============================================================
الفن الخامس: من كتاب عيون المسائل والجوابات قال الملحدون: فإن منا من يقول: إن ما لا يتناهى يكون أكثر مما يتناهى وأقل منه، وإن ما لا يتناهى يكون له كل.
قيل لهم: هذا قول لم يعرف لكم، ولم يسمغ من أوائلكم، وإنما هو قول رجل أحدثه من أهل هذا الزمان، وليس شيء أهون من أن يكون إذا ضغطته الحجة اخترع قولا واقتحم شنعة ومحالا. ولكن ذلك يكون أضر على فاعله من الحجة التي لزمته لخصمه؛ لأنه يحسن من نفسه بقبح ما صنع، وبأنه دافع بما لا دافع فيه، ولا يصير إلى شيء مما هرب منه.
ثم يقال لهم: لو اقتصؤنا على البداهة في إفساد ما يدعيه هذا الوجل لكان كافيا معينا ولكنا نقول له: إذا ما لا يتناهى يجوز أن يكون أقل مما يتناهى أو أكثر منه أو مثله؛ فما تنكرون أن يكون مما يتناهى ما ليس بأقل مما لا يتناهى يكون له كل؟ فما أنكرت أن يكون ما يتناهى ما لا كل له فمهما فسد به هذا قلب عليه في إفساده ما أجازه.
دليل: قال الموحدون لكثير من الملحدين: أنتم مقرون بأن كل جسم مركب من طبائع أربع ممزوجة؛ حار، وبارد، ورطب، ويابس، وأن هذه الطبائع لا تقوم كل واحدة منها على الانفراد، ولائتوهم ذلك عليه، فإذا كانث هذه الطبائع متنافرة متضادة بعضها صعاد، وبعضها يذهب سفلا، وبعضها يفسد بعضا وينافيه وينافره على قدر العلة، فقد وجب أن قاهرا قهرها على الاجتماع وعدلها، وإذا كان لا بد من قاهر قهرها على الاجتماع وكانت لا توجد قط متباينة، فقد صح أنه أحدثها؛ لأنه لولم يكن أحدثها كان إنما جمعها بعد أن كانث متفرقة، وهذا محال عندكم.
Sayfa 595