إذا تقرر هذا فالباء من قوله (بزهر) ظرفية بمعنى (في)، والزاي رمز للبحر السابع، وهو الرجز، والهاء رمز للبحر الخامس وهو الكامل، والراء لغو ليست من حروف الرمز، وضمير الاثنين راجع إلى التمام والوفاء المشار إليهما في البيت السابق، أي أن التمام والوفاء يتداخلان في الكامل والرجز فيرد كل واحد منهما تامًا تارةً ووافيًا أخرى.
فمثال التام من الكامل قول عنترة:
وإذا صحوتُ فما أقصرُ عن ندىً ... وكما علمتِ شمائلي وتكرّمي
ومثال الوافي منه قول الشاعر:
لِمَن الديار عَفَا معالمها ... هَطِلٌ أجَشُّ وبارحٌ تَرِبُ
ومثال التام من الرجز قوله:
دارٌ لسلمى إذْ سليمى جارةٌ ... قَفرٌ ترى آياتِها مثل الزُّبُرْ
ومثال الوافي منه قوله:
القلبُ منها مستريحٌ سالمٌ ... والقلبُ مني جاهدٌ مجهودُ
وقوله (وازداد سطحك جايد أخيرهما) أي أخير اللقبين وهو الوافي، وهو فاعل بقوله (ازداد) أي أن الوافي يدخل في هذه الأبحر المرموز لها بقوله (سطحك جايد) زيادةً على البحرين اللذين تقدم أنه يشارك فيهما التام، فالسين رمز للخامس عشر، وهو المتقارب، والطاء للتاسع وهو السريع، والحاء للثامن وهو الرمل، والكاف للحادي عشر وهو الخفيف، والجيم للثالث وهو البسيط، والألف للاول وهو الطويل، والباء للعاشر وهو المنسرح، والدال للرابع وهو الوافر. فمثال الوافي من المتقارب قول الشاعر:
وأبني من الشعر شعرًا عويصًا ... ينسى الرواة الذي قد رووا
ومن السريع قوله:
أزمانَ سلمى لا يَرى مثلها الراؤن في شامٍ ولا في عراقْ
ومن الرمل قوله:
أبلغ النعمانَ عني مألكًا ... أنه قد طال حَبسي وانتظارْ
ومن البسيط قوله:
يا حارِ أرمين منكم بداهيةٍ ... لم يَلقها سُوقة قبلي ولا ملِكُ
ومن الطويل قوله:
ستُبدى لك الأيامُ ما كنتِ جاهلًا ... ويأتيكَ بالأخبار من لم تُزَودِ
فإن قلت: كيف يكون هذا والذي قبله من الوافي، مع أن العروض والضرب ليسا مخالفين للحشو، وذلك لأنهما دخلهما في الأول الخبن، وفي الثاني القبض، وكل من الخبن والقبض يدخل في حشو بيته، فإذن لا مخالفة؟ قلت: بل المخالفة متحققة، وذلك لأن دخول الخبن أو القبض على العروض والضرب على سبيل اللزوم، وفي الحشو على سبيل الجواز. ومثال الوافي من المنسرح قوله:
إن ابنَ زيدٍ لا زال مستعملًا ... للخير يَفشى في مصره العُرُفا
ودخول الطي في هذا الضرب لازم وفي الحشو جائز، فالمخالفة حاصلة.
ومثال الوافي من الوافر قوله:
لنا غنمٌ نسوِّقها غزارٌ ... كأن قرونَ جلّتها العصىُّ
وأورد الشريف سؤالًا على الناظم وهو أن كلامه مقتض لأن التام لا يكون في غير الكامل والرجز، وكل من الخفيف والمتقارب يجيء تامًا، وأجاب بالمنع، فإن البيت الذي يتوهم فيه التمام من الخفيف يجوز في ضربه التشعيث، ولا يجوز في الحشو، وكذلك البيت الذي يتوهم فيه التمام من المتقارب يجوز في ضربه التشعيث ولا يجوز في الحشو، والبيت الذي يتوهم فيه المام من المتقارب يجوز في عروضه الحذف وهو ممتنع في الحشو، فخرجا عن أن يكونا تامين، وذلك في الحقيقة مأحوذ من كلام الناظم على ما ستعرفه في باب ما أخرى من العلل مجرى الزحاف.
قال:
وإسقاط جزأيه وشطر وفوقه ... هوالجزء ثم الشطر والنهك إن طرأ
أقول: يعني أن من الألقاب المتعلقة بالأبيات الجزء، والشطر، والنهك.
فإذا سقط من أجزاء البحر الموجودة في الدائرة جزآن عند الاستعمال، جزء من آخر الصدر وجزء من آخر العجز، فذلك هو الجزء بفتح الجيم، مصدر جزأته إذا أخذت منه جزءًا. والبيت حينئذ مجزوء.
وإن سقط نصف الأجزاء فذلك هو الشطر، مصدر قولك شطرته إذا قطعته، والبيت مشطور.
وإن سقط الثلثان من الأجزاء فذلك هو النهك، والبيت منهوك، هو مأخوذ من قولك نهكه المرض، إذا أضعفه جدًا، ويقال: نهكت الثوب لبسا، والدابة سيرًا، والمال إنفاقًا، فشبه بيت الشعر لما يولغ في الإجحاف به في الحذف بمن نهكه المرض.
قلت: وقد علم بما ذكرناه أن ما يقع في كلام العروضيين من قولهم: عروض مجزوءة وضرب مجزوء فيه تسامح، لأن هذا من ألقاب الأبيات لا من ألقاب الأجزاء.
1 / 22