Uyum Başlığı Yusuf Sadık Hikayesi
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
Türler
تادرس وهبي بك
مؤلفاته
تآليف أخرى
ريادة المسرح في مصر
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
مقدمة الكتاب
المقامة الأولى
المقامة الثانية: في حزن يعقوب على يوسف عليهما السلام، وما جرى له مع أبنائه بالتفصيل في هذا المقام
المقامة الثالثة: في ما جرى ليوسف عليه السلام بدار فوطيفار وزير فرعون مصر
المقامة الرابعة: في خروج يوسف من السجن، وصيرورته وزيرا لفرعون مصر
Bilinmeyen sayfa
المقامة الخامسة: في قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى مصر من أرض كنعان لالتماس المؤنة
المقامة السادسة: في تعرف يوسف عليه السلام بإخوته
المقامة السابعة: في قدوم يعقوب عليه السلام من أرض كنعان إلى مصر
المقامة الثامنة: في نقل جثة يعقوب عليه السلام من مصر إلى أرض كنعان
خاتمة وعظية وصفية لمجمل السيرة اليوسفية
تفسير ألفاظ ما تضمنته هذه المقامات الأدبية من كلمات لغوية، مع مراعاة الحروف الأصول وضبطها على ترتيب حروف المعجم ضمن أبواب وفصول
ملحق قصة يوسف عليه السلام في الكتب السماوية الثلاثة
تادرس وهبي بك
مؤلفاته
تآليف أخرى
Bilinmeyen sayfa
ريادة المسرح في مصر
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
مقدمة الكتاب
المقامة الأولى
المقامة الثانية: في حزن يعقوب على يوسف عليهما السلام، وما جرى له مع أبنائه بالتفصيل في هذا المقام
المقامة الثالثة: في ما جرى ليوسف عليه السلام بدار فوطيفار وزير فرعون مصر
المقامة الرابعة: في خروج يوسف من السجن، وصيرورته وزيرا لفرعون مصر
المقامة الخامسة: في قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى مصر من أرض كنعان لالتماس المؤنة
المقامة السادسة: في تعرف يوسف عليه السلام بإخوته
المقامة السابعة: في قدوم يعقوب عليه السلام من أرض كنعان إلى مصر
Bilinmeyen sayfa
المقامة الثامنة: في نقل جثة يعقوب عليه السلام من مصر إلى أرض كنعان
خاتمة وعظية وصفية لمجمل السيرة اليوسفية
تفسير ألفاظ ما تضمنته هذه المقامات الأدبية من كلمات لغوية، مع مراعاة الحروف الأصول وضبطها على ترتيب حروف المعجم ضمن أبواب وفصول
ملحق قصة يوسف عليه السلام في الكتب السماوية الثلاثة
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
تأليف
تادرس وهبي
دراسة
سيد علي إسماعيل
Bilinmeyen sayfa
تادرس وهبي بك
قبطي أزهري، حافظ للقرآن الكريم
هذا الكتاب يحمل بين طياته كتابا تراثيا نادرا، كتب عليه النسيان والضياع، كما كتب على مؤلفه التجاهل من قبل الأدباء والكتاب! فالكتاب هو: «عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق»، الذي نشر عام 1885، أما مؤلفه فهو تادرس وهبي بك أستاذ وناظر المدرسة القبطية بحارة السقائين، ومدير مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، وناظر المدارس القبطية في مصر! ورغم هذه المناصب، ورغم بكويته، إلا أنه لم يحظ بأي تقدير أدبي أو تاريخي حتى اليوم، إلا من بعض الكتابات اليسيرة، التي جاءت في تراجم بعض المعاجم، وإن كان أفضل ما كتب عنه، الصفحات القليلة التي كتبها محمد سيد كيلاني في كتابه «الأدب القبطي قديما وحديثا»!
واليوم يقوم المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية بإحياء هذا الكتاب مرة أخرى، بعد مائة وعشرين سنة من طباعته لأول مرة، وذلك بإعادة نشره بصورته التراثية المطبوع بها أول مرة. ودراستنا هذه إتمام لهذا الإحياء، حيث سنتعرض فيها إلى الحديث عن حياة المؤلف ونشأة المدارس القبطية - وبالأخص مدرسة حارة السقائين - ومؤلفاته في النحو والصرف والتراجم والمراثي والمسرحيات والخطب والأشعار، ودوره الريادي في مجال المسرح المدرسي ... إلخ هذه الأمور التي نأمل من ورائها إجلاء صورة هذا المعلم والأديب المنسي؛ لنعيد إليه مكانته التاريخية في مجال الأدب والتعليم.
تادرس وهبي في مرحلة الشباب. (1) حياته
في أوائل القرن التاسع عشر، وبالأخص في بداية حكم محمد علي باشا، كان هناك فرق في معاملات الدولة بين المسلمين والأقباط في مصر. منها على سبيل المثال أخذ الجزية من الأقباط، على اعتبارهم من الذميين، كما أن محمد علي حرم عليهم الدخول في الخدمة العسكرية (التجنيد)، وبالتالي عدم توليهم المناصب العسكرية. وعلى الرغم من ذلك، فمن يقرأ تاريخ هذه الفترة لا يشعر بأن هذه الفروق أحدثت خللا اجتماعيا بين المسلمين والأقباط، أو جعلت الأقباط يشعرون بأنهم في مرتبة أقل من المسلمين! وتدريجيا وبمرور الأيام زالت هذه الفروق . وكفى بنا أن نستشهد برأي «جوج بوزنج» المبعوث الإنجليزي في مصر، في تقريره إلى بلمرستون وزير خارجية بريطانيا عام 1837، عندما قال:
كان الأتراك يعتبرون الأقباط طائفة منبوذة من الشعب المصري، وبالرغم من ذلك فهناك تعاطف بين القبط وأبناء العرب، لعله نتيجة ما يقاسونه جميعا من آلام، فضلا عما يتحلون به من صفات حسن المعاشرة وحب السلام والفطنة والذكاء، ولا يكاد يوجد بينهم وبين النازحين من الأوروبيين أي اختلاط، ولا يعرف عن عاداتهم المنزلية إلا القليل، شأنهم في ذلك شأن المسلمين، فالحجاب مضروب على نسائهم كما هو مضروب على نساء المسلمين ... وفي الريف لا تكاد تفترق عادات الأقباط عن عادات أبناء العرب ... وهم كالمسلمين يؤمنون بالخرافات الشائعة في البلاد، سواء أكانت تلك الخرافات راجعة إلى أصل إسلامي أم أصل مسيحي ... وإن التسامح يخطو خطوات واسعة، وإن الفوارق بين المسلمين والمسيحيين آخذة في الاختفاء تدريجيا.
1
وفي عام 1855 تم إلغاء الجزية المفروضة على الذميين في مصر، وبالتالي عن الأقباط. وفي عام 1857 تمت الموافقة على قبول تجنيد الأقباط في الخدمة العسكرية الوطنية، بعد أن أعفاهم من ذلك محمد علي باشا في السابق، وبذلك زال آخر وجه من أوجه التفريق بين الأقباط والمسلمين في مصر. وغير صحيح أن البطريرك كيرلس الرابع عارض تجنيد الأقباط كما جاء في بعض الكتابات! فعندما أشيع عنه ذلك قال صراحة، وبروح الوطني المتحمس لمصريته: «قول البعض إني طلبت إلى الباشا أن يعفي أولادنا القبط من الخدمة العسكرية، فحاشا لله أن أكون جبانا بهذا المقدار، لا أعرف للوطن قيمة، أو أفتري على أعز أبناء الوطن بتجردهم من محبة أوطانهم، وعدم الميل لخدمته حق الخدمة والمدافعة عنه، فليس هذا ما طلبت ولا ما أطلبه.»
2
Bilinmeyen sayfa
في هذا الجو المتشبع بالتآخي والتسامح بين المسلمين والأقباط، ولد تادرس وهبي بحارة زويلة بالقاهرة عام 1856،
3
وفي الخامسة من عمره التحق بمدرسة الأرمن بالأزبكية، فتلقى فيها مبادئ اللغة الفرنسية ودرس اللغة الأرمنية. وفي العاشرة من عمره التحق بمدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، فتعلم فيها اللغتين العربية والإنجليزية. ثم تقدم للامتحان النهائي، وكان يرأس لجنة الامتحان رفاعة رافع الطهطاوي. وقالت صحيفة الوقائع المصرية في 5 / 3 / 1872:
صار افتتاح الامتحان الذي ميز فيه تادرس أفندي وهبي بين الأقران، وأشير إليه في بالبنان. وكان امتحان هذا التلميذ في اللغة العربية والمنطق والبيان، واللغة الفرنساوية والإنجليزية، والهندسة واللغة الطليانية. فأحسن في كل هذه الإجابة، وظهرت عليه إشارات النجابة.
4
وبعد أن تخرج من المدرسة، عمل مترجما بنظارة المعارف، ودرس اللغة القبطية على يد برسوم الراهب. كما التحق في هذه الفترة برواق الأقباط بالأزهر الشريف،
5
حيث درس كثيرا من العلوم العربية والدينية، مثل الحديث والفقه والقرآن الكريم، الذي حفظه كاملا، فكان أول قبطي مصري حامل للقرآن الكريم في العصر الحديث. بعد ذلك ترك تادرس وهبي خدمة الحكومة، وعمل مدرسا للغتين العربية والفرنسية بمدرسة الأقباط بحارة السقائين ثم ناظرا لها، حتى أحيل إلى المعاش عام 1916، ومات عام 1934 عن عمر يناهز الثامنة والسبعين.
6
وعندما مات رثاه صديقه عزيز بشاي بقصيدة مطلعها:
Bilinmeyen sayfa
7
زميل الصبا ودعت فيك صبابتي
وعهد شبابي الغض والمرح الجم
لقد كنت لي عند الملمة شافيا
وكنت دواء القلب والروح والجسم
دعوتك في الدنيا فلبيت صاغرا
تكفكف من دمعي وتدفع من همي
وفيا إذا قل الوفاء وصاحبا
إذا حل ذو حرب وأدبر ذو سلم (2) نشأة المدارس
أول مدرسة ظهرت في مصر في العصر الحديث كانت مدرسة الهندسة، التي أنشأها محمد علي باشا بالقلعة في سبتمبر 1820، وكان يدرس فيها اللغة الإيطالية والهندسة أحد القساوسة، أما الخواجة قسطي فكان فيها معلما للرياضة والرسم. وفي يوليو 1825 تم افتتاح المدرسة الجهادية بالقصر العيني، وكان ناظرها أحمد خليل. وفي فبراير 1827 افتتحت مدرسة الطب بأبي زعبل، وكان ناظرها كلوت بك. ثم توالى بعد ذلك افتتاح الكثير من المدارس في مصر.
Bilinmeyen sayfa
8
ومن الجدير بالذكر أن أول مدرسة افتتحت في مصر للنصارى كانت للطائفة الأرمنية عام 1828، وهي مدرسة كالوسديان ببولاق، ثم توالى افتتاح المدارس بعد ذلك، ومنها مدرسة المرير كورد المجانية لجمعية ديفيل دي لاشارتيه الفرنسية سنة 1844 بالإسكندرية، ومدرسة دام ديبون باستير بشبرا عام 1846، التي أنشأتها جمعية بون باستير، ومدرسة سانت كاترين بالإسكندرية عام 1847، التي أسستها جمعية الفرير. وفي عام 1847 أيضا أسست الجالية اليونانية مدرسة توستسا بشارع جامع مسجد العطارين بالإسكندرية. وفي العام نفسه أنشأت جمعية الفرير مدرستين؛ الأولى: مدرسة سانت فام بشارع الرملي، والأخرى: مدرسة سان جوزيف بشارع الموسكي.
9
ومما سبق نلاحظ أنه لم يتم خلال حكم محمد علي باشا افتتاح أية مدرسة للأقباط في مصر، وأن جميع مدارس النصارى التي افتتحت كانت خاصة بالجاليات الأجنبية المقيمة في مصر، أو كانت تابعة لبعض الجمعيات الدينية الأوروبية. ولكن في عهد سعيد باشا تغير الحال، حيث ظهر أبو الإصلاح البطريرك كيرلس الرابع،
10
الذي أنشأ أول مدرسة للأقباط في مصر، وهي مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية بجوار البطرخانة عام 1855، وكان يقبل التلامذة فيها ويصرف لهم الكتب والأدوات المدرسية مجانا، وكان يباشر التعليم بنفسه، فلا يمر عليه يوم لا يتفقد فيه حالتها مرة أو غير مرة. ولزيادة الاعتناء بها اتخذ له محفلا فيها، فإذا أتى إليه زائر من الأجانب أو غيره من ذوي المعرفة باللغات والعلوم وطرق التعليم كلفه بزيارة المكاتب وفحص التلامذة وإبداء ملاحظته فيما يعود إلى تحسين حالتها وتسهيل طرق التعليم فيها.
11
وهذه المدرسة بدأت أول عهدها بمائة وخمسين تلميذا، ثم قام أبو الإصلاح بفتح أبوابها أمام كافة المصريين دون التفريق بين عقيدتهم أو مذهبهم أو دياناتهم. فنجد عدد التلاميذ في هذه المدرسة عام 1875، بلغ 379 منهم 302 من الأقباط و16 من المسلمين! ومن الواضح أن هذه المدرسة في عصر الخديوي إسماعيل لاقت كل تعضيد واهتمام، والدليل على ذلك مقالة كتبها القمص فيلوثاؤس رئيس مدارس الأقباط بمصر عام 1871 بعنوان «المآثر السنية في توطيد الدعايم التمدنية»، واصفا فيها الاحتفال بامتحان هذه المدرسة. ومما جاء فيها:
إنه من سجايا عظمة خديوينا الأكرم، ومكارم جلالة عزيزنا الأفخم، وجنوح جوانحه لنجاح العلوم، وانعطاف عواطفه لخير العموم، تعلقت إرادته السامية وتوجهت عنايته السنية الكافية بإرماق مدارسنا القبطية بلواحظ الامتنان، غامرا إياها بمناهل الجود والإحسان.
ومما أنعم - لدوام توطيدها وإصلاحها ونجاحها وتأييدها - امتحان تلامذتها امتحانا سنويا حافلا بأشرف رجال حكومته، مجللا بكواكب دولته. وعلى هذا الأثر انتظم عقد الامتحان العام بهذا العام في جيد الهناء والسرور والابتسام ... في المدرسة الكبرى بدار البطريركية بعد أن التأمت داخلها تلامذتها لاستقبال سعادة الذوات الكرام ... حضرة المولى الأستاذ شيخ الجامع الأزهر مفتي أفندي الديار المصرية، وحضرة العلامة مفتي مجلس الأحكام القطرية، وحضرات الذوات الكرام: سعادتلو شريف باشا ناظر الداخلية، وسعادتلو إسماعيل باشا صديق ناظر المالية، وسعادتلو عبد الله باشا رئيس مجلس شورى النواب، وسعادتلو حافظ باشا ناظر الدائرة السنية الرفيع الجناب، وسعادتلو بهجت باشا ناظر المدارس والأشغال الميرية، وسعادتلو أحمد باشا صادق محافظ مصر، وسعادتلو ثابت باشا وكيل الداخلية، وعزتلو محمد بك سيد أحمد ناظر قلم عربي الداخلية كاتب سر المجلس الخصوصي الأكرم، وعزتلو مصطفى بك وهبة كاتب سر مجلس شورى النواب الأفخم، وعزتلو إسماعيل بك الفلكي ناظر المهندسخانة والرصدخانة، وعزتلو السيد بك صالح مأمور إدارة المدارس الميرية المصانة، وعزتلو شافعي بك رئيس مدرسة الطب الشهير، وسيادة السيد المطران وكيل البطركخانة الكلي الاحترام.
Bilinmeyen sayfa
ومذ شرف كل في مكانه وأخذ افتتاح الامتحان في إبانه، وكان المترأس عليه من أجزل المولى نعمه لديه سعادة الأستاذ رفاعة بك رافع الشائع سني صيته الذائع، تقدم التلميذ الابتدائي تاليا خطبة استفتاحية من قلم مصطفى أفندي رضوان خوجا أول فرنساوي ذي الفصاحة الألمعية، وكان التلميذ يوسف وهبه أفندي النجيب الذي أجاب فيما سئل بإيضاح اللفظ والمعنى المصيب، وتلاه التلميذ يسي أفندي عبد الشهيد الغصن البارع المجيد.
وبعد أن استتم فحصهما في العلوم النحوية والحسابية والجغرافية واللغات الفرنساوية والإنكليزية والقبطية، وشرحا الصدور بما أحسنا من الإجابات بادرت الداعي، وتليت خطبة تشكرية ... وفي الجلسة الثانية من الامتحان بوشر فحص أوائل الغلمان مبتدئا بالتلميذ البارع قليني يوسف عبد الشهيد وحنين عبد الملك الغصن المجيد، وتلاه أحمد مصطفى والتلميذ إسكندر قزمان غصن النجابة الفريد. وفي تلك الجلسة تليت خطبة من قلم برسوم أفندي إبراهيم نجل المدرسة ومعلم نحو وفرنساوي الآن بالصغرى والكبرى القبطي القويم حتى ختم ذلك اليوم بما شرح صدور القوم، وتلاه اليوم الثاني مبتدئا فيه بخطبة من قلم تادرس أفندي إبراهيم غصن المدرسة الزاهر المشهور في الترجمة الفرنساوية والإنكليزية البارع الماهر، وهكذا اليوم الذي بعده والامتحان جار على همته وجده إلى أن فحص جميع التلاميذ.
12
ويؤخذ من هذا الوصف عدة ملاحظات، منها؛ أولا: أن مدرسة الأقباط كانت مدرسة معترفا بها من قبل وزارة المعارف، وتدخل ضمن نطاقها، حتى ولو كانت معانة من قبل طائفة الأقباط، بدليل إشراف رفاعة رافع الطهطاوي على امتحانها. ثانيا: كان الاهتمام بها من قبل الخديوي والحكومة لا يقل عن الاهتمام بأية مدرسة أخرى، بدليل هذا الكم الهائل من المسئولين ممن حضروا هذا الامتحان من الوزراء ووجهاء الحكومة. ثالثا: حضور شيخ الأزهر، مما يعكس مدى التسامح الديني الذي كان منتشرا في هذا الوقت. رابعا: التعرف على المواد العلمية التي كانت تدرس في هذه المدرسة، وهي النحو والحساب والجغرافيا واللغات الفرنسية والإنجليزية والقبطية. خامسا: وجود مسلمين ضمن تلاميذ وأساتذة هذه المدرسة، مثل: الطالب أحمد مصطفى، والأستاذ مصطفى رضوان. سادسا: وجود مدرستين قبطيتين في هذا الوقت؛ كبرى وصغرى، فالكبرى هي مدرسة الأقباط بالأزبكية، وأما الصغرى فهي مدرسة الأقباط بحارة السقائين، كما سنرى.
ومن الجدير بالذكر، أن هناك مدرسة قبطية ثالثة تم افتتاحها عام 1867، وهي مدرسة المحاسبة القبطية. وهي مدرسة خاصة داخلية كان ناظرها المسيو ليونار الذي كان ناظرا أيضا على مدرسة السواري بالعباسية. وهذه المدرسة، كانت تنفق عليها وزارة المالية، ولم تكن معانة من قبل الأقباط. وهذه المدارس جميعا كانت خاصة بالبنين. أما بالنسبة لمدارس البنات، فمن المعروف أن أول مدرسة بنات للمسلمين كانت مدرسة السيوفية، التي عرفت فيما بعد بالسنية. وقد افتتحت عام 1873، وكان بها 334 طالبة، وهي مدرسة ابتدائية لتعليم الأشغال اليدوية، وكانت برعاية حرم الخديوي وعلى نفقتها الخاصة. أما ناظرتها فكانت السيدة روزة، ومديرها كان حسن صالح. ومن الملاحظ أن طائفة الأقباط كانت السباقة إلى افتتاح مدرسة للبنات قبل ذلك، حيث افتتحت أول مدرسة قبطية للبنات بصفة عامة في أسيوط عام 1868، وكانت مصاريفها على الأوقاف القبطية .
13
وأمام هذا الانتشار للمدارس القبطية في مصر، استطاع كيرلس الرابع أن يستأذن سعيد باشا بالتحاق خريجي المدارس القبطية بالمدارس الأميرية العليا كمدرسة الطب وغيرها، فكان له ذلك. وفي عام 1867 تبرع الخديوي إسماعيل باشا بمائة وخمسين فدانا من جفلك الوادي
14
كوقف للمدارس القبطية، بالإضافة إلى مائتين من الجنيهات سنويا. فخرج من هذه المدارس مجموعة كبيرة من المتعلمين، الذي عملوا في مصلحة السكك الحديدية والبنوك، سواء أكانوا من الأقباط أو من المسلمين، الذين وصلوا إلى أعلى المناصب السياسية، أمثال: بطرس غالي، وقليني فهمي، وكامل عوض سعد الله، وعبد الخالق ثروت، وحسين رشدي، ومحمود عبد الرازق.
15
Bilinmeyen sayfa
مدرسة حارة السقائين
حارة السقائين المتفرعة من شارع الشيخ ريحان بمنطقة عابدين بالقاهرة، إحدى أشهر الحارات المصرية، كحارة النصارى وحارة اليهود، والتي ما زالت موجودة حتى الآن، مع احتفاظها بالاسم نفسه دون أي تغيير أو تبديل! فقد ذكرها السخاوي في كتابه «الضوء اللامع»، وذكرها الجبرتي في كتابه «عجائب الآثار» باسم حارة السقائين. أما ابن الجوزي فقد ذكرها باسم «درب السقائين» في كتابه «المنتظم» عند الحديث عن أحداث عام 426 هجرية، وقال: إنها قريبة من سوق السلاح!
16
وكان يقطن هذه الحارة قديما عمال امتهنوا مهنة بيع الماء (السقا)، ولعل موقعها قديما أيام فيضان النيل كان مناسبا لهذه المهنة، حيث يتجمع ماء الفيضان ويثبت قرب الحارة على هيئة بركة، وبالتالي يترسب ويتخلص من شوائبه بصورة طبيعية، مما يسهل على السقائين تعبئة قربهم الجلدية، وبالتالي توزيع الماء على بيوت الأهالي. وفي ذلك يقول المقريزي في كتابه «المواعظ والاعتبار»: «وكان جهة القاهرة القبلية من ظاهرها ليس فيها سوى بركة الفيل وبركة قارون، هي فضاء يرى من خرج من باب زويلة عن يمينه الخليج وموردة السقائين، وكانت تجاه باب الفتوح.»
17
ومن الجدير بالذكر أن المثل الشعبي «يبيع الماء في حارة السقائين»، كان من الأسباب المهمة لشهرة هذه الحارة، وبقاء اسمها حتى الآن.
ومن الجائز أن أغلب من امتهنوا مهنة السقاء كانوا من الأقباط؛ لأن هذه الحارة في منتصف القرن التاسع عشر كانت تجمعا لطائفة الأقباط. وعندما قام أبو الإصلاح كيرلس الرابع بإنشاء مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، لاحظ أن مجموعة كبيرة من طلابها يأتون من مناطق بعيدة، خصوصا أقباط حارة السقائين، فأشفق عليهم، فأنشأ مدرسة وكنيسة هناك، ولم يكن بها من قبل كنيسة، وأناط المرحوم حنا أفندي القسيس بملاحظتها وتقديم ما يلزم لها من المعدات والأدوات، وكان حنا أفندي هذا من أفاضل القوم الغيورين، ولم يكتف جناب البطريرك بذلك، بل كان يزورها ويفحص حالتها مرة في كل أسبوعين على الأقل، فضلا عن تكليفه معلمها الأول بتعريفه عن حالتها وكيفية سيرها أول بأول.
18
وقد تم افتتاح كنيسة الأقباط بحارة السقائين أولا، ثم تم إنشاء مدرسة الأقباط الصغرى بعد ذلك بقليل، وتحديدا في عام 1857، لتكون نموذجا مصغرا من مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، مطابقة لها في نظم التدريس. وكان بعض المدرسين يتناوبون التدريس في المدرستين، كما لاحظنا في مقالة وصف الامتحان السابقة. وفي عام 1875 كان عدد التلاميذ بمدرسة حارة السقائين 74 تلميذا، الأكثرية من الأقباط، والأقلية من المسلمين.
19
Bilinmeyen sayfa
وقد تتلمذ في هذه المدرسة بطرس باشا غالي رئيس النظار ثماني سنوات، وعندما تخرج عمل بها أستاذا براتب قدره 700 قرش، وكان ناظر المدرسة وقتها يعقوب بك نخلة روفيلة.
20
ومن العجيب أن كنيسة الأقباط بحارة السقائين، ما زالت موجودة حتى الآن في موضعها، الذي بناها فيه أبو الإصلاح كيرلس الرابع، وهي كنيسة الملاك غبريال، التي ما زالت تؤدي دورها الديني! والعجب العجاب أن مدرسة الأقباط ما زالت موجودة وشامخة بجوار هذه الكنيسة بحارة السقائين أيضا، منذ أن بنيت عام 1875! ولكن بكل أسف موجودة كأطلال لا حياة فيها، حيث توقفت عن رسالتها التعليمية منذ سنوات قليلة، حيث تم إغلاقها كمدرسة تعليمية قبطية، وتفرق طلابها على بقية مدارس إدارة عابدين التعليمية، منذ عام 1998 فقط!
ففي صباح أحد أيام شهر يونيو 2004 ذهبت إلى حارة السقائين المتفرعة من شارع الشيخ ريحان بعابدين بالقاهرة، وهي حارة ضيقة نوعا ما، رغم امتدادها المتعرج الطويل، فوجدت بها كنيسة الملاك غبريال، وهي الكنيسة الوحيدة الموجودة في الحارة، وبابها الحديدي القديم كتب في أعلاه أن الكنيسة تم تجديدها عام 1882، وعندما دخلتها وجدت ساحة صغيرة فارغة، على يسارها مبنى الكنيسة الأساسي، وهو مبنى أثري قديم، رغم بعض التجديدات التي شوهت جماله التراثي القديم من الخارج. وعلى يمين الساحة مبنى من طابقين، وهو مبنى المدرسة القبطية التي أغلقت من ست سنوات. وطابقها الأول أو الأرضي مستغل الآن كحضانة، أما طابقها الثاني أو العلوي فمهجور ومغلق، ومنعت من صعوده أو رؤية ما بداخله من قبل العاملين بحراسة الكنيسة، الذين أخبروني بأن المدرسة كانت متكون من ثلاثة طوابق، وتم هدم الطابق الثالث منذ مدة ليست بالطويلة. كما وجدت في الساحة، صورتين كبيرتين زيتيتين مرسومتين، تم تعليقهما على الجدار الخارجي للطابق الأرضي من المدرسة. الأولى لقداسة الباب كيرلس الرابع، ومكتوب أسفلها: البطريرك رقم 110 وتاريخ تقليده للبطريركية من 17 / 4 / 1853 إلى 30 / 1 / 1861، والأخرى لقداسة البابا كيرلس الخامس، ومكتوب أسفلها أيضا: البطريرك رقم 112 وتاريخ تقلده للبطريركية من 1 / 11 / 1874 إلى 7 / 8 / 1927.
وشعرت بفرح شديد عندما علمت أن مدرسة الأقباط بحارة السقائين، التي عمل بها تادرس وهبي مدرسا فناظرا لها، كانت تؤدي رسالتها التعليمية حتى 1998. فهذا يعني أن إدارة عابدين التعليمية التي كانت المدرسة تابعة لها، تعلم عن المدرسة شيئا أو عن تاريخها أو أو ... إلخ. فذهبت في اليوم نفسه إلى المسئولين في إدارة عابدين، ويا ليتني ما فعلت! فعندما كنت أسأل أحدهم عن هذه المدرسة، التي أغلقت منذ ست سنوات، كان يقول: «ياه! من ست سنين وجاي تسأل عنها دلوقتي!» فيا ترى ماذا سيكون رده لو علم أنني أبحث عنها من أجل أستاذ وناظر، كان يعمل فيها منذ مائة وعشرين سنة!
وبعد مشقة كبيرة، أخبرني أحد الموظفين بأن أذهب إلى إدارة المباني بالإدارة التعليمية، لعلني أجد إجابة عن هذه المدرسة. فذهبت ولم أجد من يستمع لي! فقال آخر: اذهب إلى إدارة كذا، ولم أجد غير الضحك والسخرية، عندما أبنت أنني أبحث عن ناظر لهذه المدرسة كان يعمل منذ أكثر من قرن مضى، فرد علي أحد الموظفين: «طيب اسأل عنه، مش يمكن يكون لسه عايش؟» ... إلخ التعليقات المحبطة! حتى لاحظت إحدى الموظفات، واسمها يدل على أنها نصرانية، قالت لي: اذهب إلى البطرخانة بالعباسية؛ لأن هذه المدرسة كانت معانة من قبل الأقباط، فاستحسنت رأيها الذي أثلج صدري بعد يأس كبير.
وفي اليوم التالي ذهبت إلى البطرخانة بالعباسية. والحق يقال، فقد تم استقبالي على أحسن وجه ممكن أن يقابل به أي مواطن من قبل الموظفين! وقابلت شخصين يعملان في سكرتارية ديوان البطرخانة، وشرحت لهما الموقف كله، وأنا في حرج شديد باعتباري أحد المسلمين، يريد أن يكتب عن أحد النصارى! والحقيقة أن استقبالهما وحوارهما معي أزال هذا الحرج، وشعرت للمرة الأولى بمعنى التسامح الديني بين المسلمين والنصارى بصورة عملية! وعندما علما بموضوعي، راح كل فرد منهما يبحث في أوراقه وملفاته عن خيط يؤدي بنا إلى معرفة المزيد عن تادرس وهبي، ولكن بكل أسف دون جدوى! فعلى سبيل المثال، تم البحث في كشف المقابر القبطية في مصر، لعلنا نجد مقبرة باسمه، ومن خلالها نعلم من هم ورثته أو أولاده، ولكننا فشلنا في هذا. وذهب أحدهما إلى رئيس الديوان لعله يعلم شيئا عن هذا الرجل، دون جدوى أيضا. وفي النهاية أخذ الموظفان عنواني وطرق الاتصال الخاصة بي، لعلهما يجدان شيئا مفيدا قريبا، فيسارعان بإخباري به. ولكن للأسف حتى كتابة هذه السطور لم يصلني أي شيء منهما!
هذه هي قصتي مع مدرسة الأقباط بحارة السقائين، أردت ذكرها بصورة تفصيلية ليشعر القارئ بقيمة وأهمية التاريخ الذي يضيع بين أيدينا، وليشعر أيضا مدى المعاناة التي يتكبدها الباحث وراء المعلومة. فكنت أتمنى أن أجد كل شيء عن هذه المدرسة، حتى تكون خلفية لدور تادرس وهبي، والذي عمل أستاذا وناظرا لها منذ مائة وعشرين سنة، ذلك الدور الكبير، الذي سنحاول التعرف عليه من خلال مؤلفاته.
مؤلفاته
أجمعت بعض المراجع التي كتبت عن تادرس وهبي - بصورة مقتضبة جدا - أن مؤلفاته تتمثل في الكتب الآتية: «الأثر الجليل في رثاء إسماعيل»، «الأثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس»، «بهجة النفوس في سيرة أرتيينيئوس»، «تاريخ مصر مع فلسفة التاريخ»، «التحفة الوهبية في اللغة الفرنسية»، «الخلاصة الذهبية في اللغة العربية»، «الدر الثمين في تاريخ المرشال طورين»، «الدروس الابتدائية في اللغة القبطية»، «ديوان شعره وخطبه»، «رسالة الاختراعات الحديثة»، رواية «تليماك»، «العقد الأنفس في ملخص التاريخ المقدس»، «عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق»، «كتاب في فنون الأدب»، «مرآة الظرف في فن الصرف».
Bilinmeyen sayfa
1
وعلى الرغم من كثرة هذه المؤلفات، إلا أن هناك مؤلفات أخرى لم تذكرها هذه المراجع، مثل كتاب: «ترجمة الأمير الجليل المرحوم عريان بيك أفندي». ومهما يكن من الأمر، فأغلب هذه المؤلفات مفقود، ولا وجود له على الإطلاق! فقد أصبحت معظم هذه المؤلفات مجرد أسماء محفوظة في بعض المراجع! ولا نعلم فحواها ولا تفاصيل صفحاتها العتيقة! والبقية الباقية من أسماء هذه المؤلفات، والتي ما زالت محفوظة بفهارس بدار الكتب المصرية، ما هي إلا مجرد بطاقات تحمل أسماء هذه الكتب، وغير مسموح بتصويرها، رغم وجودها الفعلي، بسبب قدمها وتآكلها، وعدم صلاحيتها للتصوير!
وأمام هذا الأمر، بذلت جهدا كبيرا بمساعدة الدكتور سامح مهران رئيس المركز، والأستاذ رضا فريد يعقوب مدير إدارة التراث بالمركز، ومساعدته الأستاذة رانيا عبد الرحمن، للحصول على إذن كتابي بتصوير بعض مؤلفات تادرس وهبي، بكاميرا خاصة، بعد مكاتبات ومراسلات رسمية كثيرة! وبسبب هذا العناء، ولثقتي الكبيرة في استحالة تكرار هذه المحاولة من قبل الباحثين في المستقبل، سأصف هذه المؤلفات مرتبة حسب تاريخ نشرها. مع ذكر أغلب مقدماتها ومدائحها وتقاريظها الواردة فيها، ما عدا وصف مسرحية «يوسف الصديق»، الذي سيحتل الصفحات الأخيرة من هذه الدراسة. (1) كتاب في النحو
ألف تادرس أفندي وهبي، عندما كان مدرسا للغتين العربية والفرنسية بمدرسة حارة السقائين، كتابا مدرسيا، أطلق عليه اسم «الخلاصة الذهبية في اللغة العربية»، ونشره في يونيو عام 1875، ولعله أول كتاب يؤلفه. وقد كتب إبراهيم عبد الغفار تصديرا لهذا الكتاب، قال فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الواهب العطية، والصلاة والسلام على خير البرية. أما بعد ... فالإنصاف نصف الدين، والتعسف من شأن المتعنتين، وأداء الشهادة أمر واجب ولو مع اختلاف الدين . فمنح الشهادة الخالصة لكل ذي فضيلة علمية أو أدبية من شيم أرباب الأخلاق المرضية. ولذا سوغ لي الميل إلى الرجوع إلى الحق في الجملة - بقطع النظر عن الاختلاف في الجنس والملة - أن أهنئ الشاب النجيب البارع الأديب، الآخذ من الاجتهاد العلمي بنصيب، حتى انتظم في سلك معلمي اللغة العربية، وصار ذا فكر مصيب وسير جميل عن مهارته ينبي، جناب تادرس أفندي وهبي معلم اللغتين الفرنساوية والعربية بإحدى مدارس الأقباط المصرية، بأنه قد أجاد في تأليف هذه الرسالة، بفكرته الذكية السيالة، حيث أبرز فيها كثيرا من قواعد النحو، على صورة السؤال والجواب، غير حائد عن طريق الصواب. فهي رسالة مختصرة مفيدة، ذات فوائد ابتدائية عديدة، نافعة لكل طالب، بغية لكل راغب، فناهيك به باذلا نفسه لنفع أبناء جنسه. وحيث إن هذه منفعة قدمها بيديه، فلا بأس بإدخال السرور عليه، فهو ممدوح على هذه الفعلة، ولا يذمه إلا ذو غفلة. والحمد لله في البدء والختام، والصلاة والسلام على أشرف الأنام، محمد وآله وصحبه الكرام، ما طلعت ذكاء، ودرجت الظباء. قاله بلسانه، وكتبه ببيانه، راجي غفر الأوزار، إبراهيم عبد الغفار.
ومما يلاحظ على هذا التصدير، شيوع السجع والصنعة اللفظية في أسلوب كتابته، وهو أسلوب شائع في كتابات القرن التاسع عشر. كما أن كاتبه من المسلمين، ولعله أحد المشاهير المغمورين. ومن المحتمل أنه كان مدرسا للعلوم العربية، بدليل كتابته لتصدير خاص بكتاب في علم النحو. ومن أهم ما جاء في هذا التصدير أسلوب التسامح الديني الذي أوضحه الكاتب؛ حيث أكد على أن شهادته بنبوغ ومهارة المؤلف شهادة حق وإنصاف رغم اختلاف الملة والدين.
أما تادرس وهبي، فقد كتب مقدمة لكتابه هذا، قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الفاعل المختار، الذي بيده الرفع والخفض، وهو العزيز القهار. أحمده حمدا يعرب عن صدق حب، سلم جمعه من التكسير، وأشكره شكرا تحرك عوامله ما سكن في صميم الضمير. وأصلي وأسلم على خيار الأنبياء والمرسلين، الذين خفضوا جناهم لمن اتبعهم من المؤمنين. أما بعد، فإنه لشمول العدالة الخديوية كل حاضر وباد، وانتشار فضائلها على كافة العباد، وإشراق الديار المصرية بأنوار العلوم والمعارف، وتعزيزها بالمنافع واللطائف. ففضائلها ظاهرة لا تنكر، وفواضلها الزاهرة أجل من أن تذكر. ولكوني ممن غمرته هذه المراحم، وشملته تلك المكارم، أحببت أن أقدم خدمة لأبناء وطني المصريين، ولا سيما الأمة القبطية، الآخذة بالعناية الخديوية في أسباب التمدين. فوضعت هذه النبذة اللطيفة، والنخبة المختصرة المنيفة، وجعلتها عن طريق السؤال والجواب، لتسهيل تناولها على الطلاب، متجنبا فيها التقصير المخل، والتطويل الممل، مع فوائد جمة وزوائد مهمة، فجاءت بحمد الله في فن النحو واسطة عقده وخلاصة نقده، وسميتها الخلاصة الذهبية في اللغة العربية. وهذا أوان الشروع في المقصود، بعون الملك المعبود، فأقول وعلى الله القبول.
ومما يلاحظ على هذه المقدمة - بخلاف إشادة تادرس وهبي باهتمام الخديوي إسماعيل بالمدارس القبطية، وإنعامه عليها ورعايته لها في هذا الوقت - شيوع الأسلوب الإسلامي فيها! فكفى بتادرس وهبي أن بدأ خطبته بالبسملة، ثم استخدم أسماء الله الحسنى (العزيز القهار). كما أن قوله «وأصلي وأسلم على خيار الأنبياء المرسلين»، قول لا ينطبق إلا على محمد
صلى الله عليه وسلم ، على الرغم من عدم ذكر اسمه صراحة. هذا بالإضافة إلى استخدامه معاني بعض الآيات القرآنية، عندما قال: «الذي بيده الرفع والخفض»، وهذا القول مأخوذ من معاني آيات قرآنية كثيرة، منها على سبيل المثال:
Bilinmeyen sayfa
قوله تعالى في الآية رقم 32 من سورة «الزخرف»:
أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون . وكذلك الآية رقم 11 من سورة «المجادلة»:
يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير . وأخيرا الآية رقم 165 من سورة «الأنعام»:
وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم .
وبعد الانتهاء من المقدمة ، يجد القارئ فصول الكتاب وموضوعاته النحوية المختلفة، والتي عرضها المؤلف عن طريق السؤال والجواب. ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال؛ س: ما حد علم النحو؟ ج: حده أنه علم بأصول تعرف بها أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء. س: إلى كم قسم تنقسم الكلمة؟ ج: إلى ثلاثة أقسام؛ اسم، وفعل، وحرف. س: إلى كم قسم ينقسم المبني؟ ج: إلى أربعة أقسام؛ مبني على الكسر، ومبني على الفتح، ومبني على الضم، ومبني على السكون ... وهكذا حتى ينتهي الكتاب. وهذا الأسلوب يعتبر أسلوبا جديدا في الكتابات النحوية الحديثة، ويعتبر تادرس وهبي ثالث من شرحوا النحو لطلاب المدارس بأسلوب السؤال والجواب في العصر الحديث.
2 (2) ترجمة عريان بك
في منتصف عام 1888 نشر تادرس وهبي - عندما كان ناظرا لمدرسة حارة السقائين القبطية - كتيبا صغيرا من اثنتي عشرة صفحة من القطع الكبيرة، بعنوان «ترجمة الأمير الجليل المرحوم عريان بك أفندي»، وذلك في المطبعة الكبرى العامرة ببولاق مصر القاهرة، كما جاء في نهاية الكتيب! وهذا العمل عبارة عن ترجمة عريان بك، والحديث عن وفاته وجنازته وتأبينه. وكأن الكتيب عبارة عن رثاء لهذا الفقيد، الذي توفي في فبراير من العام نفسه. ونعلم من الترجمة أن عريان بك هو ابن تادرس عريان باش محاسبجي المالية المصرية، ابن المعلم عريان إسحاق الوزان بدار الضرب العامرة بمصر، ابن المعلم إسحاق إبراهيم الخناني كاتب يد علي بك الذي كان والي مصر قبل دخول الفرنسيس. وعريان بك صاحب الترجمة ولد بالقاهرة سنة 1832، وقد التحق بالخدمة الأميرية كرئيس قلم في الحكمدارية السودانية في عهد عباس باشا حلمي الأول، ثم باشكاتب ضبطية الإسكندرية، ثم رئيس قلم بمحافظة مصر، ثم التحق بنظارة المالية. وفي سنة 1872 عمل باشكاتب مديرية الغربية، وفي 1878 عمل باشكاتب نظارة المالية، ثم استقال سنة 1884، وقبل وفاته انتخبته حكومة نوبار باشا للنظر في حسابات عموم الأوقاف، ولكنه أصيب بداء النقطة المخية في أواخر يناير 1888، ومات في أول فبراير 1888، وكانت جنازته يوم 10 / 2 / 1888، ورثاه تادرس وهبي بك بقصيدة قال فيها:
3
غلاف كتاب ترجمة عريان بك.
ما بال سوق النوى قامت على قدم
Bilinmeyen sayfa
ولج حادي الجوى في موقف السدم
وأصبحت مقل الآمال سائلة
تذري عقيق المآقي من وريد دم
وعيل صبر المعالي في الوجود على
ذبول روض الحجى والجود والحكم
وكيف لا ورحى الأقدار دائرة
على مدار أولي الأقدار والهمم
يا طالعا في سماء المجد قد أفلت
أنواره فدجا ليل من الظلم
وخاتلته الليالي بعدما جدحت
Bilinmeyen sayfa
يد الصروف له كأسا من السقم
لقد أتاك الردى يسعى على عجل
كما سعى قبل في عاد وفي إرم
فكنت أكرم من لبى وفاز بما
يروم في العالم الباقي من النعم
ما حيلة العبد والآجال ظامئة
إلى ورود حياض الموت والهرم
ما حيلة العبد والآمال ما برحت
تهدي إليه نقيع السم في الدسم
فاربأ بنفسك يا ابن الأكرمين فما
Bilinmeyen sayfa
هذي الحياة سوى طيف من الحلم
وكن على حذر مما يسوء وإن
أحسنت ظنك بالأيام فاتهم
واستور زند الجوى في كل جارحة
واصدع بما جاء في الشكوى من الكلم
واشرح حديث رثائي في أخي ثقة
جد الرحيل به في مهيع العدم
لا أوحش الله من إيناسه وطنا
لم يأل فيه عن المأثور من خدم
ولا نبا سيف جد كان يرهفه
Bilinmeyen sayfa
لكي يذود به عن حوزة الذمم
ولا تداعى فناء الفضل منه ولا
شن الفناء عليه غارة الألم
ولا ألم به الداء العياء إلى (أن اشتكت قدماه الضر من ورم)
وفارق الآل والأصحاب مرتقيا
إلى جوار الإله البارئ النسم
فأي قلب عليه غير منصدع
وأي دمع عليه غير منسجم
يا سائلا عن علاه وهو نادرة
لله درك قد أنصفت فاحتكم
Bilinmeyen sayfa
لا تطلبن له ندا يساجله
ولا تطف لسواه اليوم في حرم
عزم وحزم وآثار وفيض ندى
وعزة صدرت عن مورد الشمم
وا ضيعتاه وقد سارت جنازته
في مشهد يدهش الألباب مزدحم
وشقت الأرض يوم الأربعاء له
وكل صدر بسهم النائبات رمي
فيا فؤاد علاه ذب عليه أسى
وكن كما أنت في بؤس وفي ندم
Bilinmeyen sayfa
ويا شقيق حلاه لا ترم شططا
فهذه عادة الأيام من قدم
والصبر في كل رزء عز موقعه
يحلو وإن مر عند الحازم الفهم
وأنت خير امرئ ترضى حكومته
ولست فيما قضى الرحمن بالحكم
واذكر - فديتك - إن أوتيت مقدرة
ما قاله فيك رب السيف والقلم
عزيز مصر أبو العباس من بسقت
فروع أفضاله من دوحة الشيم
Bilinmeyen sayfa
وافخر بها منة كبرى وكن رجلا
وبالولاء له يا سيدي اعتصم
واصبر على مضض البلوى وإن فتكت
بمن فقدت المنايا فتك مجترم
لا زال يروي ثراه غيث مكرمة
ينهل صيبه من عارض الديم
ما قال شادي معاليه يؤرخه
عريان مات حليف العز والكرم [عريان = 331، مات = 441، حليف = 128، العز = 108، والكرم = 297]
1305 هجرية
ومن الملاحظ أن تادرس وهبي أرخ لهذه القصيدة بعام وفاة عريان بك عن طريق حساب الجمل، كما هو واضح من الأرقام والتاريخ أسفل الشطرة الأخيرة، علما بأن سنة 1305 هجرية توافق سنة 1888 ميلادية. كما يلاحظ أيضا استخدامه معاني الآيات القرآنية في قوله:
Bilinmeyen sayfa