فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (١)
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ (٢) كما لم يهتم أولئك بنصح نبيهم لهم وتحذيره إياهم من الوقوع في البدع التي تحيط الأعمال وتسبب لأصحابها الوبال في الدنيا والآخرة.
قال ﷺ: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» (٣) . وقال ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» (٤) . وهذا تحذير شديد وترهيب خطير، وأخطر منه أن ضرر صاحب البدعة قد لا يقتصر عليه وحده، فهو يضر نفسه ويضر غيره، ويتحمل إثم نفسه وإثم غيره ممن تسبب في إغاوئهم، وهو ما يفسره قوله ﷺ: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئًا» (٥) .
وأما عامل تقديس العقل وتقديمه على النقل فإنه سيأتي الكلام عنه إن شاء الله في آخر هذه الدراسة بمزيد من الإيضاح.
واعتبار هذا العامل من الأسباب المفرقة لصفوف المسلمين من الوضوح بمكان، فإن المعتزلة ومن تبعهم حينما قدسوا العقل وقدموه على النقل، واعتبروه المرجع الأول والأخير والحكم الفصل في كل قضايا الدين، فتحوا بهذا الموقف فتنة وتفريق بين المسلمين، لم يستطع أحد إغلاقه إلى يومنا الحاضر.