قال ابن برى بآثر هذا الكلام: وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الأصمعي: الزحاف في الشعر كالرخصة في الدين لا يقدم عليها إلا الفقيه لأن الرخصة إنما تكون للضرورة. وإذا سوغت فلا يستكثر منها. فإن قلت: أما ادعاء الناظم أن الطي واقع بعد الإضمار في الخزل، وأن الكف واقع بعد العصب في النقص فواضح، وذلك لأن الإضمار إذا قدر وقوعه أولًا بقي محل الطي، وهو الرابع الساكن، والعصب إذا قدر وقوعه أولًا بقي محل الكف، وهو السابع الساكن، فيجد حينئذ كل من الطي والكف محل قابلًا لوقوعه، وهذا ظاهر، لإخفاء به. وأما ادعاؤه أن الطي وقع بين الخبن في الخبل، وأن الكف وقع بعد الخلن في الشكل، فليس بظاهر، وذلك لأنك إذا خبنت (مستفعلن) المجموع الوتد أولًا بأن حذفت سينه، وأردت طيه بحذف الفاء وجدت محل الطي مفقودًا، وذلك لأنه إنما يحل في الرابع الساكن، والفاء الساكنة صارت ثالثة لا رابعة، وكذا إذا خبنت (فاعلاتن) المجموع الوتد بأن حذفت ألفه وأردت كفه بعد ذلك بحذف النون وجدتها سادسة لا سابعة، ففقد محل وقوع الكف، فكان ينبغي في مثل هذا أن يقدر الثاني أولًا، وذلك بأن يقدر وقوع الطي والكف قبل الخبل فيصير الثاني ساكن قبل الخبن ثابتًا في مركزه فيجد الخبن محلًا لدخوله، ولا ضير حينئذِ.
قلت: هذا كلامٌ وقع لبعض العروضيين ورده بعض الحذاق بأن دخول الزحاف الثاني على الجزء إنما هو بالنظر إليه قبل التغيير الأول، لأن التغيير طارئ فلا ينظر إلى حالته، وحينئذ فالطي إنما دخل في حرف رابع ساكن، والكف إنما دخل في سابع ساكن، وأيضًا فما ذكر في السؤال أنه ينبغي تقديره هو تقدير على خلاف الواقع، لأن المتكلم إذا تلفظ بالجزء وأدخل فيه تغييرين فإنما يدخلهما فيه حال تلفظه به، الأول فالأول، فوجب أن يكون التقدير كذلك ليطابق الواقع.
المعاقبة والمراقبة والمكانفة
قال:
إذا السببان استجمعا لهما النجا ... أو الفرد حتمًا فالمعاقبة اسم ذا
أقول: إذا اجتمع السببان ولم تجز مزاحفتهما جميعًا، بل وجب أد الأمرين، إما سلامتهما معًا أو سلامة أحدهما فذلك هو المعاقبة. فقول الناظم (لهما النجا) جملةٌ في موضع الحال من ضمير (استجمعا) . وقوله (أو الفرق) معطوفٌ على الضمير المجرور بدون إعادة الخافض، على مذهب من يراه من النحاة.
فإن قلت: أين الرابط للحال بصاحبها من المعطوف؟ قلت محذوفًا إذ التقدير أو الفرق منهما. وقوله (حتمًا) حال من (النجا) الذي هو مبتدأ أو من ضميره المستكن في الظرف المستقر، وهو خبره المقدم، إما على أن يقدر ذا حتم، أي وجوبًا، أو يجعل بمعنى محتومًا، أي واجبًا، أو يجعل المصدر نفسه حالًا على جهة المبالغة.
فإن قلت: كيف سوغت الحال من المبتدأ وهم يطلقون القول بمنعه بنا على أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها، والابتداء لا يصلح للعمل في الحال، قلت: هذا على حد قوله:
لمية موحشًا طلل
فصاحب الحال عند سيبويه النكرة، وهو عنده مرفوع بالابتداء، والناصب للحال الاستقرار الذي تعلق به الظرف، فما أجزته في بيت الناظم هو مثل هذا سواء، وظهر أن مقتضى ما وقع لسيبويه هنا أنه لا يلتزم صحة قوله: والعامل في الحال هو العامل في صاحبها والله تعالى أعلم.
قال: للأول أو ثانيه أو لكليهما اسم صدر وعجز قيل والطرفان جا أقول: السببان المجتمعان وهما محل المعاقبة تارةً يكونان في جزء واحد، وتارةً يكونان في جزأين. فمثال كونهما في جزء واحد (مفاعيلن) في الطويل والهزج، فالياء فيه تعاقب النون، فإذا دخله القبض سلم من اكف وإذا دخله الكف سلم من القبض، ولا يجوز فيه دخول القبض والكف معًا ويجوز أن يسلم منهما معًا.
ومثال مجيء المعاقبة من جزاين (فاعلاتن فاعلن) في المديد، فالنون من (فاعلاتن) تعاقب الألف من (فاعلن)، فمهما زوحف (فاعلاتن) بالكف سلم (فاعلن) بعده من الخبن، ومهما زوحف (فاعلن) بالخبن سلم (فاعلاتن) قبله من الكف، وكذا (فاعلاتن) الواقع أول عجز المديد يجتمع فيه سببان قبليان، وسببان بعديان، وذلك لأن تفعيله هكذا:
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ... فاعلاتن فاعلن فاعلاتن
1 / 27