وجاءت الأخبار مؤكدة أن حصن كسلا تحت محاصرة الثائرين، وأن القبائل في جنوب بربر جميعها في هيجان وثورة شديدة.
وهذا كله يؤيد ما قلناه مرارا، من أن المدعي يخشى من قوة بأسه وسريان دعوته إلى جهات بعيدة، فإنه إذا استقر قدمه في الخرطوم لم نلبث أن نسمع بظهور دعواه في أسوان.
الفصل الثامن عشر
تحكم اللورد دوفرين
نهجت دولة الإنجليز في معاملتها للدولة العثمانية منهجا جديدا بعد حرب الروس ، تأخذها بالتهديد والتهويل في كل ما تروم قضاءه من أغراضها في الممالك العثمانية، ولا تراعي فيما تفعل قانونا دوليا، ولا عهدا سياسيا، وتتحكم بجبروتها في تحديد المواعيد وتعيين الأوقات، وأعظم ما يكون من مرهباتها الوعيد بتغير قلبها عن وداد تلك الدولة أو اشمئزاز نفسها منها، ولا تفرق في نهجها هذا بين صغار المسائل وكبارها.
ومن ذلك ما روته جميع الجرائد من اشتداد اللورد دوفرين سفير إنجلترا في الأستانة على سعيد باشا الصدر الأعظم، وإغلاظه له في القول عند التكلم في شأن شركة عثمانية تحت رعاية دولة لوبهرام أغا، منحها الباب العالي امتيازا بتسيير سفن النقل على شطوط البحر الأبيض، وكان هذا العمل في يد شركة إنجليزية (لم تأخذ به امتيازا)، فامتعض اللورد دوفرين وطلب من الباب العالي استرداد منحته فلم يجب طلبه، فذهب يوم الخميس الماضي إلى الصدر الأعظم وخشن له المقال، ونسب إلى الباب العالي تعمد المراوغة.
ولما تنصل له الصدر بأن هذا ليس من خصائصه بل يتعلق بوزير الخارجية، قال: إنه لا يخابر فيه وزارة الخارجية (وإن كان من خصائصها) وإنه يلقي التبعة على الصدر الأعظم إذا تأخر الجواب بقبول حجته، وأن لا بد من تعويض لمن أصابته خسارة بسبب هذا الامتياز من الإنجليز، مع تحرير اعتذار رسمي وعزل والي أزمير، فإذا بلغ أمرنا إلى الخضوع بكل تهديد والانقياد بأي إرهاب، وصارت مسائلنا الداخلية تحت اختيار من يستطيع أن يلقي التبعة، ويبالغ في الخشونة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الفصل التاسع عشر
مقاصد إنجليزية في مصر
في كل يوم تلح جريدة التايمس على حكومة إنجلترا بوجوب طرد العساكر المصرية الوطنية، زاعمة أنه يحل من الأهالي محل القبول، ويسرون عنه غاية السرور، وتشير على الحكومة أيضا أن تجهر بحمايتها لمصر وتظهر للدول أنها تتحمل كل تبعة تحصل من مداخلتها في تلك البلاد، وأن ذلك من مقتضى الحزم، فإن الإدارة المصرية وفروعها في حاجة إلى إصلاح حقيقي ولن يقوم به إلا رجال الإنجليز.
Bilinmeyen sayfa