فوزن «هامتن» «فاعلن»، وأصله «متفاعلن» . قلت أما قوله «تناكلوا» فليس فيه أكثر من أن وزنه «مفاعلن»، وقد كان أصله «متفاعلن» إذ البيت من بحر الكامل على ما ينطق به بعض أجزاءه، فيجوز أن يكون المحذوف منه هو الحرف الثاني من السبب الثقيل لا أوله. ومثله يسمى عندهم بالوقص، فلا يرد مثل هذا على الخليل. وأما بقية الأبيات فمن الشذوذ بحيث لايلتفت مثل الإمام إليها ولا يبنى قاعدةً عليها. وأجاب الصفاقسي عن استناده إلى بيت الشداخ بأن «مستفعلن» لما خبن صار «مفاعلن» فجاء أوله على هيئة الوتد المجموع، ومن هذه الحيثية جاز الخرم فيه نظرًا إلى ما آل إليه قلت: وهذا الجواب لا يرتضيه الخليل، فإن الخرم عنده هو حذف الحرف الأول من الوتد المجموع لا منه ومما هو على هيئته، وإنما قال بذلك بعض المتأخرين من العروضييون. قال الصفاقسي: وما استشهد به على حذف السبب الثقيل بجملته فيه نظرٌ لجواز أن يكون ذلك الجزء دخله الوقص فصار وزنه «مفاعلن» فدخله الخرم لصيرورته على هيئة الوتد المجموع لأن السبب حذف بجملته. قلت: هو مردود بما تقدم. ثم قال: سلمناه إلا أنا لا نسلم أنه يلزم من حذفه بجملته جواز الخرم فيه لأن لم نقل إن الخرم امتنع فيه لأجل كونه حذفًا، بل المانع منه ما يؤدي إليه من الابتداء بالساكن، لأن المتحرك الثاني منه في نية الساكن لجواز دخول الإضمار عليه. قلت: وهذا مأخوذ من كلام أبي علي الفارسي فإنه استل في الإيضاح على أنهم لا يبتدئون بالساكن بكونهم لم يخرموا «متفاعلن» كما خرموا «فعولن» قال: لأن «متفاعلن» يسكن ثانيه، فلو خرم لأدى إلى الابتداء بالساكن. وأقول فيه نظر لأن الخرم بتقدير دخوله فيه إنما يدخله حال تكون الثاني متحركًا لفظًا، فالمحذور منتفِ بلا شك. فإن قلت: حكم الخليل وغيره من العروضيين بأن الخرم هو حذف الحرف الأول من الوتد المجموع، فهل ثمّ دليل على ذلك أو هو مجرد استصلاح يرجع إليه مع جواز أن يكون المحذوف هو الحرف الثاني؟ قلت: استل الصفاقسي للجماعة بوجهين أحدهما أن البيت الشعري مشبه بالبيت المسكون، والكسر في وتد البيت المسكون إنما يأتي على أوله، فكذلك ماهو مشبه به وثانيهما أن النقص ضد الزيادة، ولما كانت الزيادة المعبر عنها بالخزم تكون قبل أول حرفِ كان ضدها وهو النقص كذلك، لأنهم يحملون الشيء على الضد والنقيض كما يحملونه على النظير. لا يقال: لو صح هذا الدليل الثاني لكان الخرم جائزًا في الأوتاد وغيرها كما أن الخزم كذلك لأنا نقول لا نسلم لزوم ذلك لأن المانع في غير الأوتاد قائمٌ وهو ما يؤدي إليه من الابتداء بالساكن، ولهذا لم يكن في الوتد المفروق. انتهى كلامه.
1 / 36