Osman Bin Affan: Hilafet ile Krallık Arasında
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
Türler
كان معاوية لا ريب على حق فيما أشار به من بناء الأسطول وغزو قبرص، واتخاذ قواعد في البحر لحماية الإمبراطورية الناشئة. فقد كانت الإمبراطورية تزداد على الأيام سعة، وتزداد شواطئها امتدادا. ولم يكن قد بقي للروم من سيولة للعود إليها إلا البحر. فإذا أيقنوا أن أسطولهم سيلقى من بأس أسطول المسلمين ما يلقى جنودهم في الميادين من بأس جند العرب فت ذلك في ساعدهم وفتح أمام المسلمين أبواب التوسع إلى أقصى ما تمكنهم منه قوتهم وجيوشهم. ولعل عمر لو استطال به العمر وامتدت في عهده شواطئ الفتح كان ينتهي إلى الرأي الذي انتهى إليه عثمان. وقد كانت مشورة عثمان بالتطوع للغزو في البحر مشورة موفقة لم تفتح باب الخلاف ولم تترك لمعترض سبيلا؛ لذا أسرع ببناء الأسطول الإسلامي في الشام وفي مصر، وأقبل المتطوعون عليه بأكثر مما توقع عثمان وتوقع معاوية، وأصبحت الدولة الإسلامية في زمن وجيز دولة بحرية مرهوبة الجانب، ثم صادر الأسطول أداة جوهرية في امتداد الفتح وفي تقوية كيان الإمبراطورية من بعد.
تقع قبرص في أقصى الشمال الشرقي للبحر المتوسط، قريبة من أرض الأناضول الواقعة شمالها، ومن الشام الواقعة إلى شرقها. وليس يفصل البحر بينها وبين هاتين الأرضين إلا بفاصل ضيق. وفي قبرص سلسلتان من الجبال يزيد ارتفاع بعض القمم فيها على ثلاثة آلاف من الأمتار. وقد كانت أرض الجزيرة - ولا تزال - مشهورة بخصبها وجودة فاكهتها وطيب هوائها. وهي إلى هذا قاعدة حربية منيعة تتحكم في شرق البحر الأبيض كله؛ لذلك كانت مطمع الطامعين على توالي الحقب. وكانت في ذلك العهد داخلة في منطقة نفوذ الروم، ثم كانت أول جزيرة غزاها المسلمون في البحر الأبيض. ركب إليها معاوية بن أبي سفيان البحر واصطحب معه زوجه فاختة بنت قرظة، وطائفة من الصحابة الذين استوطنوا الشام بعد أن جاءوا إليه من مكة والمدينة. وسارت سفينة معاوية في الطليعة وسارت من خلفها السفن عليها متطوعة المسلمين. فلما بلغوا قبرص وارتقوا إلى ساحلها لم ير حاكمها ولا رأى أهلها قتالهم. وما لهم يقاتلونهم والجزيرة في حكم الروم، فإذا لم يدفع الروم عنها لم تستطع هي الدفاع عن نفسها. وها لم تتصد للمسلمين سفينة من سفن الروم ولم تحاول منعهم عن مقصدهم. وتفاوض الفريقان في الصلح، ورأى أهل قبرص ألا يعرضهم صلحهم مع المسلمين إلى خلاف مع الروم قد يجر عليهم أذى لا قبل لهم بدفعه؛ لهذا صالحوا المسلمين على جزية سبعة آلاف ومائتي دينار يؤدونها لهم كل عام، على شريطة أن يؤدوا للروم مثلها. وفي مقابل هذا الصلح المزدوج مع الروم ومع المسلمين جميعا لا يمنعهم المسلمون ولا يقاتلون عنهم من أرادهم من ورائهم، ويكون أهل قبرص عيونا للمسلمين يؤذنونهم بسير عدوهم من الروم.
هذه رواية البلاذري في فتح قبرص. وهو يذكر أن غزوها كان في السنة الثامنة والعشرين أو السنة التاسعة والعشرين للهجرة، وأن أهل قبرص وفوا بعهدهم إلى السنة الثانية والثلاثين. وفي هذه السنة «أعانوا الروم على الغزاة في البحر بمراكب أعطوهم إياها، فغزاهم معاوية سنة ثلاث وثلاثين في خمسمائة مركب ففتح قبرص عنوة، فقتل وسبى ثم أقرهم على صلحهم وبعث إليها باثني عشر ألفا، كلهم أهل ديوان فبنوا بها المساجد، ونقل إليها جماعة من بعلبك، وبنى بها مدينة وأقاموا يعطون الأعطية إلى أن توفي معاوية وولي بعده ابنه يزيد، فأقفل ذلك البعث وأمر بهدم المدينة. وبعض الرواة يزعم أن غزوة معاوية الثانية قبرص في سنة خمس وثلاثين.»
ورواية البلاذري هذه تفيد أن معاوية فتح قبرص وحده. أما الطبري وابن الأثير، ومن أرخ على وتيرتهما فيذكرون أن أسطول الشام، وأسطول مصر سار كل منهما يقصد قبرص. وكان على أسطول مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وأصحاب هذه الرواية لا يذكرون أن معاوية هو الذي تولى بنفسه قيادة الأسطول إلى قبرص بل يقولون: إنه استعمل على البحر عبد الله بن قيس الحارثي. ويتعذر القطع بصحة إحدى الروايات وزيف الأخرى. والذي أرجحه أن معاوية فتح قبرص بادئ الرأي صلحا، وذلك حين كان الروم في شغل بنكبتهم في مصر وفي إفريقية، وأن عبد الله بن قيس الحارثي كان معه في هذا الفتح الذي لم يرق فيه دم ولم يجر فيه قتال. فلما نقض أهل قبرص وأعانوا الروم سار أسطول الشام وأسطول مصر إلى الجزيرة ففتحاها عنوة وقتلا وسبيا من أهلها. وكان عبد الله بن قيس، وعبد الله بن سعد أميري البحر على الأسطولين في هذه الغزوة الثانية.
ويظهر من رواية الطبري ومن أخذ عنه أن عبد الله بن قيس برع في إمارة البحر أيما براعة، وأنه غزا خمسين غزاة ما بين شاتية وصائفة في البحر ولم يغرق فيه أحد ولم ينكب.
ويضيف الرواة أن عبد الله بن قيس «كان يدعو الله أن يرزقه العافية في جنده وألا يبتليه بمصاب أحد منهم، ففعل، حتى إذا أراد الله أن يصيبه وحده خرج في قارب طليعة فأتى إلى المرقى من أرض الروم عليه سؤال يفدون بذلك المكان، فتصدق عليهم، فرجعت امرأة من السؤال إلى قريتها فقالت للرجال: هل لكم في عبد الله بن قيس. قالوا: وأين هو؟ قالت: في المرقى. قالوا: أي عدوة الله، ومن أين تعرفين عبد الله بن قيس، فهو يختبئ. وقالت: أنتم أعجز من أن يخفى عبد الله على أحد. فساروا إليه فهجموا عليه فقاتلوه وقاتلهم فأصيب وحده وأفلت الملاح حتى أتى أصحابه ... وقيل لتلك المرأة بعد: بأي شيء عرفته؟ قالت: بصدقته، أعطى كما يعطي الملوك ولم يقبض قبض التجار.» ورواة هذا الحديث يذكرون أن سفيان بن عدي الأزدي سار بعد مقتل عبد الله بن قيس لقتال عدوه فلم يظفر به. وكذلك مات أول أمير للبحر من المسلمين قتيلا بغير قتال، ومات الرجل الذي لم يهزم قط لعجز أصحابه عن الأخذ بثأره والظفر بعدوه.
أيقن الروم بعد استيلاء المسلمين على قبرص، وبعد أن أصبح لهم أسطول يدافع عن شواطئ الشام وإفريقية، أنهم لن يستطيعوا العود إلى مصر وإفريقية، ولن يستطيعوا مناهضة المسلمين في الشام، ما لم يحطموا أسطول المسلمين لتعود لهم بتحطيمه سيادة البحر؛ وليكون لهم على موجه السلطان النافذ واليد المطلقة. ولن يتسنى ذلك لهم إذا تركوا المسلمين يكبر أسطولهم وتزداد كفاية ملاحيهم؛ لذلك عزموا غزوهم في البحر وتحطيم أسطولهم. وكانوا مطمئنين إلى مقدرتهم على الظفر بهذا الأسطول؛ لأن سفنهم كانت أكثر من سفن المسلمين عددا، ولأن ملاحيهم كانوا أكثر من ملاحي المسلمين براعة.
كان ذلك عام إحدى وثلاثين للهجرة في رواية، وأربع وثلاثين في رواية أخرى. وتنفيذا لعزمهم اجتمع الروم إلى قسطنطين بن هرقل وقد تولى قيادة خمسمائة أو ستمائة من السفن أطلقت شراعها تشق عباب البحر المتوسط إلى الإسكندرية تلقى فيها أسطول المسلمين الأكبر،
4
وعرف المسلمون نبأ الروم وسيرهم لقتالهم فتولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح والي مصر قيادة أسطول الإسكندرية وإفريقية وعدته مائتا سفينة شحنها بالشجعان المجربين ذوي البأس في الحرب. وأرسى بها بعيدا عن الإسكندرية وفي طريق الروم إليها. وتراءى الأسطولان حين آذنت الشمس بالمغيب فبات الروم يدقون نواقيسهم، وبات المسلمون يصلون ويقرءون القرآن، وكل ينتظر ما يتنفس عنه الغد. فلما أصبحوا صف ابن أبي سرح أسطوله ورجاله، وأقام مكانه ينتظر مجيء الروم إليه. وهبت من جانب البحر ريح عاتية اتقاها أسطول المسلمين بأن أرسى إلى شواطئه، ولم ينزعج لها الروم؛ لأنها كانت مواتية لمواقع أسطولهم. فلما سكنت الريح بعث ابن أبي سرح يقول لقسطنطنين: إن شئتم خرجنا نحن وأنتم إلى البر؛ لأن الأعجل مقاومتكم. ولم يرض الروم هذا العرض؛ لأنهم ذاقوا من قبل بأس المسلمين في قتال البر؛ ولأن تدمير أسطول عدوهم كان مقصدهم الأول؛ لذلك بعثوا يقولون: الماء، الماء. ولم يتردد عبد الله بن سعد عن منازلتهم في الميدان الذي اختاروه. فتقدمت سفنه وتقدمت سفن الروم وأنشبوا القتال عنيفا غاية العنف، بلغ من عنفه أن تداخلت سفن الأسطولين، فكان الرجال يثبون على الرجال بالسيوف والخناجر، ولا تجد الرحمة إلى قلب أحد منهم سبيلا. ودفعت الأمواج سفن الأسطولين إلى الشاطئ فكان القتلى يهوون إلى رماله تغمرهم المياه ثم تنحسر عنهم وقد خالطتها دماؤهم فانقلب لونها أحمر قانيا. وحمى الوطيس وأبلى الروم وأبلى المسلمون أحسن البلاء، فكثر القتلى في الجانبين كثرة لم يعهد لها في ذلك العهد وفي مثل هذه الوقائع نظير. روي عن بعض من حضر ذلك اليوم أنه قال: «رأيت الساحل حيث تضرب الريح الموج وإن عليه لمثل الظرب العظيم من جثث الرجال، وإن الدم لغالب على الماء، وصبر الناس يومئذ صبرا لم يصبروه في موطن قط.» وأصابت قسطنطين جراحات أوهنت قوته وضعضعت عزمه. فلما بلغ منه ومن رجاله ورأى المسلمين لا يهن لهم عزم أيقن أن الدائرة لهم عليه فولى مدبرا بما بقي من أسطوله ورجاله، وقد آمن بأن بأس المسلمين في البحر لا يقل عن بأسهم في البر، وأنهم لا غالب لهم.
Bilinmeyen sayfa