات وهذه الآية قيل أنها في أهل البدع يتصور ويعتقد مع تمام الورع والزهد وتمام الأعمال الصالحة وفعل الطاعات والقربات ما عاقبته خطرة
Sayfa 27
ومن ذلك أن يعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله ما هو خلاف الحق ويعتقده على خلاف ما هو به أما برأيه ومعقوله الذي يحاكي به الخصوم وعليه يعول وبه يغتر قد زين له العدو وحلاه له حتى اعتقده دينا ونعمة وأما أخذا بالتقليد ممن هذه حاله وهذا التقليد كثير في العوام لا سيما من يعضد بدعته وإعتقاده بظاهر آيه أو خبر وهو على وفق الطبع والعادة وقد أهلك اللعين بمثل هذا خلقا لا يحصون حتى أنهم يعتقدون أن الحق في مثال ما هم عليه وأن غيرهم على ضلالة ومثل هؤلاء ومن إتبعوهم إذا بدا لهم ناصية ملك الموت إنكشف لهم بطلان ما اعتقدوه حقا باطلا وجهلا وختم لهم بالسوء وخرجت أرواحهم على ذلك وتعذر عليهم التدارك وكذا كل إعتقاد باطل ولا يفيد زوال ذلك كثرة التعبد وشدة الزهد وكثرة الصوم والحج وغير ذلك من أنواع الطاعات والقربات لأنها تبع لأمر باطل ولا ينجو أحد إلا بالإعتقاد الحق وقد قال تعالى
ﵟفماذا بعد الحق إلا الضلالﵞ
وهذه الآية صريحة في أنه ليس بين الحق والباطل واسطة والباطل هو الذهاب عن الحق مأخوذ من ضل الطريق وهو العدول عن سمته والحق هو الصراط المستقيم الذي في قوله تعالى
ﵟوأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقونﵞ
وصف الله تعالى صراطه وهو دينه بالإستقامة وأمر بإتباعه والمستقيم هو الذي لا إعوجاج فيه فمن إتبعه أوصله إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر قال سهل الصراط المستقيم هو الإقتداء والإتباع وترك الهوى والإبتداع ثم أنه تعالى نهى عن إتباع السبل لما فيها من الحيدة عن طريق الإستقامة فقال
ﵟولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلهﵞ
أي تميل بكم عن طريقه التي ارتضى وبه أوصي إلى سبل الضلالات من الأهواء فتهلكوا قيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما الصراط المستقيم فقال ما تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة وعن يمينه جواد وعن يساره جواد وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد إنتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط إنتهى به إلى الجنة ثم تلا
ﵟوأن هذا صراطي مستقيماﵞ
الآية فأشار رضي الله عنه بالرجال الذين على الجواد إلى علماء السوء وأهل البدع وأشار بقوله يدعون من مر بهم إلى الوعاظ الذين هم سبب هلاك من قعد إليهم ولهذا بالغ السلف رضي الله عنهم في التحذير من مجالسة كل أحد وقالوا إذا جلس للوعظ فتفقدوا منه أمورا فإن كانت فيه فاهربوا منه وإلا هلكتم من حيث ظننتم النجاة منها إن كان مبتدعا فاحذروه وإجتنبوه فإنه على لسان الشيطان ينطق ومن نطق على لسان الشيطان فلا شك ولا ريب في إغوائه فيهلك الإنسان من حيث يظن السلامة وأيضا ففي المشي إليه ومجالسته تعظيم له وتوفير روى إبن عدي من حديث عائشة رضي الله عنها من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ورواه الطبراني في معجمه الأوسط ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث عبد الله إبن بشر وبهذا وغيره يجب التبري من أهل البدع والتباعد قال بعض السلف من بش في وجه مبتدع أوصافحه فقد حل عرى الإسلام عروة عروة وقال شخص من أهل الأهواء لأيوب السختياني رضي الله عنه أكلمك كلمة فقال لا والله ولا نصف كلمة وكان يقول ما إزداد صاحب بدعة إجتهادا إلا إزداد من الله بعدا قال رضي الله عنه كنا ندخل على أيوب السختياني فإذا ذكرنا له حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي حتى نرحمه وكان يقول إذا بلغني موت أحد من أهل السنة فكأنما يسقط عضو من أعضائي وكان يقول والله ما صدق عبد إلا سره ألا يراه أحد وكان يونس بن عبيد يقول احفظوا عني ثلاثا مت أوعشت لا يدخلن أحد على سلطان يعظه أو يعلمه ولا يخلون بإمراة شابة وان أقرأها القرآن ولا يمكن سمعه من ذي هوى وأشدها الثالثة لما فيها من الزيغ أعاذنا الله من ذلك وكان يقول ما يزال العبد بخير ما أبصر ما يفسد عمله ويونس هذا تابعي من أصحاب الحسن البصري وكان أبو عبد الله الأصبهاني من عباد الله الصالحين ومن البكائين ولم يكن بأصبهان أزهد منه ولا أورع منه قال وقفت على علي بن ما شاذة وهو يتكلم على الناس فلما جاء الليل رأيت رب العزة في النوم فقال لي وقفت على مبتدع وسمعت كلامه لأحرمنك النظر في الدنيا فاستيقظ وعيناه مفتوحتان لا يبصر بهما شيئا وقال الحميدي سمعت الفضيل يقول من وقر صاحب بدعة أورثة الله عمى قبل موته قيل أراد أيضا عمى البصيرة وأعلم أن الكلام على البدعة وأهلها فيه طول جدا وقد ذكرت جملة منه في تنبيه السالك على مظان المهالك ومنها أن يكون الواعظ سيء الطعمة فإنه إنما ينطق بالهوى لأن مثل هذا يوقع الناس في الحرام أو ربما اعتقدوا حله لأنهم يقتدون به في فعله بواسطة قوله ومنها أن يكون رديء العقل أحمق فإنه يفسد بحمقه أكثر مما يصلح والأحمق هو الذي يضع الشيء في غير موضعه ويعتقد أنه يصيب قال عيسى عليه السلام أبرأت الأكمه والأبرص وأعياني الأحمق فالأحمق مقصودة صحيح ولكن سلوكه للطريق فاسد فلا يكون له رؤية صحيحة في طريق الوصول إلى الغرض ويختار مالا ينبغي أن يختار وهذا واجب الإجتناب بخلاف صاحب العقل الصحيح فإنه يثمر حسن النظر وجودة التدبير وثقافة الرأي وإصابة الظن والتفطن لدقائق الأدلة والأعمال وخفايا النفس الأمارة وغرور الشيطان ومنها أن يذكر الأدلة التي هي رجاء وتوسعة على النفوس ويسكت عن آيات الخوف والرهبة وكذا الأخبار والآثار لأنه بذلك يحل من القلوب الزواجر ويسهل إرتكاب المعاصي لا سيما إذا علم منه إرتكاب شيء ولو كان مكروها فإنه يوقع الناس في ورطة عظيمة قال إذا عبث العلماء بالمكروه عبث العوام بالحرام وإذا عبث العلماء بالحرام كفر العوام معناه أنهم يعتقدون حله لإرتكاب العلماء ذلك لأنهم القادة وعليهم المعول في التحليل والتحريم ومنها أن يتعرض لآيات المتشابه وكذلك الأخبار ويجمعها ويسردها ويكرر الآية والخبر مرارا لأنه يوقع العامي فيما إعتاده وألفه فيجري صفات الخالق سبحانه وتعالى على ما ألفه وجرى عليه طبعه ويزينه الشيطان له بغروره لا سيما إن كان الواعظ ممن يظهر زهدا وورعا وشفقة على الناس فكم من شخص حسن الظاهر خبيث الباطن جميل الظاهر قبيح السرائر والضمائر والسلف رضي الله عنهم لهم إعتناء بشدة مجانبة هذا والتباعد عنه ومنها أن يكون متهما بالرفض وبسب الصحابة رضي الله عنهم وهؤلاء نبه مالك رضي الله عنه على أنهم من سلالة المنافقين وأوضح ذلك نور الله تعالى قلبه فقال أرادوا أن يقدحوا في النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فلم يجدوا مساغا فقدحوا في الصحابة لأن القدح في الرجل قدح في صاحبه وخليطه وهؤلاء كفار لإستحلالهم سب أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام ومنهم أقوام يلبسون على الناس بقراءة البخاري وغيره وهم لا يعتقدون البخاري ويسمونه فيما بينهم بالفشاري ولهم خبائث عديدة كل واحدة كفر محقق وبقي أمور لا أطول بذكرها فمن أراد الله به خيرا حماه من مجالسة هؤلاء لأن القلب سريع الإنقلاب وقبول الرخص والشبه فإذا علقت به الشبهة والريبه فبعيد أن يرتفع عن قلبه غشاوة ما وقر فيه وأقل ما ينال القلب التردد والحيرة وذلك عين الفتنة ومراد الشيطان فإن كان الذي دخلت قلبه الشبهة عاميا والمبتدع أدخلها عليه بقال الله عزوجل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعيد أن يرجع ويتقشع عن قلبه غشاوة الجهل والحيرة لتحكم الشبهة بالدليل وهذا من الهالكين إلا أن يتداركه الله برحمته لأن عمدة الناس الكتاب والسنة والهلكة الجهلة يفهمونهما على غير المراد منهما على الوجه المرضي فمن حق العبد الطالب للنجاة حراسة قلبه وسمعه عن خزايا خزعبلات المبتدعة وتزويق كلامهم وأن لا يغتر بتقشفهم وكثرة تعبدهم وزهدهم ووصفهم لأنفسهم فإن ذلك من أقوى حبائلهم التي يصطادون بها وبها تتشرب القلوب لبدعتهم لا سيما من قلبه مشغوف بحب الدنيا إذا رأى زاهدا فيها مع أكبابه على الكتاب والسنة مع الورع والزهد والعفة والقناعة فلا شك ولا ريب أنه يرغب فيه غاية الرغبة ويميل إليه غاية الميل ولا يصده عنه صاد كما هو مشاهد من العوام ومحبتهم ورغبتهم لمن هو بهذه المثابة فتنبه لذلك فقد أوضحت طريق السلامة والتباعد عن مظان الهلكة فكم من شخص قصده صالح قد هلك بمثل هؤلاء اخوان الشياطين وهو لا يشعر وعليك بالإقتداء بالأطباء أعني أطباء القلوب وهم الأنبياء عليهم السلام لأنهم العالمون بأسباب الحياة الأخروية ثم أتباعهم الذين أخذوا عنهم وشاهدوا منهم ما لم يشاهده غيرهم شعر
( من كان يرغب في النجاة فماله
غير إتباع المصطفى فيما بدا )
( فاتبع كتاب الله والسنن التي
صحت فذاك إذا اتبعت هو الهدى )
( فالذين ما قال النبي وصحبه
فإذا اقتديت بهم فنعم المقتدي )
فسبحان الحليم الودود
الممهل الكريم العميم الجود
العالم بخفايا الضمائر ودبيب النملة على الصخرة في الليالي السود
ويري جريان الماء في العود
القادر فكل ما سواه بقدرته موجود
نزه نفسه بنفسه لعجز خلقه عن ذلك
فتعالى عن الأشكال والأمثال والجهات والحدود
Sayfa 31
صفاته قديمه ثابتة بالنقل والعقل فمن عطل وقع في الجحود
وتنزيهه عن النقائص والأشباه محقق ومعلوم والتشبيه مذهب السامرة واليهود
وكف الكف مشلولة بل مقطوعة وباب التشبيه مردوم ومسدود
فمن فتحه هجمت عليه نار الوعيد فأهلكته كما هلك فرعون ونمرود
وأصحاب الأخدود وعاد وثمود
فنسأل الله العافية من الفتن ومن أسبابها ومن النار ذات الوقود
ونتوسل إليك بسيد الأولين والآخرين محمد كما توسل به أبو البشر فقبلته فهو أحمد المحمود
صاحب الحوض المورود
والمقام المحمود
فهو أعظم الوسائل ولا يخيب من توسل به ولو كان من أهل الجحود
قال الله تعالى وكانوا أي اليهود من قبل أي بعث محمد صلى الله عليه وسلم يستفتحون أي يستنصرون
ﵟعلى الذين كفرواﵞ
وهم مشركوا العرب كانوا يقولون إذا حزبهم أمر أو دهمهم عدو اللهم انصرنا بجاه النبي المبعوث آخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون وكانوا يقولون لأعدائهم كغطفان وغيرها من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلناه فنقتلكم معه قتل عاد وثمود
فأنظر أرشدك الله إلى قدره ودنو منزلته عند ربه كيف قبل عزوجل التوسل به من اليهود مع علمه سبحانه بأنهم يكفرون به ولا يوقرونه ولا يعظمونه بل يؤذونه ولا يتبعون النور الذي أنزل معه فمن منع التوسل به فقد نادى على نفسه واعلم الناس بأنه أسوأ حالا من اليهود شعر
( أنت الملاذ لنا وأنت المرتجى
وبك اللياذ وأنت ملجأ من لجا )
( يا سيد الكونين يا من قد سما
معراجه فوق السماء وعرجا )
( يا سيد الثقلين والحكم الهدي
والمقصد الأسني لأبواب الرجا )
( يا سيدا من أم باب مقامه
ألفاه خير مقام سؤل يرتجى )
( يا سيدا ما أمه من ضامه
ريب الزمان بخطبه الأنجا )
( يا سيد جعل الآله وجوده
للعالمين المرتجى والمتلجى )
( يا خاتم الرسل الكرام ومن به
رب البرية كل هم فرجا ) غيره
( وكن مستجيرا بالذي نال رفعة
إلى عزها ذل الملوك الأكاسر )
Sayfa 32
( نبي له جاه عريض ومنصب
عظيم له تعزي العلى والمفاخر )
( جليل جميل راحم متعطف
فصيح مليح كامل الحسن باهر )
( ألا يا رسول الله يا غاية المنى
لقد نلت فخرا ما لادناه آخر )
( أيادرة الأنباء يا جوهر الورى
هنيئا لنفس في هواك تتاجر )
( لقد ربحت في بيعها وتنعمت
وقد سعدت يا درها والجواهر )
( حبيبي رسول الله كن لي شافعا
أغثني أجرني يوم تبلى السرائر )
( بجاهك آمال الضعيف تعلقت
إذا نصب الميزان والعقل طائر )
( فكن شافعي عند الآله فإنه
حليم كريم غافر الذنب سائر )
( مضى العمر في لهو وزهو وغفلة
وإني عن الفعل الحميد لقاصر )
( فيا رب داركنا بعفو ورحمة
فأنت جميل العفو للكسر جابر )
( وخذ بنواصينا وطهر قلوبنا
ومن بعفو منك فالعفو غامر )
( وصل على البدر الذي من جبينه
بدا الشمس والإقمار والنجم زاهر )
Sayfa 33