بعد مرور أيام قلائل طلب فريد إحالته من وظيفته إلى وظيفة أسمى فقال له المدير: أصبت يا عزيزي فقد حق لك أن ترتقي في مهنتك بعد أن خدمت في جونية خدمة نشكرك عليها ويشكرك جميع رؤسائك؛ فاكتب طلبك لأصدق عليه وأساعدك بكل ما يتسع لي.
كان فريد شديد الاضطراب فرغب أن يهجر جونية قبل أن يأذن وقت خطبة لبيبة؛ وعندما أطلع السيدة فارس على عزمه النهائي وأخبرها أنه ضمن مستقبله، عاد إلى حزنه واستسلم للآلام الشديدة! إلا أنه شعر بعد ذلك بحاجته إلى المؤاساة فاتجه ذات مساء من أيام الخريف إلى قبر فارس ليبحث عن عزاء هناك.
كانت المقبرة الصغيرة قائمة في وسط حقل قريب من القرية وقد تخللتها الصلبان السوداء وحفت به الأعشاب المزهرة وساد عليها سكون مهيب!
سجد فريد أمام الضريح حيث حفرت هذه الكلمات:
هنا يرقد فارس الذي مات موت البواسل.
لقد نسي نفسه لينقذ الغير، فالله لن ينساه؛ فليرقد بسلام!
وبعد أن صلى فترة قصيرة تنهد وقال:
أيها المستريح في كنف السلام هبني قوة أنتصر بها على ضعفي.
أيها الرجل الفدائي، يا من نسيت نفسك لتنقذ الغير امنحني أن أنسى نفسي وآلامي وغرور الحياة! ولا تضن علي بتلك الصلابة التي تمكنني من القيام بواجبي حتى النهاية.
إيه صديقي فارس، إن مستقبلي يتراءى لي فارغا وحياتي لا عذوبة فيها!
Bilinmeyen sayfa