177

أسف يصهر الجسم ويذيب الفؤاد، وحسرة تفلذ الأكباد على قبيل من أمة أو شخص منها ذي همة يستعين الله في عمل ينقذ أمته من ضعة أو يرجع إليها بمنفعة، ثم يوجد له في وجهة عمله من تلك الأمة من ينجم كقرن المعز ليفقأ عين العامل الفاضلة، فيقطع عليه أسباب العمل ويعرقله عن القصد ليكسب مدحة باطلة أو منفعة عاجلة.

وإنما مثل من يكون على هذه الصفة في الأمة كمرض السكتة في البدن، أو الصدع في الرأس، أو الخبل في العقل، أو الشجى في الحلق، أو القذى في العين؛ هؤلاء هم الذين يقعدون بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله والحق، ويبغونها عوجا.

لو كان في هؤلاء العصال الطباع (الأعصل: المعوج في صلابة) بقية من الإنسانية أو أثر من العقل يدركون به ما ينشأ من أعمالهم الجزئية من المضار الكلية، ويشعرون بهذا الجرم العظيم الذي يدك الرواسي ويهد الشامخات؛ لذابوا خجلا واستتروا عن الناس بحجاب العدم، وتمنعوا لو محيت أسماؤهم من لوح الوجود، ولكن يظهر من جرأتهم على خطيئتهم أنهم ذهلوا عن أنفسهم فلا يعلمون ماذا يعملون.

هذا العمل الصغير الذي يجلب على الأمة شرا كبيرا أو يحرمها من خير عام؛ ليس في وسع حكيم من البشر أن يحدد درجته من الخسة والسفالة، ولا في طوعه أن يحيط بكنه الفساد الذي ضرب في طمع شخص يقدم على مثله، ولا توجد كلمة ولا جملة ولا كتاب يفي ببيان حاله، سوى أن يقال: خائن ملته ووطنه.

أولئك أشخاص كثيرا ما يوجدون في الأمم المعتلة، يشبه أن يكون منهم صاحب جريدة «أوده أخبار » التي تطبع في «لكنهو» من بلاد الهند، أنفض رأسه ورفع عقيرته على جريدة «أمير تابازار برتركا» التي تنشر في بلاد «بنجالة»، كتبت هذه الجريدة «البنجالية» فصلا بينت فيه سوء معاملة الحكومة الإنجليزية الهندية وخشونتها على الهنديين وإهانتها لهم، وإجحافها بحقوقهم، وحرمانها لهم من خدمة أوطانهم، وإثقالها عليهم بالضرائب الباهظة، واستئثارها بجميع ما يكسبون من كدهم وتعبهم، مع احتكارها جميع ينابيع الثروة، مما أوجب شدة الضيق والضنك في عامة الأقطار الهندية وكان سببا في انحراف قلوب الهنديين عن الحكومة ونفرتهم منها.

ثم انبعث هذا بقولها: «فليس لحكومة الهند بعد ذلك كله أن ترجو مساعدة رعاياها لها عند وقع حرب بينها وبين الروس، ولا أن تؤمل في العساكر الهندية بذل أرواحهم في الدفاع عنها؛ فإن الجند يشركون الأهالي فيما ألم بهم ويألمون كما يألمون، وليس من الحق لحكومة بريطانيا - مع سلوكها هذا - أن تلوم الهنديين إذا آثروا عليها دولة الروس واختاروها حاكمة لهم.» هذا مجمل ما قالت.

وأقل ما كان يترتب على هذا الكلام وأمثاله من الفوائد هو تنبه الحكومة الإنجليزية لما خرجت به قلوب الأهالي وأحرجت صدورهم، فتعدل مشربها وتقوم منهجها مع الهنديين وترفع عن كواهلهم بعض الضرائب الثقيلة، وتمنح الوطنيين بعض الوظائف في الدوائر الملكية أو العسكرية، وتكف عن إهانتهم وتذليلهم؛ ليكون لها عدة إذا دهمتها أم صبور (الداهية أو الحرب الشديدة) من جهة الشمال.

وكان على الهنديين - خصوصا أرباب المعارف منهم - أن يؤيدوا القائل في قوله أو يحمدوا له سعيه أو يتركوه وشأنه، لعل خيرا كثيرا أو قليلا يستتبع ذلك لأوطانهم وأبناء أمتهم، ولكن واأسفا! بدل هذا يلتوي صاحب جريدة «أوده أخبار» ويجور عن جادة الصواب في تقريع الجريدة البنجالية وتعنيفها، ثم يطلب من الحكومة الإنجليزية أن تمحو حرية الجرائد من بلاد بنجالة.

وهذه الجريدة وإن وصفها مقوم الجرائد في الهند (مدير المطبوعات) بأنها متملقة معمعة للحكومة، إلا أنه ما كان يخطر ببالنا أن تنحط وتسفل إلى هذا الدرك، ولا أن ترتكب في تملقها هذه الجريمة العظمى، وهي: طلب محو الحرية في البنجالة، وصد أبناء وطنها عن التنبيه على بعض حقوقهم وشكاية شيء من أرزائهم - لا حول ولا قوة إلا بالله.

الفصل السابع والسبعون

Bilinmeyen sayfa