Connection of Completion for the Deaths of the Transmitters
صلة التكملة لوفيات النقلة
Araştırmacı
الدكتور بشار عواد معروف
Yayıncı
دار الغرب الإسلامي
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
Yayın Yeri
بيروت - لبنان
Türler
مقدّمة التحقيق
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها صمدا، وأشهد أنّ سيّدنا وسندنا وأسوتنا وقدوتنا وشفيعنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، بعثه الله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:
١٠٢].
﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيرًا وَنِساءً وَاِتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد،
فهذا كتاب «صلة التكملة لوفيات النقلة» للحافظ عزّ الدين أبي القاسم الحسينيّ أقدّمه لعشاق تراث أمتي الحريصين عليه، وقد حققته تحقيقا علميا حتى تجلّى بهذه الهيئة التي تسرّ كلّ طالب علم غيور على تراث الأمة، لم أبخل عليه بوقت ولا جهد مستطاع، وأنا الخبير به، وبما ذيّل عليه، إذ كنت نشرت «التكملة لوفيات النقلة» لشيخه الحافظ زكيّ الدّين المنذريّ قبل أربعين عاما، وكتبت دراسة موسعة عن «المنذري وكتابه التكملة» نشرتها في مجلد مستقلّ سنة ١٩٦٨ م.
ومنذ ذلك الحين وأنا أتطلّع إلى تحقيقه ونشره لتعمّ فوائده وترتجى
1 / 5
عوائده، ولكن شغلتني عنه صروف الزّمان، حتى شاء الله سبحانه أن يوفّقني في هذه الأيام إلى تحقيق ما كنت أصبو إليه، فالحمد له على ما أنعم وتفضّل.
وقد رأيت من المفيد أن أقدّم له مقدّمة وجيزة تناولت فيها المؤلّف والكتاب، ثم وصفا لنسخته الخطّية الفريدة بخطّ مؤلّفه وما عليها من سماعات. وتطرّقت إلى طبعة أصدرتها من قريب دار ابن حزم بعناية السيد أبي يحيى عبد الله الكندريّ، ثم أوضحت منهجي في تحقيق الكتاب، سائلا الله سبحانه توفيقي إلى قول سديد يصلح لي عملي ويغفر لي ذنبي، وما ذلك على الله بعزيز، وآخر دعواي أن الحمد لله ربّ العالمين.
المحقّق
1 / 6
مؤلّف الكتاب:
هو عزّ الدّين أبو القاسم أحمد (^١) بن أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم عبد الرّحمن بن أبي الحسن عليّ بن محمد بن محمد بن قاسم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عليّ بن عبيد الله بن عليّ بن عبيد الله بن الحسين بن عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب - هكذا ذكر نسبه بخطّه في ترجمة والده من «الصّلة» (^٢) - العلويّ الحسينيّ المصريّ، المعروف بابن الحلبيّ.
واتفقت المصادر على أنه ولد بالقاهرة سنة ٦٣٦ هـ - من عائلة علميّة شريفة أصلها من الكوفة وسكنت دمشق. ونشأ جدّه في حلب فعرف بالحلبي، وقد ترجمه المنذريّ في وفيات سنة ٥٨٢ هـ - من «التكملة» فقال: «وفي الثالث عشر من شوّال توفّي الشريف الأجلّ الفاضل أبو القاسم عبد الرّحمن ابن الشريف الأجلّ أبي الحسن عليّ بن محمد بن قاسم العلويّ الحسينيّ، بالقاهرة. ومولده بدمشق سنة عشرين وخمس مئة تقريبا، وكان منشؤه بحلب» (^٣). وأخذ الذهبيّ هذه الترجمة، فذكرها في «تاريخ الإسلام»، قال:
«عبد الرّحمن بن عليّ بن محمد بن قاسم، الشريف الأجلّ، أبو القاسم، العلويّ الحسيني. توفّي في شوال بالقاهرة. ولد بدمشق في حدود سنة عشرين
_________
(^١) ترجمه ابن الجزري في تاريخه، الورقة ٤٧ (نسخة باريس ٦٧٣٩ عربي)، والبرزالي في المقتفي ١ / الورقة ٢٣١ (أحمد الثالث ٢٩٥١)، والذهبي في تاريخ الإسلام ١٥/ ٨٠٦، والصفدي في الوافي ٨/ ٤٤، وأعيان العصر ١/ ٣٤٤، وابن شاكر في عيون التواريخ ٢٣/ ٢١٩، والمقريزي في السلوك ١/ ٨٣١، والمقفى / ٣٥٧، والعيني في عقد الجمان (وفيات ٦٩٥ ص ٣٣٧)، وابن تغري بردي في المنهل الصافي ٢/ ١١٩، والسيوطي في حسن المحاضرة ١/ ٣٥٧، وابن العماد في الشذرات ٥/ ٤٣٠.
(^٢) الترجمة ١٠٢٩.
(^٣) التكملة ١ / الترجمة ٥.
1 / 7
وخمس مئة. وهو جدّ الشريف عزّ الدين الحافظ» (^١).
ويلاحظ أنّ المنذريّ لم يذكر شيئا من سيرته العلميّة، فكأنّه لم يقف عليها، أو أنه ذكره لنسبه وشرفه ومنصبه. على أنّ حفيده عزّ الدين المؤلف ذكر أنه كان أحد الفضلاء المشهورين، وأنّ له تصانيف حسنة، وأنه أقرأ العربية والأصول وغيرهما (^٢). ويبدو لي أنه لم يعن بالرواية، ولذلك لم يذكر المنذريّ شيئا من سيرته في السّماع أو العطاء.
ويظهر أنّ أبا القاسم عبد الرّحمن هذا هو الذي قدم إلى القاهرة واتخذها موطنا، فقد ولد بدمشق، ونشأ بحلب كما مرّ في ترجمته، وولد له «محمد» والد المؤلّف بالقاهرة قبل وفاته بتسع سنوات تقريبا.
وقد ترجم عزّ الدّين لوالده في وفيات سنة ٦٦٦ هـ من كتابه، فقال:
«وفي ضحوة السادس من صفر توفّي سيّدي ووالدي الإمام العالم أبو عبد الله محمد. . . الكوفيّ الأصل المصريّ المولد والدار، المعروف والده بالحلبي، بالقاهرة، ودفن من يومه بسفح المقطّم. ومولده في عشيّة السادس والعشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة بالقاهرة. قرأ القرآن الكريم على أبي الحسن الإسكندرانيّ وغيره. واشتغل بالعربية والأصول، وبرع فيهما. وسمع من أبي الطاهر محمد بن محمد بن بنان الأنباري، والشريف أبي محمد عبد الله بن عبد الجبّار العثماني، وأبي الطاهر إسماعيل بن عبد الرّحمن الأنصاري، وأبي صابر حامد بن أبي القاسم بن روزبة، وأبي محمد عبد القويّ بن أبي الحسن القيسراني، والأمير أبي الفوارس مرهف بن أسامة بن منقذ، وآخرين غيرهم. وحدّث، وأقرأ العربية وغيرها مدة. وكان ذا فنون متعدّدة ومعارف جمّة، مع ما هو عليه من حسن الطريقة وكرم الأخلاق، وكان مؤثرا للانفراد والتخلي، محبّا في الانقطاع وعدم الاختلاط بالنّاس، ذا
_________
(^١) تاريخ الإسلام ١٢/ ٧٥١.
(^٢) صلة التكملة، الترجمة ١٠٢٩.
1 / 8
جدّ وعمل» (^١). ونقل قطب الدّين اليونينيّ هذه الترجمة بتمامها من وفيات الحسينيّ هذه وإن لم يشر إليه (^٢)، وترجمه الذهبيّ في «تاريخ الإسلام» نقلا من هذا الكتاب أيضا، لكنه أضاف إلى الترجمة أنه سمع من ابن بنان الأنباري «السيرة النبويّة»، وذكر ممّن روى عنه: الدمياطيّ، والشيخ شعبان، وعلم الدّين الدواداريّ والمصريين، وعليّ بن قريش، وعبد الله بن علي الصّنهاجيّ، وشمس الدّين محمد بن أحمد ابن القمّاح (^٣). ووصفه تلميذه قاضي القضاة بدر الدّين ابن جماعة الكنانيّ المتوفّى سنة ٧٣٣ هـ بأنه «شريف جليل فاضل خطير، من أمثل أسرته علما وأدبا ورياسة، موصوف بالعقل والجلالة، من سادات عترته وقارا ودينا، قطع زمانه بطاعة الله والصّيانة وما توجبه الدّيانة».
وأخرج له في «مشيخته» من روايته عن القاضي الأثير أبي الطاهر ابن بنان الأنباريّ أحاديث من «السّيرة» (^٤). أما الصفديّ فلخّص ترجمة الذهبيّ له، ولم يزد عليها (^٥) كما هي عادته. وأما المقريزيّ فالظاهر أنه نقل ترجمته من الوفيات مباشرة، وذكر أنه دفن بكهف الأشراف من القرافة (^٦). كما ترجمه الدّمياطيّ في «معجم شيوخه» (^٧).
وهكذا، يظهر أنّ والده كان من متعيّني عصره منزلة وشرفا وعلما، وهو، كما وصفه ابن جماعة، من أمثل أسرته.
_________
(^١) صلة التكملة، الترجمة ١٠٢٩.
(^٢) ذيل مرآة الزمان ٢/ ٤٠٣.
(^٣) تاريخ الإسلام ١٥/ ١٣٧.
(^٤) مشيخة ابن جماعة ٢/ ٤٩٦ - ٥٠٢.
(^٥) الوافي بالوفيات ٣/ ٢٣٥.
(^٦) المقفى ٦/ ٢٢ (ط. الثانية).
(^٧) ١ / الورقة ٣٤ (وفي مختصر فايدا رقم ١١١).
1 / 9
نشأته وشيوخه:
في هذا البيت الشريف نشأ عزّ الدين أبو القاسم، فكان من الطبيعيّ أن يحذو حذو والده في طلب العلم، فقرأ على علماء عصره ممن ذكرهم في هذا الكتاب، وهم كثرة، لكنه لازم حافظ الديار المصريّة يومئذ زكيّ الدّين المنذريّ (٥٨١ - ٦٥٦ هـ) وتخرّج به (^١)، وتأثيره ظاهر في شخصيته وأسلوبه في صياغة الترجمة. كما تأثر بشيخه الرّشيد العطّار المتوفّى سنة ٦٦٢ هـ، حيث قال: «سمعت منه وصحبته مدة» (^٢).
وأقدم شيوخه وفاة هو القاضي أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز التميميّ السّعديّ الأغلبيّ، المعروف بابن الجبّاب، المتوفّى سنة ٦٤٨ هـ، قال في ترجمته: «سمعت منه، وكان أحد المشايخ والأعيان ببلده، وبيته مشهور بالعلم والرواية والتقدّم» (^٣)، ومعنى ذلك أنه طلب العلم مبكّرا، إذ كانت وفاة ابن الجبّاب وعزّ الدّين في الثانية عشرة من عمره.
وكتب شيئا يسيرا عن والي القاهرة محمد ابن الأمير أبي سعيد خاصّ بك المتوفّى سنة ٦٥٣ هـ، وقد أجاز له (^٤).
وسمع شيئا يسيرا من الشيخ أبي الحسن عليّ بن عبد الوهّاب بن عتيق القرشيّ العامريّ المتوفّى سنة ٦٥٦ هـ (^٥).
كما سمع من الشيخ عبد المحسن بن مرتفع الخثعميّ المصريّ السّراج، المتوفّى سنة ٦٥٦ هـ أيضا، وكان آخر من حدّث عن أبي القاسم عبد الرّحمن
_________
(^١) تنظر الترجمة ٦٩٨ من هذا الكتاب، ويراجع كتابي: المنذري وكتابه التكملة، النجف ١٩٦٨ م.
(^٢) الترجمة ٩٢١.
(^٣) الترجمة ٣٥٩.
(^٤) الترجمة ٦٥٣.
(^٥) الترجمة ٧٠٧.
1 / 10
ابن محمد السّبيي سماعا (^١).
وسمع من الشيخ شرف الدّين أبي الغيث منهال بن محمد العسقلانيّ الأصل المصريّ المولد والدار، المتوفّى سنة ٦٥٧ هـ، وكانت له معرفة حسنة بالوراقة والشّروط (^٢).
وسمع من الشيخ أبي الكرم لا حق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاريّ الأرتاحيّ الأصل المصريّ الحريريّ اللبّان المتوفّى سنة ٦٥٨ هـ، قال:
«سمعت منه، وقد سمع منه شيخانا الحافظان أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذريّ وأبو الحسن يحيى بن عليّ القرشيّ، وجماعة جمّة من مشايخنا ورفقائنا وغيرهم. وكان شيخا عفيفا صابرا على الرواية والتحديث» (^٣).
وقال في ترجمة الشيخ جمال الدّين أبي عمرو عثمان بن مكيّ السّعديّ الشارعيّ المتوفّى سنة ٦٥٩ هـ: «وحدّث بالكثير مدة، سمعت منه. وكان شيخا فاضلا مشهورا بالدّين والصّلاح» (^٤).
وسمع من الشيخ أبي العبّاس أحمد بن حامد بن أحمد الأرتاحيّ الأصل المصريّ المقرئ الحنبليّ المتوفّى سنة ٦٥٩ هـ، وكان ممن تصدّر بالجامع العتيق بمصر وبغيره (^٥).
كما سمع من الشيخ أبي المكارم محمد بن عبد الدائم القضاعيّ المصريّ المعروف بابن حمدان المتوفّى سنة ٦٥٩ هـ أيضا (^٦)، والشيخ أبي
_________
(^١) الترجمة ٦٥٦.
(^٢) الترجمة ٧٥٤.
(^٣) الترجمة ٧٩٢.
(^٤) الترجمة ٨٢١.
(^٥) الترجمة ٨٢٥.
(^٦) الترجمة ٨٣١.
1 / 11
حامد محمد ابن قاضي القضاة صدر الدّين أبي القاسم عبد الملك المارانيّ الشافعيّ المتوفّى في السنة نفسها (^١).
وسمع من الشيخ نجم الدّين أبي بكر بن عليّ بن مكارم بن فتيان الأنصاريّ الدمشقيّ الأصل المصريّ المولد والدار (^٢)، ومن الشيخ أبي محمد النّصير بن نبا بن سليمان المصريّ الزّفتاوي الدّفوفي (^٣)، وأبي العبّاس أحمد بن الحسين الداريّ الخليلي (^٤)، وأبي الحسن عبد الوهاب بن الحسن الدمشقيّ المعروف بابن عساكر شيخ دار الحديث النّورية (^٥)، والشيخ كمال الدّين أبي القاسم عمر بن أحمد المعروف بابن العديم صاحب تاريخ حلب (^٦)، والشيخ ضياء الدّين عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبيّ القرافيّ الشافعيّ (^٧)، المتوفّين جميعا في سنة ٦٦٠ هـ.
ومن شيوخه بالسّماع الذين وافتهم المنيّة سنة ٦٦١ هـ: أبو الضياء بدر ابن عبد الله الحبشيّ الشّهابيّ (^٨)، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحاج (^٩)، وأبو يحيى زكريا بن عبد السيّد بن ناهض الأنصاريّ المصريّ النّويريّ المالكي (^١٠)، وأبو محمد قاسم بن بركات بن أبي القاسم
_________
(^١) الترجمة ٨٣٢.
(^٢) الترجمة ٨٤٠.
(^٣) الترجمة ٨٤٥.
(^٤) الترجمة ٨٤٦.
(^٥) الترجمة ٨٤٨.
(^٦) الترجمة ٨٥٠.
(^٧) الترجمة ٨٦٣.
(^٨) الترجمة ٨٧٧.
(^٩) الترجمة ٨٨١.
(^١٠) الترجمة ٨٨٢.
1 / 12
المصريّ (^١)، والشيخ المسند عبد الغنيّ بن سليمان بن بنين المصريّ الشافعيّ القبّاني (^٢)، وأبو محمد عبد المنعم بن عبد الوهاب القضاعيّ الخولانيّ المعروف بابن سمعون (^٣)، وأبو عليّ حسن بن عليّ بن المنتصر الفاسيّ الأصل الإسكندرانيّ الكتبيّ (^٤)، والشيخ صلاح بن جعفر العجلانيّ المطيريّ الفيّوميّ المؤدّب (^٥)، وأبو يوسف يعقوب بن عبد الله المقدسيّ الصّيّاد المعروف بتربية البدوي (^٦)، والشيخ تقيّ الدّين أبو القاسم عبد الرّحمن بن مرهف بن عبد الله المصريّ الناشري (^٧)، والشيخ المقرئ كمال الدّين أبو الحسن عليّ بن شجاع العبّاسيّ الضّرير الذي انتهت إليه رياسة الإقراء بالديار المصرية (^٨)، والشيخ أبو محمد عبد الخالق بن جعفر الشافعي (^٩).
ولو تتبّعنا شيوخه لطال بنا المقال، وفيما ذكرناه غنية ودلالة أكيدة تظهر حرصه على الطلب وشغفه به. فضلا عن أنه حصل على مجموعة من الإجازات ممن لم يتفق له السماع منهم (^١٠). وكتب أقطاعا من شعر بعض الشّعراء (^١١).
وتولّى الشريف عزّ الدّين نقابة الأشراف بالدّيار المصريّة خلفا لأبيه،
_________
(^١) الترجمة ٨٨٣.
(^٢) الترجمة ٨٨٤.
(^٣) الترجمة ٨٨٥.
(^٤) الترجمة ٨٨٨.
(^٥) الترجمة ٨٩٠.
(^٦) الترجمة ٨٩٥.
(^٧) الترجمة ٨٩٩.
(^٨) الترجمة ٩٠٠.
(^٩) الترجمة ٩٠٢.
(^١٠) تنظر مثلا التراجم ٣٦٥ و٤١٦ و٤٧٩ و٥٣٩ و٧١٦ و٧٧٧ و٧٨٨ و٧٩٨ و٨٠١ و٨٢٧ و٨٤٢ و٩١٥. . . إلخ.
(^١١) تنظر الترجمة ٧٠١ و٧٣٧.
1 / 13
وهو منصب رفيع يدلّ على منزلة أسرته ومنزلته هو في الشرف والسيادة.
أما مؤلفاته فلا نعرف له سوى هذا الكتاب «صلة التكملة» إذا استثنينا بعض التخاريج التي خرّجها لبعض شيوخه ورفقائه مما ذكره هو في كتابه هذا.
تلامذته:
فأمّا تلاميذه فقد ذكر الذهبيّ أنّ سائر الطلبة قد سمعوا منه (^١)، وهو أمر يدلّ على كثرتهم، ولكننا لم نقف إلاّ على القليل منهم، ولعلّ ذلك يعود إلى وفاته في سنّ مبكّرة، وعدم حصول العلوّ في سماعاته ورواياته، مما حدا بهم إلى قلة الرواية عنه.
ومن بين تلامذته: السامعون لهذا الكتاب، وهم: وجيه الدّين أبو القاسم موسى ابن القاضي شرف الدّين أبي عبد الله محمد بن موسى الأنصاريّ الشافعيّ المصري، ترجمه الذهبيّ في وفيات سنة ٦٩٥ هـ من كتابه «تاريخ الإسلام» فقال: «أحد من عني بهذا الشأن وتجرّد له، وتعب في الطلب وسمع الكثير بمصر والشام، وكتب الكثير، وقرأ بنفسه (^٢)، وصار له نباهة ومعرفة متوسّطة، لكثرة ما سمع. وتوفّي في جمادى الآخرة بالقاهرة (^٣)، وكان قد صار من جملة الشهود. وسمع بعد السّتين وستّ مئة من الرشيد وطبقته، والنجيب، وابن عزّون، وابن علاّن، والشيخ، وخلق» (^٤).
ومنهم: القاضي العدل الرئيس شرف الدّين أبو عبد الله الحسين بن أبي المنصور بن أبي الفرج الشافعي (^٥).
_________
(^١) تاريخ الإسلام ١٥/ ٨٠٧.
(^٢) يلاحظ أنه هو الذي كان يقرأ الكتاب على المؤلف في جميع السماعات المثبتة على النسخة الخطية.
(^٣) أي بعد المؤلف بأربعة أشهر.
(^٤) تاريخ الإسلام ١٥/ ٨٢٨.
(^٥) لم أقف له على ترجمة، واسمه مدون في طبقات السماع.
1 / 14
وكاتب الطّباق أحمد بن عبد الرحيم بن أبي عبد الله الشافعيّ، ولعلّه هو الذي ذكره الذهبيّ في وفيات سنة ٦٩٥ هـ من «تاريخ الإسلام» فقال: «أحمد ابن عبد الرحيم بن أبي عبد الله، المحدّث شهاب الدّين ابن المقشراني. سمع الكثير بعد الثمانين (يعني وستّ مئة)، وحصّل وتعب. وخطّه رديء، وكان فيه تواضع وتودّد وإفادة. توفيّ في صفر، وله رحلة إلى دمشق» (^١).
وابنه القاضي السيّد شرف الدّين أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد الحسيني (^٢).
وسمع منه الشيخ أبو حفص عمر بن أيوب بن عمر التّركماني الدّمشقي المعروف بابن طغريل، وتوفّي قبله سنة ٦٧٠، وذكره المصنف في كتابه هذا فقال: «وخرّج معجما لشيوخه الذين سمع منهم ذكرني فيه» (^٣).
كما سمع منه الشيخ صائن الدّين أبو بكر أحمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبيّ، قال ابن قاضي شهبة: «سمع من الشريف عزّ الدين الحسيني، والشريف نور الدّين الزّينبي، ووزيرة، والحجّار، وزينب بنت شكر، وحسن الكرديّ في آخرين، قال الحافظ زين الدّين العراقيّ: كان من خيار الناس دينا وقناعة»، وذكر أنه توفّي سنة ٧٤٣ هـ (^٤).
وأخوه الشيخ الإمام الفقيه نبيه الدّين عليّ بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبيّ، المتوفّى سنة ٧٤٩ هـ، ذكره ابن قاضي شهبة في تاريخه فقال: «سمع من الشريف عزّ الدين الحسينيّ، والحجّار، وزينب بنت شكر، وحسن الكرديّ في آخرين. وأعاد بالمدرسة الصّالحية جوار الشافعي» (^٥).
_________
(^١) تاريخ الإسلام ١٥/ ٨٠٥.
(^٢) لم أقف له على ترجمة.
(^٣) الترجمة (١١١٦).
(^٤) تاريخ ابن قاضي شهبة ٢/ ٥٧٢.
(^٥) المصدر نفسه ٢/ ٦١١.
1 / 15
ومنهم: نجم الدّين أيوب بن موسى بن عبّاس الراشديّ المصري الفقيه الشافعيّ، مدرّس القوصيّة بالقاهرة، والمتوفّى سنة ٧٦١ هـ، قال ابن قاضي شهبة: «مولده قبل سنة تسع وسبعين، حدّث عن الشريف عزّ الدين وغيره، توفّي في ربيع الأول» (^١).
ومنهم: المحدّث شهاب الدّين أبو سعيد أحمد بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الحسين الهكّاريّ المتوفّى سنة ٧٦٣ هـ، قال ابن قاضي شهبة: «سمع من ابن الصوّاف، والشريف عزّ الدين، وحسن الكرديّ، وهذه الطبقة. وقرأ بنفسه، وعني بالطلب، وبرع وأفاد، وأعاد بالمنصورية، وتصدّر للإقراء، ودرّس بالجامع الحاكميّ والقطبيّة. . . وكتب بخطّه المتقن شيئا كثيرا. وكان عارفا بالرّجال، جمع كتابا في رجال الصّحيحين، وكان موصوفا بالدّين والخير» (^٢)، وترجمه الحافظ ابن حجر في «الدّرر» (^٣).
ومنهم: القاضي قطب الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن حمدان السّبكيّ الشافعيّ قاضي حمص المتوفّى سنة ٧٦٤ هـ، قال ابن قاضي شهبة في تاريخه: «وسمع بالقاهرة من أبي الحسن الثعلبيّ، وعليّ ابن الصوّاف، والشريف عزّ الدين وغيرهم. وبمكة من جماعة» (^٤). وترجمه ابن رافع في وفياته (^٥)، والحسينيّ في «ذيل العبر» (^٦)، وابن حجر في «الدّرر» (^٧).
كما أجاز للشيخ شمس الدّين محمد بن عبد الله الهنديّ في عام مولده
_________
(^١) تاريخه ٣/ ١٦٦.
(^٢) نفسه ٣/ ٢٠٦.
(^٣) الدرر الكامنة ١/ ١٠٤.
(^٤) تاريخه ٣/ ٢٤٠.
(^٥) الوفيات ٢/ ٢٥٥.
(^٦) ذيل العبر ٣٥٩.
(^٧) الدرر الكامنة ٤/ ١٤٧.
1 / 16
سنة ٦٩٤ هـ، وبقي إلى سنة ٧٧٦ (^١).
وفاته وأولاده:
توفّي عزّ الدّين الحسينيّ وهو في سنّ الكهولة في السادس من المحرّم سنة ٦٩٥ هـ وهو في التاسعة والخمسين.
وعرفنا من أولاده ولدين:
أولهما: ابنه القاضي شرف الدّين أبو الحسن محمد المذكور في طباق السماع.
وثانيهما: بدر الدّين أبو محمد الحسن، ترجمه ابن رافع (^٢)، وابن قاضي شهبة (^٣)، وابن حجر وقال: «الحسن بن أحمد بن محمد بن عبد الرّحمن بن عليّ بن محمد بن محمد بن قاسم بن محمد بن إبراهيم الحسينيّ، بدر الدّين ابن الشريف عزّ الدين. ولد سنة ٦٧٦ (^٤) تقريبا، قاله ابن رافع. وأسمعه أبوه من العزّ الحرّانيّ «مشيخته»، وسمع من سليمان بن داود بن كسا، وعبد الرحيم ابن خطيب المزّة. وحدّث هو وأبوه وجدّه، وولّوا كلّهم نقابة الأشراف بمصر، ومات هو في جمادى الأولى سنة ٧٤٣ فيما قال الصّفديّ، وفي ربيع الآخر فيما قال ابن رافع» (^٥).
وعرفنا من ذريته: حفيده عزّ الدّين محمد ابن الحسن المذكور، قال الحافظ ابن حجر: «ولد سنة ٧١٠، وسمع من ابنة الكمال جزء الذّهليّ وغيره.
وحدّث؛ سمع منه الفضلاء. وذكره أبو حامد بن ظهيرة في «معجمه» ولم يؤرّخ وفاته، وكانت ولايته نقابة الأشراف بعد وفاة والده في المحرّم سنة ٧٤٣» (^٦).
_________
(^١) الدرر الكامنة ٤/ ١٠٩.
(^٢) الوفيات ١/ ٤٢٦.
(^٣) تاريخه.
(^٤) في المطبوع: «٦٩٦» غلط بيّن! والتصويب من تاريخ ابن قاضي شهبة.
(^٥) الدرر الكامنة ٢/ ٩٣.
(^٦) المصدر نفسه ٤/ ٣٩، وسنة (٧٤٣) من الهامش وهي الصواب. أما قوله: في -؟
1 / 17
«صلة التكملة»:
يعدّ التنظيم على الوفيات واحدا من الأساليب الخمسة لعرض التراجم عند المؤلّفين المسلمين، وهي إضافة إليه: التنظيم على الطبقات، والتنظيم على الأنساب، والتنظيم على البلدان، ثم على حروف المعجم (^١).
وكان هذا النوع من طريقة عرض التراجم قد تأخّر التأليف فيه قياسا بالتنظيمات الأخرى التي عرفت منذ مدة مبكّرة، فلم يظهر إلاّ في المئة الرابعة، حين ألّف أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق البغداديّ المتوفّى سنة ٣٥١ هـ كتابا في الوفيات ابتدأه من الهجرة ووصل به إلى سنة ٣٤٦ هـ (^٢)، لكنه لم يصل إلينا.
وأول كتاب وصل إلينا هو: «تاريخ موالد العلماء ووفياتهم» الذي ألّفه الحافظ أبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربيعة، المعروف بابن زبر، الرّبعيّ الدمشقيّ المتوفّى سنة ٣٧٩ هـ، ابتدأه من الهجرة ووصل به إلى سنة ٣٣٨ هـ، وهو كتاب مختصر (^٣). ومع أنه اتخذ الوفاة أساسا في التنظيم كما هو متعارف في هذا النوع من أساليب العرض، إلا أنه لم يراع دقة التنظيم في اليوم والشّهر والسنة، ولعلّ ذلك يعود إلى عدم نضج الفكرة التنظيميّة لهذا النوع نضجا نجده واضحا في الكتب المتأخّرة.
وكتاب «الصّلة» هذا حلقة من حلقات ارتبطت بكتاب ابن زبر الرّبعي، فذيّلت عليه، فقدت بعض هذه الحلقات، فلا نعرف لها وجودا في عالم
_________
= المحرم، ففيه نظر؛ لأن والده توفي بعد ذلك بشهرين في الأقل.
(^١) ينظر بحثنا: أثر دراسة الحديث في تطور الفكر العربي (منشور في كتاب: رحلة في الفكر والتراث) ص ٣٢ فما بعد.
(^٢) ينظر كتابنا: الذهبي ومنهجه ٣٩٩.
(^٣) حققه السيد عبد الله بن أحمد بن سليمان الحمد، ونشر في الرياض سنة ١٤١٠ هـ.
1 / 18
المخطوطات اليوم، ووصلت إلينا أخرى (^١).
وقد ذيّل على ابن زبر تلميذه الحافظ أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتّانيّ الدمشقيّ المتوفّى سنة ٤٦٦ هـ، فوصل به إلى سنة وفاته، وفي خزانة كتبي نسخة مصوّرة منه.
ثم ذيّل على الكتّانيّ تلميذه أبو محمد هبة الله بن أحمد المعروف بابن الأكفاني المتوفّى سنة ٥٢٤ هـ، وصل به إلى سنة ٤٨٥ هـ وسمّاه «جامع الوفيات»، وعندي نسخة مصورة منه.
وذيّل على ابن الأكفانيّ شرف الدّين أبو الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ ثم الإسكندرانيّ المالكي المتوفّى سنة ٦١١ هـ وسماه «وفيات النّقلة»، بدأ فيه من سنة ٤٨٥ هـ وانتهى إلى سنة ٥٨١ هـ، ولم يصل إلينا فيما أعلم.
وذيّل على ابن المفضّل المقدسيّ تلميذه الحافظ زكيّ الدّين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القويّ بن عبد الله المنذريّ المصري (٥٨١ - ٦٥٦ هـ) وسماه «التكملة لوفيات النقلة» ابتدأ به من سنة ٥٨١ هـ، وهو عام مولده، وانتهى به إلى أثناء سنة ٦٤٢ هـ حيث أدركته الوفاة، وقد وصل إلينا كاملا (^٢)،
_________
(^١) تنظر تفاصيل ذلك في كتابنا: المنذري وكتابه التكملة ص ١٩٩ - ٢٢٥، وبحثنا: كتب الوفيات وأهميتها في دراسة التاريخ الإسلامي، المنشور في مجلة كلية الدراسات الإسلامية ببغداد، العدد الثاني، ١٩٦٨ م.
(^٢) لم أقف حين نشرت الكتاب في طبعته الثانية على الجزء الأول المتضمن مقدمة المؤلف وأول خمسين ترجمة شملت وفيات سنة ٥٨١ هـ وقسما من وفيات سنة ٥٨٢ هـ. ثم دلّني صديقي العلامة محمد المنوني يرحمه الله على نسخة فيها الأجزاء العشرة الأولى في تركة محمد عبد الحي الكتاني التي أهديت إلى جلالة الملك الحسن الثاني ملك المملكة المغربية طيب الله ثراه، وتعسر الحصول عليها حتى كلّمت جلالة الملك بشأنها حين ألقيت أحد الدروس الحسنية سنة ١٩٨٥ م بقصره العامر، فأمر جلالته بإهدائي نسخة مصورة منها في الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة ١٤٠٥ هـ الموافق ١٢/ ٦ / ١٩٨٥ م.
1 / 19
وهو مطبوع عدة طبعات متداول مشهور، بتحقيقنا، قال في مقدّمته: «فإن ولدي الرشيد أبا بكر محمدا، قدّس الله تعالى روحه ونوّر ضريحه (^١)، لمّا كتب كتاب أبي سليمان محمد بن عبد الله بن زبر الحافظ في موالد العلماء ووفياتهم الذي بدأ فيه من السنة الأولى من الهجرة إلى سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة، ثم كتب ذيله لأبي محمد عبد العزيز بن أحمد الكتّانيّ الحافظ، ثم كتب ذيله لأبي محمد هبة الله بن أحمد الأكفانيّ الحافظ، وانتهى ذلك إلى سنة خمس وثمانين وأربع مئة، ثم وقف على ذيله لشيخنا الحافظ أبي الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ، ﵃، الذي بدأ فيه من سنة خمس وثمانين وأربع مئة وانتهى إلى سنة إحدى وثمانين وخمس مئة، وهي السنة التي ولدت فيها، ورأى ما تضمنته هذه الكتب من الفوائد، تغمّد الله مصنّفيها برضوانه وأسكنهم غرف جنانه وجعل سعيهم في ذلك مشكورا وعلمهم مبرورا، تاقت نفسه إلى أن يقف على ما بعد ذلك إلى وقته، فرغب إليّ مرة بعد أخرى أن أجمع له في ذلك مجموعا، فاعتذرت إليه بما هو مشاهده من كثرة الأشغال وتقسّم البال، وهو يأبى إلا تسهيل مطلوبه وتعجيل مرغوبه، فلم أجد بدّا من إجابة سؤاله وتحقيق آماله. غير أنّي أردت إرجاء ذلك مدة تكون معينة على استقصائه وذريعة إلى استيفائه. ثم خطر لي أنّ المبادرة بما تحصّل أولا والمسارعة إلى ما تيسّر أحرى، وما وجد بعد ذلك ألحقته في حواشيه أو أفردت في جزء يليه. على أنّ الكتب التي قدّمت ذكرها وبيّنت أمرها قد أهمل في كلّ منها جماعة كبيرة وثلة خطيرة، فإن فسح الله في المدة ويسّر جمعت مجموعا يتضمّن ما أهملوه، يكون لهذه التصانيف كالصّلة. وهذا الذي أذكره فمنه ما شاهدته ومنه ما حفظته عن مشايخنا ونبلاء رفقائنا مشافهة ومكاتبة، ومنه ما رأيته بخطّ من يوثق به، إلى غير ذلك مما تجوز الرّواية به ويسوغ الإخبار عنه. وآثرت حذف الأسانيد والاختصار تيسيرا للمتحفّظ، وسمّيته
_________
(^١) توفي وهو في ريعان شبابه سنة ٦٤٣ هـ، وهو مترجم في صلة التكملة، الترجمة ١٨٨.
1 / 20
«التكملة لوفيات النقلة» (^١).
ومع أنّ المنذريّ وصل «بالتكملة» إلى أثناء سنة ٦٤٢ هـ، إلا أنّ الحسينيّ ابتدأ كتابه من أوّل سنة ٦٤١ هـ، فشارك شيخه المنذريّ في سنة وثلاثة أشهر.
ويظهر من بقيّة المقدّمة التي كتبها عزّ الدين الحسينيّ لكتاب «الصّلة» أنه أراد أن يحقّق رغبة شيخه المنذريّ في الاستدراك على المتقدّمين، بله تأليف كتاب شامل لما ذكروه وما يمكن أن يستدرك عليهم يبدأ من أول الهجرة وينتهي إلى زمانه، لكنّ هذه الرغبة لم تتحقّق، بل وقف هو في كتابه إلى سنة ٦٧٥ هـ، أي قبل وفاته بعشرين عاما، ولعلّ مشاغل الحياة وأعباء الوظيفة شغلته عن إتمام مشروعه.
لقد سار الحسينيّ على خطّة شيخه الزكيّ المنذريّ في عرض التراجم من حيث تنظيم التراجم باليوم والشهر والسنة، والبدء بتاريخ الوفاة واسم صاحب الترجمة ولقبه وكنيته ونسبه ومكان وفاته والصلاة عليه ومكان دفنه، ثم تاريخ مولده، ودراسته وأخذه عن المشايخ وذكر مسموعاته، وتحديثه، ومنزلته، وذكر المعروفين من أهله، وضبط ما يشتبه في الترجمة من الأسماء والأنساب، وهو ما وضّحته بتفصيل في كتابي «المنذريّ وكتابه التكملة» فلا أجد حاجة لإعادته هنا لاتّحاد الأسلوبين وتماثل الطريقتين.
وقد ذيّل على الحسينيّ شهاب الدين أبو الحسين أحمد بن أيبك بن عبد الله الحساميّ الدّمياطيّ المتوفّى سنة ٧٤٩ هـ وسماه «تتمة صلة التكملة» (^٢)، ووصل به إلى سنة وفاته (^٣)، وذكره التقيّ الفاسي المتوفّى سنة
_________
(^١) التكملة، الورقة ١ - ٢ (من القسم غير المطبوع).
(^٢) ابن حجر: الدرر ٢/ ١٤٥.
(^٣) ابن قاضي شهبة: تاريخه ٢/ ٥٦٢.
1 / 21
٨٣٢ هـ من بين مصادره ونقل عنه في «العقد الثمين» (^١). وسيأتي عند وصف النسخة الخطيّة أنه استدرك على الحسينيّ عشرات التراجم، وأضاف إلى تراجم الحسينيّ إضافات مهمة.
وأما قول ابن قاضي شهبة في تاريخه، والسخاويّ في «الإعلان بالتوبيخ» - وأخذه عنه حاجي خليفة في «كشف الظنون» -: إن الحافظ زين الدّين أبا الفضل عبد الرحيم بن عبد الرحمن العراقيّ المتوفّى سنة ٨٠٦ هـ قد ذيّل على وفيات أبي الحسين أحمد بن أيبك الدّمياطي، ثم ذيّل ولده وليّ الدّين أبو زرعة المتوفّى سنة ٨٢٦ هـ على ذيل أبيه (^٢)، ففيه نظر، ذلك أنّ زين الدّين ابن العراقيّ إنما ذيّل على «ذيل العبر» للذهبيّ وتبعه ولده الوليّ فذيّل على ذيل أبيه، وقد وصل إلينا (^٣)، قال وليّ الدّين: «فهذا تاريخ متوسّط ابتداؤه سنة مولدي، وهو ذيل على تاريخ والدي أبقاه الله تعالى الذي ذيّل به على «ذيل العبر» للحافظ أبي عبد الله الذهبيّ ﵀» (^٤). وقال التقيّ الفاسيّ في مقدّمة «العقد الثمين» وهو يذكر موارده: «ومن ذلك: وفيات شيخنا العراقيّ التي ذيّل بها على «العبر» للذهبي، أنبأنا بها إجازة» (^٥). ولعلّهما أرادا أنها تصلح لأن تكون ذيلا على وفيات أبي الحسين الدّمياطيّ لتقارب المدة.
ويعد «صلة التكملة» لعزّ الدين الحسينيّ من أمهات كتب التراجم الأصيلة، ذلك أنّ جميع من ترجم لهم - وعددهم (١٢٤٢) ترجمة - هم ممّن
_________
(^١) العقد الثمين ١/ ٢٦.
(^٢) تاريخ ابن قاضي شهبة ٤/ ٣٨٠، والإعلان بالتوبيخ ٧٠٢ (ضمن كتاب علم التاريخ لروزنتال)، وكشف الظنون ٢/ ٢٠١٩.
(^٣) حققه تلميذي الدكتور صالح مهدي عباس، ونشرته مؤسسة الرسالة سنة ١٩٨٩ م.
(^٤) الذيل ١/ ٤٩.
(^٥) العقد الثمين ١/ ٢٥.
1 / 22
عاصرعهم وعرف الكثير منهم عن قرب، ومثل هذه المصادر قليلة في علم التراجم، ومن ثمّ صار هو الكتاب المعتمد لمن دوّن تاريخ رجال هذه الحقبة ممن جاء بعده، فكان هذا الكتاب هو المصدر الأول لثلاثة من الكتب المهمة في تدوين تاريخ هذه المدة، وهي: «الذّيل على مرآة الزمان» لقطب الدّين اليونينيّ المتوفّى سنة ٧٢٣ هـ، و«المقتفي لتاريخ أبي شامة» لعلم الدّين البرزالي المتوفّى سنة ٧٣٩ هـ، و«تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» للحافظ الذهبي؛ فاليونينيّ والذهبيّ سلخا الكتاب في كتابيهما إلا ما ندر، فضلا عن المصادر الأخرى التي أفادت منه لمن دوّن علماء هذه المدة.
وقد زاد من قيمة هذا الكتاب أمران، أولهما: أنه وصل إلينا بخطّ المؤلّف، وثانيهما: تلك الاستدراكات النفيسة التي استدركها الحافظ شهاب الدّين أبو الحسين أحمد بن أيبك الدّمياطيّ المتوفّى سنة ٧٤٩ هـ.
وصف النّسخة الخطية:
هي النسخة التي كتبها المؤلّف بخطّه، وتقع في (٢١١) ورقة ذهبت الورقة الأولى منها - أو ربما أكثر - فيها أول مقدّمة المؤلّف، مسطّرتها (٢١) سطرا في كلّ سطر قدر ١٠ - ١٢ كلمة، وخطّ المؤلّف جيّد ومقروء خال من الشكل في الأغلب الأعمّ، وتتكون من اثنين وعشرين جزءا حديثيا في مجلّدين، أولهما: يشمل الأجزاء من الأول إلى نهاية الرابع عشر، وفيه الوفيات من سنة ٦٤١ هـ إلى سنة ٦٥٨ هـ، والثاني: يشمل الأجزاء من الخامس عشر إلى نهاية الجزء الثاني والعشرين ويشمل الوفيات من سنة ٦٥٩ هـ إلى آخر سنة ٦٧٥ هـ، وهي محفوظة في مكتبة كوبرلي برقم (١١٠١).
وقد وقع انتقال بعض الأوراق من مكانها عند التجليد، لا سيما الأوراق ٦٢ - ٧٣، حيث هي من الجزء الأخير من الكتاب. على أنّ هذا الارتباك في تجليد النسخة من السهولة تلافيه لمن له معرفة بالمترجمين وإلمام بمصادر هذه الحقبة، مثل: «تاريخ الإسلام» للذهبي، وقد أشرنا إلى ترتيب النسخة في مواضعها.
1 / 23
وتظهر على النسخة إلحاقات يسيرة، مما يدلّ على أنها المبيّضة التي ارتضاها المؤلّف.
كما توجد في حواشي النسخة استدراكات كتبها عالم جليل هو:
شرف الدّين أبو الحسين أحمد بن أيبك الحساميّ الدّمياطيّ المولود سنة ٧٠٠ هـ والمتوفّى بالطاعون الجارف الذي ضرب البلاد سنة ٧٤٩ هـ (^١). ومع أنه لم يصرّح في هذه التعليقات باسمه إلاّ في موضع واحد (لدى تعليقه على الترجمة رقم ٤٥٣) إلا أننا كنّا قد عرفنا ذلك من خطّه، إذ كنت قد حصلت علي نسخة مصوّرة من كتاب «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» لابن النجّار بخطّه، وهي النسخة التي حقّقها تلميذي النجيب محمد مولود خلف بإشرافي ونال بها رتبة الدبلوم العالي في تحقيق المخطوطات وطبعت في مؤسسة الرّسالة سنة ١٩٨٦ م، فظهر بذلك تماثل الخطّين، فضلا عن تصريح تقيّ الدّين الفاسيّ في ترجمة شعيب بن يحيى بن أحمد بن محفوظ بن عطية التّميميّ القيروانيّ ثم الإسكندراني نزيل مكة، فقد نقل وفاته من وفيات الحسينيّ هذا ثم قال وهو يغلّطه في تاريخ الوفاة بقوله: «وأكثر من هذا مخالفة أنّي وجدت بخطّ أحمد بن أيبك الدّمياطيّ في وفيات الشريف أبي القاسم الحسينيّ أنّ الزكيّ المنذريّ ذكر أنه توفّي في أواخر ذي القعدة أو أوائل ذي الحجة» (^٢).
فاتفقنا أنا وتقيّ الدّين الفاسيّ على معرفة هذا الخط، فضلا عن التصريح الوحيد الذي أشرنا إليه آنفا.
وهذه الاستدراكات في الغاية من الأهمية، وهي على نوعين، الأول:
استدراكات مضافة إلى تراجم الحسينيّ من مصادر أغلبها مفقود اليوم، وتصحيحات وتعقّبات، فكأنه يحقّق معلومات هذا الكتاب. والثاني: تراجم جديدة لم يذكرها الحسينيّ استدركها عليه في مواضعها، وكتبها بخطّه الدقيق في حواشي النسخة وإن كان التجليد السيّئ قد طمس شيئا يسيرا منها حاولنا
_________
(^١) تنظر مقدمة «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» ص ٤٧ فما بعد.
(^٢) العقد الثمين ٥/ ١٣.
1 / 24