Kopernik Darwin Freud
كوبرنيكوس وداروين وفرويد: ثورات في تاريخ وفلسفة العلم
Türler
ما لا يمكن أن يستمد من الظواهر يسمى «فرضية»، وهذه لا تنتمي إلى الفلسفة التجريبية. (مقتبسة في دكسترهوز 1956، 537)
لم يكن نيوتن أول من شعر بالقلق حيال مصطلح «فرضية»، فقد تراسل كوبرنيكوس وريتيكوس حول فائدة الفرضيات في علم الفلك مع شخص سيصبح قريبا ذا أهمية أكبر في المناقشة: أندرياس أوزياندر. واعتبر كوبرنيكوس وتلميذه أن بعض الفرضيات الفلكية كانت أكثر احتمالا من غيرها. فتمتلك فرضية مركزية الشمس احتمالات أكثر من فرضية مركزية الأرض. ينبغي على الفرضيات المقبولة في علم الفلك أن تفسر كل الظواهر المرصودة، وعليها أن تفسر الظواهر على نحو متسق. يقول ريتيكوس إن فرضية بطليموس لا تكفي لإثبات تناغم الظواهر السماوية (ريتيكوس 1540، 132؛ انظر أيضا المراسلات التي أعيد طبعها في روزن 1959، 31-32؛ 1984، 125-126، 193-194، 198-205). وافق كبلر لاحقا على أن الفرضية الكوبرنيكية تتمتع باحتمالية أكبر من الفرضية البطلمية. كان لمفهوم الفرضية تداعيات كبيرة على مر المائة وأربعين سنة التالية، وقد شجع غموض هذا المصطلح - كما هو منعكس على وجهات نظر نيوتن حيال الفرضيات في العلم - ظهور تفسيرات معارضة للنموذج الكوبرنيكي. في كتابه «حوار حول النظامين الرئيسيين للكون» (1632)، يوجز جاليليو الحالة المتناقضة للفرضيات في القرنين السادس عشر والسابع عشر. تنص المقدمة على أن سالفياتي - المتحدث باسمه - سوف يدافع عن النظام الكوبرنيكي، ولكن فقط كفرضية رياضية بحتة، ولكن بينما يبدأ الحوار، يجر سالفياتي نحو حجج الاحتمالية. وفي نهاية المطاف يعتنق وجهة النظر الكوبرنيكية بأن قبول الحركة المزدوجة للأرض كافتراض فيزيائي يؤدي إلى تفسير أكثر اتساقا للظواهر. لاحظ أن حجج الاحتمالية تلك تستحضر إيمانا بالنموذج، لأن افتراضاته الفيزيائية أكثر احتمالا. يقول كبلر إنه من غير المعقول أن «النجوم الثابتة تتحرك بسرعة لا يمكن حسابها»
7 (كبلر 1618-1621، الجزء الثاني). الفرضيات الكوبرنيكية أشبه بتخمينات من كونها تخيلات مفيدة؛ فلديها ارتباط أوثق بالظواهر أكثر مما سيقبله نيوتن لاحقا. وكما يخبرنا ريتيكوس، فهي تشكل أساس الاستنتاج.
على النقيض من ذلك، وصف الفرضيات بأنها «تخيلات مفيدة» في علم الفلك طمأن خصوم كوبرنيكوس بأن نموذجه الشمسي المركز لم يجبرهم على التخلي عن معتقد مركزية الأرض العزيز. وذكر الكاردينال بيلارمين جاليليو أن كوبرنيكوس دائما ما تحدث من «الناحية النظرية»: من الممكن استخدام حركة الأرض كأداة رياضية لإضفاء سمة الاقتصادية على الحسابات، حيث توجد حاجة لتقليل أفلاك التدوير والدوائر اللامتراكزة، ومع ذلك، ظل التأكيد على مركزية الشمس كفرضية فيزيائية في صراع مع الكتاب المقدس.
8
من أجل تخفيف حدة الصدام بين الكنيسة ونظرية مركزية الشمس، أقحم أوزياندر مقدمته في محاولة لتقديم الفرضيات الكوبرنيكية كأدوات حسابية فحسب؛ فمن الممكن اعتبارها كاذبة أو قابلة للاستبدال ما دامت «تعيد إنتاج ظواهر الحركة بالضبط» (أوزياندر، رسالة إلى كوبرنيكوس، 20 أبريل 1541، مقتبسة في روزن 1984، 193-194). وبحلول الوقت الذي ظهر فيه نيوتن على الساحة، أصبحت الفرضيات أسلوبا لا يحظى بالاحترام. ومن خلال رفضها، يدعي نيوتن أنه استقرائي؛ فكما يشير، استنتجت قوانين الحركة من الظواهر، وجعلت عامة من خلال الاستقراء، وهذا هو أعلى دليل على أن النظرية يمكن أن تتضمن فلسفة (كواريه 1965، 36-37؛ دكسترهوز 1956، 544، 546-547). الظواهر عبارة عن مشاهدات رصدية أو تجريبية (موثوقة) تشتق منها القوانين أو البديهيات. ويرفض نيوتن أي تفسير للظواهر الطبيعية يبنى على فرضيات ميتافيزيقية لا يمكن إيجاد أي دليل لها.
لكن هذا لا يعني أن غير المرصود يجب أن يكون مشكوكا فيه تلقائيا؛ فعلى سبيل المثال، المناطق الداخلية من الشمس غير مرصودة، ومع ذلك يمكن تماما عمل استنتاجات محددة للغاية حول تركيبها الكيميائي عن طريق استخدام التحليل الطيفي. علينا أن نميز المرصود «مباشرة» من المرصود على نحو «غير مباشر». الظواهر المرصودة مباشرة يمكن الوصول إليها من خلال أبصارنا أو من خلال استخدام الأدوات. والمرصود مباشرة ليس بالضرورة أن يكون الأكثر موثوقية؛ فكما يذكرنا كوبرنيكوس، حركة الدوران القهقري ما هي إلا خداع بصري. والظواهر المرصودة على نحو غير مباشر هي استنتاجات من مشاهدات، واستخدام لتقنيات موثوق بها، من أجل الوصول إلى الأجزاء غير المرصودة من الطبيعة. فلا يمكننا أن نرصد مباشرة سبب دوران الكواكب، ولكن يمكننا أن نستنتجه من مشاهداتنا وفرضية مركزية الشمس. لقد بدأنا ندرك أن قصة مركزية الشمس مشوبة بالدروس الفلسفية. (6) بعض الدروس الفلسفية
يعكس كوبرنيكوس التمييز الكوني بين وجهة النظر الضيقة من «ركنه» الأرضي ونقطة البناء المركزية التي لا يمكن في الواقع النظر إلى الكون منها ولكن يمكن التفكير فيه منها. (بلومنبرج، «نشأة العالم الكوبرنيكي» (1987)، 38)
تخلق الكوبرنيكية موقفا إشكاليا ينبع منه عدد من التبعات الفلسفية. وكما سنرى في الفصلين اللاحقين، تنبع تبعات فلسفية أيضا من الداروينية والفرويدية. وينشأ «الموقف الإشكالي» في العلم عندما يقدم عدد من التفسيرات المتنافسة حلولا لمشكلة علمية مدركة. تقدم الحلول على خلفية عدد من الفرضيات والتقنيات والنماذج المقبولة. وهذه الفرضيات والتقنيات تحدد مشكلات مقبولة ومجموعة من الحلول الممكنة لكل مشكلة. تأمل مشكلتين شهيرتين في تاريخ العلم: حركة الكواكب ووجود أنواع حية مختلفة. قدم كوبرنيكوس في عام 1543 حلا للمشكلة الأولى، وفي عام 1859 عرض داروين حلا للمشكلة الثانية. وطأ كلا الحلين فضاء مفاهيميا ترسخت فيه بعض الفرضيات والتقنيات والنماذج بالفعل. قدم كوبرنيكوس وداروين نماذج منافسة كانت تنطوي على مجموعة من الحلول التي تختلف عن الحلول السابقة، كما أوجدا مجموعة من الفرضيات والتقنيات التي تباينت عن الفرضيات المقبولة سابقا. كان الاختلاف بارزا في حالة داروين، ولكنه كان جزئيا وحسب في حالة كوبرنيكوس. على الأقل عمل كوبرنيكوس مع نظرية حركة مختلفة عن نظرية الحركة الأرسطية. قدمت مجموعة الفرضيات والتقنيات والنماذج حلولا معينة مقبولة وحلولا أخرى غير مقبولة. بعض الحلول تكون ممكنة لأنها متوافقة مع مجموعة الفرضيات والتقنيات المقبولة. وتقدم المجموعة أيضا حلولا أخرى غير ممكنة. على سبيل المثال، ثمة صورة ناضجة من الكوبرنيكية ترى أن كل الفرضيات والتقنيات الإغريقية - الدائرة والكون ذا الفلكين، والدوائر اللامتراكزة وأفلاك التدوير - باطلة؛ ومن ثم لم يعد من الممكن اعتبار مركزية الأرض حلا مقبولا. من المهم أن نميز بين الحل «الممكن» والحل «الحقيقي». فحل معين «س» قد يكون ممكنا فيما يتعلق بمجموعة من الفرضيات. ولا يمكننا أن نقبله على أنه الحل الحقيقي؛ لأن من الممكن وجود حلول أخرى فيما يتعلق بهذه المجموعة. ولكي يحول الحل الممكن نفسه إلى حل حقيقي، فإنه يحتاج إلى إثبات قدرته على التحمل. فيجب على الحل الحقيقي أن يحل بعض المشكلات القديمة وبعض المشكلات الجديدة.
المواقف الإشكالية العلمية لها تأثير على القضايا الفلسفية، وهذا ما سنتحول إليه الآن. لاحظ أن هناك فرقا بين النتائج «الاستنباطية» و«الاستقرائية» و«الفلسفية» للنظرية. تنبع النتائج الاستنباطية رياضيا أو منطقيا من مبادئ النظرية. ويمكن أن تحدث النتائج الاستنباطية في شكل تنبؤات جديدة أو توفيق للحقائق المعروفة بالفعل. وفي كلتا الحالتين فإنها غالبا ما تكون متوافقة مع نظرية واحدة فحسب ومتعارضة - على نحو مثالي - مع منافساتها. سوف نتحدث لاحقا عن الأدلة «الداعمة» إذا كان الموقف متضمنا لها. تنبع النتائج الاستقرائية من النظرية التي تتضمن احتمالات. على سبيل المثال، إذا كانت النظرية إحصائية بطبيعتها، فإن نتائجها تتسم بدرجة احتمال أعلى أو أقل. تأمل الفارق بين عبارة «كل الغربان سوداء»، و«معظم الغربان سوداء»، فإذا كان «كل الغربان سوداء»، وعملية الرصد تقول إن «هذا الكائن غراب»، فإنه يتبع ذلك استنباطيا أن «هذا الغراب أسود»، ولكن إذا كانت العبارة هي «معظم الغربان سوداء»، فإنه يتبع ذلك استقرائيا فحسب أن «هذا الغراب أسود»، أما النتائج الفلسفية فهي مسائل مفاهيمية، يفضلها الفلاسفة. وعلى الرغم من أنها غالبا ما تنبع من النظريات العلمية، فإنها نادرا ما تخضع للاختبارات التجريبية المباشرة؛ ومن ثم فإنها لا تحظى بإجماع الخبراء الذي تحفزه عادة النتائج الاستنباطية. بافتراض وجود نظرية «س»، فإنه غالبا ما تستقى منها نتائج فلسفية متعارضة. على سبيل المثال، تثير الكوبرنيكية والداروينية والفرويدية تساؤلات بشأن التفسيرات الذرائعية أو الواقعية لبعض افتراضاتها الأساسية. وحقيقة أن وجهتي نظر فلسفيتين غير متوافقتين (ذرائعية أو واقعية) تكونان متوافقتين مع نظرية واحدة لا تستبعد إمكانية أن تكون إحدى وجهتي النظر أكثر توافقا مع مبادئ النظرية من وجهة النظر الأخرى. فيما يتعلق بالكوبرنيكية، تناولنا أولا تأثيرها على الرؤية الكونية العامة. ثم تظهر دروس للتوجهات الذهنية المعرفية: الواقعية والذرائعية ومسألة نقص الإثباتات. كذلك تثير الكوبرنيكية مسائل فلسفية تتعلق بالنماذج والنظريات والقوانين. ويحث التحول الكوبرنيكي أيضا على تحليل معايير الثورات العلمية . وأخيرا نتناول «المبدأ البشري» ونتساءل هل كان يمثل نقيضا للتحول الكوبرنيكي. (6-1) فقدان المركزية
Bilinmeyen sayfa