فلهذا الإعلان من القوة المعنوية التي تدافع عن الجنرال ما ليس لجيش عرمرم، أما إرسال الجيوش فهو محال لوعرة السبل وكثرة النفقات وشدة الحرارة، ولئن همت به الحكومة فإنما يكون من أعمال اليأس والقنوط، فهذه الجرائد جعلت هذه المصالح الدولية وحقوق الدولة العثمانية وحقوق ستة ملايين من سكان القطر المصري، فداء لرأس الجنرال جوردون، وفي زعمها أن ما تراه ليس رأيا يبديه أرباب الجرائد بل هو ما تراه الأمة البريطانية بأسرها، وربما لا يكون بعيدا.
وبعض الجرائد - وتشاركهم جريدة «التايمز» - تتذرع فيما تطلب بما حصل لأرباب الديون المصرية من القلق على ديونهم، وليس لهم ضمانة ترفع قلقهم، وتسكن اضطرابهم، إلا إعلان السيادة على القطر المصري، وقوم آخرين منهم يجعلون حجتهم مصائب الأهالي المصريين ورزاياهم وما حل ببلادهم من احتلال، ولا ينقذهم من هذا الشقاء إلا السيادة الإنجليزية.
جميعهم على وفاق على أن هذه السيادة هي الجوهر الثمين والسر المكنون، والإكسير المضنون به على غير أهله، متى أبرزوه لم يبق مريض إلا عوفي، ولا ضعيف إلا قوي، ولا فاسد إلا صلح، كأن في هذا الاسم ما في الرقى والطلاسم، يغني عن الجيوش والأموال والعدة والرجال.
ولا نظن أن يكون في هذا الاسم ما يدعيه الإنجليز من القوة، ولا أن تكون في طيه هذه الأسرار العجيبة، ولو أننا فرضنا تنازل أرباب الحقوق عن حقوقهم من الدول الأوروبية والدولة العثمانية وأرباب الشأن والولاية، وسوغوا لحكومة إنجلترا أن تنقش أحرف السيادة في أوراقها الرسمية أو في هواء الديار؛ فليس من السهل عليها أن تزيد الحامية إلى حد يحفظ ملكا عظيما يتاخم بلاد أوروبا، وقد ظهرت آثار قوتها مدة الحلول وما عاد منها على البلاد.
على أن الأهالي كانوا في سكون تام؛ لركونهم إلى ما تعدهم به حكومة إنجلترا من الجلاء عن أوطانهم، فإذا أعلنت السيادة انقصمت علائق الآمال، وانحرفت القلوب ومالت إلى الدعوة القائمة على القرب منها، وانقلب الكافة إلى الذود عن حقوقهم الوطنية أو الملية، ولا يرهبون القوة الإنجليزية في داخل البلاد بعدما علموا شأنها، ويكون هذا حجة جديدة لمحمد أحمد في تأييد دعواه لدى المصريين، ولا يرعبه اسم السيادة بعدما لم ترهبه جيوش الجنرال هكس وجراهام، وفتكه بالأولى وإلجائه الثانية إلى إخلاء سواحل البحر الأحمر، فأي شأن يكون لهذا الاسم الشريف، نعم يكون بداية مشكل جديد في مصر، والله أعلم بعاقبته.
الفصل السادس
التعصب
اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء . •••
لفظ شغل مناطق الناس خصوصا في البلاد المشرقية، تلوكه الألسن وترمي به الأفواه في المحافل والمجامع ، حتى صار تكأة
1
Bilinmeyen sayfa