Osman Bin Affan: Hilafet ile Krallık Arasında
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
Türler
3
وليس في هذه السياسة؛ كما ترى، جديد يقف النظر أو يدعو إلى إعمال الرأي كما كان في سياسة عمر حين رفع الحظر عن أهل الردة، وحين أمر برد السبي من العرب إلى عشائرهم، وبإخراج نصارى نجران من ديارهم. ولعل حجة عثمان في نهج هذه السياسة كانت أنه عاهد عبد الرحمن بن عوف قبيل توليته على أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من قبله، وأنه لم يقل ما قاله علي بن أبي طالب أنه يعمل بمبلغ حكمته وطاقته؛ لذلك لم يفكر في جديد يضيفه إلى سياسة الخليفتين أبي بكر وعمر، مخافة أن يتهم بأنه ابتدع من عند نفسه وعمل بعلمه مخالفا بذلك عهدا قطعه وبايعه الناس عليه. أم أن عثمان كان لشدة حيائه كثير العطاء تألفا للناس، ثم لم يتعرض في كتبه الأولى لرسم سياسة جديدة قد يضطر للرجوع عنها، فيكون رجوعه حجة يؤاخذه بها خصومه ويتخذونها عمادا لدعاية ما أغناه عنها.
أيا ما يكنه الأمر لقد كان متعذرا على عثمان وعلى غير عثمان في الموقف الذي بلغته الأمور حين مقتل عمر أن يتخذ خطة غير خطة الانتظار ومراقبة الأحوال، وما يمكن أن تتحول إليه. فقد كانت منازعات العرب الذين استوطنوا البصرة والكوفة متصلة، وكانت كل واحدة من المدينتين تسرع إلى مناوأة عامل الخليفة عليها، حتى اضطر عمر غير مرة إلى أن يولي عماله وأن يقول: «هات أمرا أصلح به قوما أن أبدلهم أميرا مكان أمير.» وكان يزدجرد كسرى الفرس لا يزال مقيما في فرغانة عاصمة الترك بسمرقند ينتظر الفرصة للعود إلى بلاده ومناجزة المسلمين. وكان الروم قد اطمأنت أمورهم بعض الشيء بعاصمة قسطنطين، وكانوا يتهيئون للأخذ بالثأر وشن الغارة من جديد على الشام وعلى مصر. وكان العرب في شبه الجزيرة وخارج شبه الجزيرة قد أنسوا إلى ألوان من المتاع وافتنوا فيه، فلم يكن عجبا أن يغريهم ذلك بطلب المزيد منه والتذمر إذا لم ينالوا ما يطلبون. لم يكن بد لمن ولي أمر دولة تلك حالها أن يطيل التفكير قبل أن يرسم خطة لسياستها. فإذا كان ولي الأمر في مثل حياء عثمان ولينه كان أشد حاجة للأناة وطول التفكير. وكان الأمر كذلك بخاصة؛ لأن عمر قتل والناس مطمئنون إلى أنه لا يزال له في العمر فسحة، لا يفكر أحد بذلك منهم في سياسة تخالف سياسته.
ولا يغيب عن الذاكرة مع هذا كله أن جند المسلمين في أرجاء مختلفة من أرض فارس وبرقة وجنوب مصر كانوا دائمي الأهبة لقتال العدو في قتال نظامي حينا، وفيما يشبه حرب العصابات أحيانا، فلم يكن لعثمان أن يغفل هذا الأمر، ولم يكن له بد من أن يعيره أعظم جانب من التفاته. ذلك أن الحوادث لم تطاوع عمر أن يقف بالفتح الإسلامي في حدود يعقد الصلح مع خصومه الفرس والروم على احترامها، فاضطر لمتابعة الفتح حتى قتل ولا يزال جنده متحصنا بأطراف فارس وأطراف مصر. وما كان لخليفة أن يقيض عن ذلك أو تتعرض الإمبراطورية كلها للانتقاض من أطرافها. والاحتياط لهذا الأمر هو عبء جسيم واجهه الخليفة الثالث لأول ما بويع.
وكان الفرس والروم يعرفون من شئون العرب ما يجعلهم يزيدون في هذا العبء فداحة. فقد فكروا في الانتقاض لأول ما جاءتهم الأنباء بمقتل عمر وبيعة عثمان. فتمردت ولايات كانت أذعنت لسلطان العرب وصالحتهم، فنقضت صلحها ومنعت الجزية التي صالحت عليها، لم يكن للخليفة بد من رد هذه الولايات إلى حمى الطاعة، وأن يفرض عليها جزاء أقله ما صالحت عليه في عهد عمر مخافة أن تنقض غيرها من الولايات صلحها، وتعلن الثورة والعصيان. فإذا وقع ذلك تفاقمت الأمور وتعذرت ملافاتها. •••
حدث أول انتقاض من هذا النوع في أذربيجان وأرمينية، ثم هاجم الروم الشام، ثم نقضت الإسكندرية عهدها واستعانت بالروم فأعانوها. أما وقد تتابعت هذه الأحداث وأمثالها فلا بد من قمعها والقضاء عليها في مهدها. وقد فعل عثمان، فأدى ما فعل إلى امتداد الفتح، وإلى اتخاذ المسلمين قواعد حربية لحماية الإمبراطورية، وإلى إنشائهم قوة بحرية إلى جانب قواتهم البرية. وسنوجز في الفصول التالية ما تم من ذلك كله، وما ترتب عليه في سياسة الدولة الخارجية؛ لنعود بعد ذلك إلى تفصيل سياسة الحكم الداخلي في عهد عثمان، وإلى ما انتهت إليه هذه السياسة من ثورة بالخليفة، ثم بالخلافة ليصبح الأمر بعد علي ملكا عضودا في بني أمية.
الفصل الثالث
الفتح في عهد عثمان
امتدت الإمبراطورية الإسلامية في عهد عمر من أقصى فارس شرقا إلى حدود برقة وطرابلس غربا. ومن بحر قزوين في الشمال إلى بلاد النوبة في الجنوب. وقد آمن ما فتحه المسلمون من بلاد هذه الإمبراطورية بأن غزاتهم لا غالب لهم. مع ذلك كانت أسباب الانتقاض لا تفتأ الحين بعد الحين تحرك نفوس الناس من أهل هذه الأقاليم إلى الثورة بالمسلمين ونكث ما عاهدوهم عليه. ولم يكن ذلك عجبا، والفاتحون يخالفونهم في الجنس واللغة والعقيدة، ثم لم يكن عجبا وقد كان عرب الحيرة والغساسنة إلى سنوات معدودة قبل الفتح يخضعون لسلطان الفرس ونفوذ الروم.
ولم يكن عجبا كذلك أن تحرك عوامل الفتنة نفوس الناس في البلاد المفتوحة، وذلك بحكم موقفهم من المسلمين وموقف المسلمين منهم. فلم تكن للمسلمين قوات مرابطة في هذه البلاد، بل كانوا يصالحون كل إقليم يفتحونه على جزية معينة يدفعها أهله لهم، ثم يتركون حكم الإقليم لأبنائه، وتنسحب قواتهم بعد ذلك عنه إلى المعسكرات العربية. وكانت أعظم هذه المعسكرات مركزة بالشام، في دمشق وفي حمص، كما كانت مركزة بالعراق في البصرة وفي الكوفة. أما في مصر فلم يكن للعرب مسلحة قوية إلا في حصن بابليون حيث تقع مصر القديمة اليوم؛ لهذا حدث غير مرة في عهد عمر نفسه أن انتقضت ولايات بعد إذعانها فمنعت الجزية وامتنعت من العرب بحصونها، فبعث إليها عمر من ردها إلى الطاعة وأعادها إلى الإذعان. لكنه لم يكن يترك من جنده بينها من يحفظ نظامها ويلزمها احترام عهدها؛ لأن انفساح الإمبراطورية السريع جعله في حاجة إلى تنقل هذه القوات من ميدان إلى ميدان. ثم إنه يخشى إن هو ترك قوات صغيرة في الأقاليم المفتوحة أن يثور الناس بها، وأن يتغلبوا عليها فيكون لذلك من سيئ الأثر في النفوس ما لا يحب. وهو إلى هذا قد كان قادرا دائما أن يرد العصاة عن عصيانهم، وأن ينزل بهم من العقاب ما يكون عبرة لغيرهم.
Bilinmeyen sayfa