ألستم ترون ما قد صار إليه أعداء الله وأعداؤكم من النقص والخذلان، والضلال والنقصان؟ فهم كل يوم يرذلون، وكل شهر ينقصون، وكل عام يفتنون، قد تلعبت بهم عبيدهم، واجترأت عليهم ساستهم، فصاروا يسومونهم سوء العذاب، يقتلون من شاؤا منهم، ويقيمون من أرادوا منهم، يجبون الأموال لأنفسهم، قد تسلط عليهم شرارهم، وأعوانهم وعبدانهم، فلا مال عندهم، ولا رجال في جوارهم، ولا أمر ولا نهي لهم، ليس في أيديهم ولا لهم بلد ينحون(1) فيه أمرهم، غير بعض القرى قد أحل فيهم الأعراب، واستباحت ما قدرت عليه من رعيتهم، ينهبون حواشيهم، ويخيفون سبيلهم، ويقطعون طريقهم، لا يقدرون على نفيهم وإبعادهم، ولا ينالون ما يشتهون من إذلالهم، بل هم الأذلاء الأقلاء، الفساق الضعفة(2)، أشد على الرعية والمساكين، إذلالا من الأقوياء والمحاربين، يخيفون ويأكلون من تحت أيديهم، ويدارون(3) من نابذهم وتسلط عليهم،قد انهدم عزهم، وانخرقت مهابتهم، وفتكت بهم كلابهم، وقهرهم أشرارهم، وحكم عليهم عبدانهم، وقلت وانتفت من أيديهم الأموال، وتفرقت عساكرهم والرجال، زهدا من الرجال فيهم، ورغبة في خير من يجزل عليهم، قد مال عمود ملكهم، وانهدم باب عزهم، وتغير أساس أمرهم، وأعطت خلافتهم صاغرة قيادها، ورمت إلى من قادها بزمامها، وألقت إليه(4) بسمعها وطاعتها، وذل لطالبها صعبها، ولان لراكبها مركبها، وذل له بعد الصعوبة ظهرها، وبرزت له من بعد شدة حجابها، واستقامت له وأشرعت(5) لدنو نتاجتها، ودرت لحالبها بدرة تسر الحالبين، وتنهل الشاربين، ويعل(6) فيها العالون، وينتعش ويشبع في أفوقتها(7) الجائعون، فهي حافل(1) تشخب رجليها مما تدر، ولكن لا حالب لدرتها، ولا منتهز لفرصتها، لقلة المحقين، وذهاب المؤمنين، وذلة المسلمين، وركون هذا الخلق إلى الفسق، وتركهم لاتباع دعوة الحق، وتعلقهم بالفاني من أمر الدنيا، وزهدهم فيما يدوم من الآخرة ويبقى.
كان لم يسمعوا الله سبحانه يقول: {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون}[العنكبوت: 57]، وكأن لم يسمعوا ما أخبرهم به عنهم من عاقبة أمرهم، وقوله لهم في يوم حشرهم؛ حين يقول: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}[الأنعام: 94].
Sayfa 638