أقول: يعني أنك ترتب الأحرف المرموز بها في البيتين السابقين المشتملين على الأشارة إلى الأجزاء العشرة على الترتيب المعروف في (أبجد) من الألف إلى الياء، فاقتضى ذلك إلغاء ما ليس من هذه الحروف أصلًا كالفاء في (فدار كوني)، وإلغاء ما يفضى إلى الإخلال بالترتيب المذكور كالباء من (بهمة) فإنها وإن كانت من حروف أبجد المرموز بها، لكن اعتبارها يؤدي إلى فساد الترتيب، فإن الباء ليست بعد الدال، وقد تقدمت فاقتضى ذلك إلغاءها والاعتداد بما بعدها وهو الهاء.
وقوله (زن) يعني زن بالأجزاء المتقدمة المرموز لها بأحرف أبجد المرتبة من الألف إلى الياء. والمراد بالوزن بها أنك تعمد إلى الشعر الذي تقصد وزنه فتقطعه قطعًا قطعًا على مقادير الأجزاء، وتقابل المتحرك بالمتحرك والساكن بالساكن، ويعبرون عن ذلك تارةً بالتفعيل وتارة بالتقطيع، وما أحسن قول بعض المتأخرين:
وبقلبي من الهموم مديدٌ ... وبسيطٌ ووافرٌ وطويلُ
لم أكنْ عالمًا بذاك إلى أنْ ... قَّطع القلبَ بالقراق خليلُ
وقول الشيخ بهاء الدين السبكي ﵀:
إذا كنتَ ذا فكر سليم فلا تَمِلْ ... لعلم عروضٍ يُوقع القلبَ في الكربِ
فكلُّ امرئٍ عانى العروضَ فإنما ... تعرّضَ للتقطيع وانساقَ للضربِ
وإنما يعتبر عندهم في الوزن ما يدرك بحاسة السمع، وعلى ذلك ترسم الحروف عندهم.
فإذا عمدنا إلى تقطيع بيت وكتابته بهذا الهجاء فإننا ننظر أولًا في الشعر من أي جنس هو، وننظر أجزاءه التي تركب منها ثم نضع قطعةً من البيت مقابلةً لجزء من أجزاء التفعيل بمقداره من الحركات والسكنات ونعمل ذلك في جميع أجزاء البيت حتى يصير قطعًا بمقدار الأجزاء، ويلاحظ في ذلك مقابلة المتحرك بمثله في مطلق الحركة من غير نظر إلى خصوصيتها، وتقابل الساكن بمثله، فربما تجرأت الكلمة الواحدة فصار بعضها لجزء وباقيها لجزء آخر فيوصل بكلمة أخرى أو ببعض كلمة، كما رأيته في الأبيات التي فرغنا من تقعيلها آنفًا.
ثم لا يخلو الساكن أن يظهر على اللسان أولًا، فإن ظهر وأدركه السمع ثبت في الخط والتقطيع نحو نون (منك) . وسواء رسم في الخط الاصطلاحي أو لم يرسم نحو التنوين في (زيد)، وصلة هاء الضمير وميم الجمع، وإن لم يظهر الساكن على اللسان لم يثبت في الخط ولا التقطيع، نحو ألف الوصل في قوله:
كلُّ عيش صائر للزوال
ونحو ما يسقط لالتقاء الساكنين من ألف أو واو أو ياء. وأما المتحرك فلا يخلو أن يكون مخففًا أو مشددًا، فإن كان مخففًا حسب بحرف واحد، وهو ظاهر، وإن كان مشددًا حسب بحرفين، الأول ساكن والثاني متحرك فيفكان في التقطيع ويلفظ بالأول بلفظ الثاني.
فإذا رسمت (الرجل) رسمته هكذا (أررجل) فأما زاده الكتاب في الهجاء الاصطلاحي كالألف بعد واو الجمع في (فعلوا)، وكالواو في (عمرو) وكالألف في (مائة)، أو نقصوه كهمزة (رؤس) وألف (دينر) و(كتب) وشبهه فذلك لا يعتبر في التقطيع لأنه لا يظهر على اللسان، بل يرد ذلك إلى أصله فيسقط الزائد ويلحق الناقص، بالله التوفيق.
وقوله (دوائر خف لشق) يعني زن بالأجزاء المذكورة أبحر الدوائر المرموز لها بالأحرف المجموعة من قوله (خف لشق)، وهي أحرف اقتعطها من أسماء الدوائر ورمز لها بها.
والدوائر خمس: الأولى تسمى دائرة المختلف، وإليها أشار بالخاء، والثانية دائرة المؤتلف، وإليها أشار بالفاء، والثالثة تسمى دائرة المجتلب، وإليها أشار باللام، والرابعة تسمى دائرة المشتبه، وإليها أشار بالشين، والخامسة تسمى دائرة المتفق، وإليها أشار بالقاف.
ويقع في بعض النسخ (خف شلق) بتقديم الشين على اللام بناءً على أن الدائرة الثالثة تسمى دائرة المشتبه والرابعة تسمى دائرة الجتلب، وهو رأي لبعض العروضيين. وعلى هذه النسخة شرح الشريف. وما تقدم وهو الواقع في أكثر النسخ عندنا هو رأي الجمهور. ولا خلاف بين القائلين بالدوائر إنها خمس.
1 / 12