43

Kumdet Kari

عمدة القاري شرح صحيح البخاري

Yayıncı

شركة من العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية

عَن ذَلِك قبل أَن يحوجه إِلَى السُّؤَال فَافْهَم الثَّانِي مَا قيل لم قَالَ فِي الأول وعيت مَا قَالَ بِلَفْظ الْمَاضِي وَفِي الثَّانِي فأعي مَا يَقُول بِلَفْظ الْمُضَارع وَأجِيب بِأَن الوعي فِي الأول حصل قبل الفصم وَلَا يتَصَوَّر بعده وَفِي الثَّانِي الوعي حَال المكالمة وَلَا يتَصَوَّر قبلهَا أَو لِأَنَّهُ كَانَ الوعي فِي الأول عِنْد غَلَبَة التَّلَبُّس بِالصِّفَاتِ الملكية فَإِذا عَاد إِلَى حَالَته الجبلية كَانَ حَافِظًا فَأخْبر عَن الْمَاضِي بِخِلَاف الثَّانِي فَإِنَّهُ على حَالَته الْمَعْهُودَة أَو يُقَال لَفْظَة قد تقرب الْمَاضِي إِلَى الْحَال وأعي فعل مضارع للْحَال فَهَذَا لما كَانَ صَرِيحًا يحفظه فِي الْحَال وَذَلِكَ. يقرب من أَن يحفظه إِذْ يحْتَاج فِيهِ إِلَى استثبات الثَّالِث مَا قيل أَن أَبَا دَاوُد قد روى من حَدِيث عمر ﵁ كُنَّا نسْمع عِنْده مثل دوِي النَّحْل وَهَهُنَا يَقُول مثل صلصلة الجرس وَبَينهمَا تفَاوت وَأجِيب بِأَن ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّحَابَة وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِي ﵊. الرَّابِع مَا قيل كَيفَ مثل بصلصلة الجرس وَقد كره صحبته فِي السّفر لِأَنَّهُ مزمار الشَّيْطَان كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَصَححهُ ابْن حبَان وَقيل كرهه لِأَنَّهُ يدل على أَصْحَابه بِصَوْتِهِ وَكَانَ يحب أَن لَا يعلم الْعَدو بِهِ حَتَّى يَأْتِيهم فَجْأَة حَكَاهُ ابْن الْأَثِير قلت يحْتَمل أَن تكون الْكَرَاهَة بعد إخْبَاره عَن كَيْفيَّة الْوَحْي. الْخَامِس مَا قيل ذكر فِي هَذَا الحَدِيث حالتين من أَحْوَال الْوَحْي وهما مثل صلصلة الجرس وتمثل الْملك رجلا وَلم يذكر الرُّؤْيَا فِي النّوم مَعَ إِعْلَامه لنا أَن رُؤْيَاهُ حق. أُجِيب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الرُّؤْيَا الصَّالِحَة قد يشركهُ فِيهَا غَيره بِخِلَاف الْأَوَّلين وَالْآخر لَعَلَّه علم أَن قصد السَّائِل بسؤاله مَا خص بِهِ وَلَا يعرف إِلَّا من جِهَته وَقَالَ بَعضهم كَانَ عِنْد السُّؤَال نزُول الْوَحْي على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ إِذْ الْوَحْي على سَبِيل الرُّؤْيَا إِنَّمَا كَانَ فِي أول الْبعْثَة لِأَن أول مَا بدىء رَسُول الله ﷺ من الْوَحْي الرُّؤْيَا ثمَّ حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث وَقيل ذَلِك فِي سِتَّة أشهر فَقَط وَقَالَ آخَرُونَ كَانَت الْمَوْجُودَة من الرُّؤْيَا بعد إرْسَال الْملك منغمرة فِي الْوَحْي فَلم تحسب وَيُقَال كَانَ السُّؤَال عَن كَيْفيَّة الْوَحْي فِي حَال الْيَقَظَة السَّادِس مَا قيل مَا وَجه الْحصْر فِي الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين أُجِيب بِأَن سنة الله لما جرت من أَنه لَا بُد من مُنَاسبَة بَين الْقَائِل وَالسَّامِع حَتَّى يَصح بَينهمَا التحاور والتعليم والتعلم فَتلك الْمُنَاسبَة إِمَّا باتصاف السَّامع بِوَصْف الْقَائِل بِغَلَبَة الروحانية عَلَيْهِ وَهُوَ النَّوْع الأول أَو باتصاف الْقَائِل بِوَصْف السَّامع وَهُوَ النَّوْع الثَّانِي. السَّابِع مَا قيل مَا الْحِكْمَة فِي ضربه ﷺ فِي الْجَواب بِالْمثلِ الْمَذْكُور أُجِيب بِأَنَّهُ ﷺ كَانَ معتنيا بالبلاغة مكاشفا بالعلوم الغيبية وَكَانَ يوفر على الْأمة حصتهم بِقدر الاستعداد فَإِذا أُرِيد أَن ينبئهم بِمَا لَا عهد لَهُم بِهِ من تِلْكَ الْعُلُوم صاغ لَهَا أَمْثِلَة من عَالم الشَّهَادَة ليعرفوا بِمَا شاهدوه مَا لم يشاهدوه فَلَمَّا سَأَلَهُ الصَّحَابِيّ عَن كَيْفيَّة الْوَحْي وَكَانَ ذَلِك من الْمسَائِل الغويصة ضرب لَهَا فِي الشَّاهِد مثلا بالصوت المتدارك الَّذِي يسمع وَلَا يفهم مِنْهُ شَيْء تَنْبِيها على أَن إتيانها يرد على الْقلب فِي لبسة الْجلَال فَيَأْخُذ هَيْبَة الْخطاب حِين وُرُودهَا بِمَجَامِع الْقُلُوب ويلاقي من ثقل القَوْل مَا لَا علم لَهُ بالْقَوْل مَعَ وجود ذَلِك فَإِذا كشف عَنهُ وجد القَوْل الْمنزل بَينا فَيلقى فِي الروع وَاقعا موقع المسموع وَهَذَا معنى قَوْله فَيفْصم عني وَهَذَا الضَّرْب من الْوَحْي شَبيه بِمَا يُوحى إِلَى الْمَلَائِكَة على مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي ﷺ قَالَ إِذا قضى الله فِي السَّمَاء أمرا ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها خضعانا لقَوْله كَأَنَّهَا سلسلة على الْحجر) فَإِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير) . هَذَا. وَقد تبين لنا من هَذَا الحَدِيث أَن الْوَحْي كَانَ يَأْتِيهِ على صفتين أولاهما أَشد من الْأُخْرَى وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يرد فيهمَا من الطباع البشرية إِلَى الأوضاع الملكية فيوحى إِلَيْهِ كَمَا يُوحى إِلَى الْمَلَائِكَة وَالْأُخْرَى يرد فِيهَا الْملك إِلَى شكل الْبشر وشاكلته وَكَانَت هَذِه أيسر الثَّامِن مَا قيل من المُرَاد من الْملك فِي قَوْله يتَمَثَّل لي الْملك رجلا أُجِيب بِأَنَّهُ جِبْرِيل ﵇ لِأَن اللَّام فِيهِ للْعهد وَلقَائِل أَن يَقُول لم لَا يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ إسْرَافيل ﵇ لِأَنَّهُ قرن بنبوته ثَلَاث سِنِين كَمَا ذكرنَا فَإِن عورض بِأَن إسْرَافيل لم ينزل الْقُرْآن قطّ وَإِنَّمَا كَانَ ينزل بِالْكَلِمَةِ من الْوَحْي أُجِيب بِأَنَّهُ لم يذكر هَهُنَا شَيْء من نزُول الْقُرْآن وَإِنَّمَا الْملك الَّذِي نزل بِالْقُرْآنِ هُوَ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الْآتِي حَيْثُ قَالَ فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ لَهُ اقْرَأ الحَدِيث وَلَقَد حضرت يَوْمًا مجْلِس حَدِيث بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ فِيهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء لَا سِيمَا من المنتسبين إِلَى معرفَة علم الحَدِيث فَقَرَأَ القارىء من أول البُخَارِيّ حَتَّى وصل إِلَى قَوْله فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ لَهُ اقْرَأ فسألتهم عَن الْملك من هُوَ فَقَالُوا جِبْرِيل ﵇ فَقلت مَا الدَّلِيل على ذَلِك من النَّقْل فتحيروا ثمَّ تصدى وَاحِد مِنْهُم فَقَالَ لَا نعلم ملكا نزل عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة

1 / 44