إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وقد يكون ذلك، وربما لا ينكر الآن أن كثيرا من عامة المسلمين وإن صحت عقائدهم من حيث ما تعلق به الاعتقاد، إلا أنهم لا ينهجون في بعض أعمالهم منهاج الشريعة الغراء، وهذا مما يحدث ضعفا في قوة الأمة بقدر الميل عن جادة الاعتدال في الفضائل والأعمال
وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم .
إلا أن المسلمين لم يزالوا على أصول الفضائل الموروثة عن أسلافهم، ولهم حسن الإذعان بما جاء به شرعهم وكتاب الله متلو على ألسنتهم، وسنة نبيهم يتناقلونها رواية ودراية، وسير الخلفاء الراشدين والسلف الصالح مرسومة على صفحات نفوس الخاصة منهم، فليس ما طرأ على بعضهم من الغفلة عن متابعة الشرع وما تسبب عنه من الضعف في القوة إلا عرضا لا يبقى، وحالا لا يدوم.
انظر نظرة إنصاف إلى ما أودعته آيات القرآن من غرر الفضائل وكرائم الشيم، وإلى حرص المسلمين على احترام كتابهم وتبجيله؛ تجد من نفسك حكما باتا بأن علماء الديانة الإسلامية لو نشطوا لأداء وظائفهم المفروضة عليهم بحكم وراثتهم لصاحب الشرع، والمحتومة على ذمتهم بأمر الله الموجه إلى الذين يعقلونه، وهم هم في قوله الحق:
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ، وبالحض الإلهي المفهوم من قوله:
فلولا نفر من كل فرقة منهم (من المؤمنين)
طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ، ولو قاموا يعظون العامة بما ينطق به القرآن، ويذكرونهم بما كان عليه صاحب الشرع
صلى الله عليه وسلم
وخلفاؤه الناهجون على سنته من الأخلاق المحمودة والأعمال المبرورة؛ لرأيت أن الأمة الإسلامية ناشطة من عقالها، متضافرة على إعادة مجدها وصيانة ولايتها العامة من الضعف، وبيضة دينها من الصدع، كل ذلك في أقرب وقت، ولن تكون إلا صيحة واحدة فإذا هم قيام ينظرون.
ولا ريب أن الراسخين في العلم من أهل الدين الإسلامي يعلمون أن ما أصيب به المسلمون في هذه الأزمان الأخيرة، إنما هو مما امتحنهم الله به جزاء على بعض ما فرطوا، وليس للناس على الله حجة، فالرجاء في هممهم وغيرتهم الدينية وحميتهم الملية أن يوجهوا العناية إلى رتق الفتق قبل اتساعه، ومداواة العلة قبل استحكامها، فيذكروا أبناء الملة بأحكام الله، ويحكموا بينهم روابط الأخوة والألفة كما أمر الله في كتابه وعلى لسان نبيه، ويبذلوا الجهد لمحو اليأس والقنوط الذي ملك أفئدة البعض منهم، ويقنعوهم أنه لا ييأس من لطف الله إلا الذين في قلوبهم مرض وفي عقائدهم زيغ، ويسيروا بهم في سبيل يجمع كلمتهم، ويوحد وجهتهم، ويقوي فيهم إباءة الضيم، والنفرة من الذل، ويحرك فيهم روح الأنفة، حتى لا تسمح نفس أحدهم أن يأتي الدنية في دينه، ويكشفوا لهم حقيقة وعد الله ووعده الحق في قوله:
Bilinmeyen sayfa