Comparison of Commentaries on the Six Books of Hadith
مقارنة بين شروح كتب السنة الستة
Türler
ـ[مقارنة بين شروح كتب السنة الستة]ـ
المؤلف: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - ٥ دروس]
Bilinmeyen sayfa
مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (١)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
الكتب الستة:
فقد طلب مني الإخوة القائمون المرتبون لهذا اللقاء، وهذه الدورة، الحديث عن شروح الكتب الستة، والمراد بالكتب الستة كما هو معلوم، صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، والخلاف في السادس معروف، فمنهم من جعل السادس موطأ الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، كابن الأثير في جامع الأصول، ورزين العبدري في تجريد الأصول، ومنهم من جعل السادس سنن الدارمي، وهو خليق بذلك، والأكثر على أن السادس سنن ابن ماجه، وأول من جعل السادس سنن ابن ماجه هو أبو الفضل بن طاهر في أطرافه وفي شروطه، شروط الأئمة الستة، جعل السادس سنن ابن ماجه، ثم تبعه على ذلك من كتب في الشروط، وفي الأطراف وفي رجال الكتب، فتبعه على ذلك الحافظ عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- في الكمال، ثم تبعه على إثره الحافظ المزي -رحمه الله تعالى- في الأطراف تحفة الأشراف، وفي تهذيب الكمال أيضًا، ثم الذهبي، ثم الحافظ ابن حجر ومن جاء بعدهم.
المقصود أن الكتاب السادس مختلف فيه بين أهل العلم، وهذه الكتب الستة التي هي كتب أصول الإسلام التي قال عنها الحافظ السلفي -رحمه الله تعالى-: "أن الأمة تلقتهما بالقبول، واتفقوا على صحة أصولها"، أما بالنسبة للصحيحين فلا خلاف في صحة ما جاء فيهما، قد تلقتهما الأمة بالقبول، واتفقوا على العمل بما جاء فيهما، وما عداهما إطلاق الصحة عليه فيه نظر، كقول الحافظ أبي طاهر آنف الذكر، ومنهم من أطلق على سنن النسائي الصحيح، وأطلق أيضًا على سنن أبي داود الصحيح بمفرده، وقيل في جامع الترمذي الجامع الصحيح، وعلى كل حال فهذا تساهل ممن أطلقه، ولهذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
1 / 1
ومن عليها أطلق الصحيحا ... فقد أتى تساهلًا صريحا
لا شك أن إطلاق الصحيح على ما عدا الصحيحين فيه تساهل؛ لأن فيها الصحيح والحسن والضعيف، ومثله أيضًا إطلاق الحسن عليها، كاصطلاح البغوي في (مصابيح السنة)، حيث قسم الكتاب إلى قسمين: إلى الصحاح والحسان، يرى أن الصحاح ما رواه الشيخان، والحسان ما رواه أهل السنن، وهذا الكلام لا شك أنه مردود؛ لأن في السنن غير الحسن من الصحيح والضعيف، ولهذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
والبغوي إذ قسم المصابحا ... إلى الصحاح والحسان جانحا
أن الحسان ما رووه في السنن ... رُد عليه إذ بها غير الحسن
الكتب الأربعة فيها غير الحسن، فيها الصحيح وهو كثير، وفيها الحسن وهو كثير جدًا أيضًا، وهي من مظانه، وفيها أيضًا الضعيف، فيها أيضًا شديد الضعف، وفي بعضها لا سيما آخرها وهو ابن ماجه ما قيل بوضعه.
قد يقول قائل: لماذا لم يجعل الأئمة مسند الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في الكتب الستة؟ لا سيما وأن شرط الإمام أحمد في مسنده قوي جدًا، ولا يقل عن شرط أبي داود، إن لم يكن أعلى منه وأرفع، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وكما هو واقع الكتاب؟
أولًا: رتبة المسانيد كمسند الإمام أحمد، ومسند الطيالسي، ومسند أبي يعلى، وغيرها من المسانيد اصطلح الأئمة على جعلها في المرتبة دون السنن، والسبب في ذلكم أن المؤلف في السنن يترجم بأحكامٍ شرعية، فيقول في الترجمة: باب وجوب كذا، باب تحريم كذا، باب ما جاء في الرخصة بكذا .. الخ، فالذي يترجم بحكمٍ شرعي، والأحكام إنما يتطلب فيها أقوى ما يجده الإنسان، لا شك أنه سوف ينتقي أقوى ما عنده من المرويات، بخلاف من يترجم باسم راوٍ من الرواة، صحابي من الصحابة كما يفعله أصحاب المسانيد، فيترجم باسم أبي بكر، وباسم عمر ﵄، وبغيرهما من الصحابة، ثم يسوق ما وقف عليه من مرويات هذا الصحابي، وحينئذٍ لا يلزمه الانتقاء؛ لأنه لا يستدل بما رواه على حكمٍ شرعي، كما يصنعه صاحب السنن، بل يثبت ما وصل إليه من الأحاديث من طريق ذلك الصحابي، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
ودونها في رتبة –يعني دون السنن-.
1 / 2
ودونها في رتبةٍ ما جُعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلا
المؤلف في المسانيد يدعو الأحاديث الجفلا من غير نظر إلى أي شرط، يقول:
كمسند الطيالسي وأحمدا ... وعده للدارمي اُنتقدا
ذكر أمثلة على المسانيد بادئًا بمسند الإمام أحمد (كمسند الطيالسي وأحمدا) مسند أبي داود الطيالسي؛ لأنه قبل الإمام أحمد -أعني أبا داود-، هذا إن كان المسند من صنيعه، وإن كان من صنيع من روى عنه، وهو يونس بن حبيب فلا ينبغي أن يقدم على مسند الإمام أحمد، (وعده للدارمي انتقدا) (وعده) الضمير يعود على من؟ أين الذين يحفظون الألفية؟ (وعده للدارمي انتقدا) أين؟
طالب: ابن الصلاح.
نعم، ابن الصلاح؛ لأن الضمير إذا جاء لمفرد فهو يعود إلى ابن الصلاح.
وحيث جاء الفعل والضميرُ ... لواحدٍ ومن له مستورُ
كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما
(وعده للدارمي انتقدا) ابن الصلاح عدّ الدارمي في المسانيد، ولا شك أنهم انتقدوا عليه إن كان يريد بذلك الموجود المتداول؛ لأنه ليس على ترتيب المسانيد، وإنما هو على الأبواب كالسنن، كالجوامع، هو على الأبواب، فهو محل انتقاد، وإن كان ابن الصلاح يقصد المسند للدارمي غير السنن الذي أشار إليه الخطيب وغيره في ترجمته فلا انتقاد عليه، نعم يطلق المسند على غير المألوف، أعني الكتاب المرتب على أسماء الصحابة، وهو الكتاب الذي رويت فيه الأحاديث بالأسانيد كصحيح البخاري مثلًا، سماه مؤلفه (الجامع الصحيح المسند)؛ لأنه ذكرت فيه الأحاديث بالأسانيد، من هذا الباب تصح تسمية سنن الدارمي مسندًا، إلا أنه لا يقصد هذا؛ لأنه عده في المسانيد المرتبة على أسماء الصحابة، فلا يرد هذا الجواب.
أول الكتب الستة (صحيح البخاري):
أول هذه الكتب وأعلاها وأغلاها، وهو أصح ما جمعه البشر على الإطلاق، أصح كتابٍ بعد كتاب الله ﷾ صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وهو المرجح عند جماهير العلماء، وإن زعم أبو علي النيسابوري أنه لا يوجد تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم، وفضل بعض المغاربة صحيح مسلم على صحيح البخاري لكنه قول مرجوح.
أول من صنف في الصحيحِ ... محمد وخصّ بالترجيحِ
1 / 3
ومسلم بعد وبعض الغرب معْ ... أبي عليٍ فضلوا ذا لو نفعْ
إذا تقرر هذا فأول هذه الكتب الستة صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وهو مقدم على غيره من الكتب لصحة أحاديثه وقوة أسانيده وعلوها ودقة استنباطه، فلا يضاهيه كتاب، ولا يقاربه مصنف، ولذا كثرت العناية به، من قبل أهل العلم، فأحصيتُ من شروحه أكثر من ثمانين شرحًا، والذي فاتني من ذلك أضعاف، والعلم عند الله ﷾، وهو حري بذلك وجدير وخليق به، ولا غرو أن تهتم الأمة بسنة نبيها ﵊؛ لأنها هي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، أكثر من ثمانين شرح لصحيح البخاري، قد يقول قائل: لماذا كل هذه العناية؟ يذهب العجب حينما نعرف أن على تفسير البيضاوي أكثر من مائة وعشرين حاشية، تفسير البيضاوي، وهو من تفاسير الخلف، ليس من التفاسير التي يعتمد عليها أهل العلم، ومع ذلكم عليه أكثر من مائة وعشرين حاشية، منها التام ومنها الناقص، المقصود أنه عني بها أهل العلم عنايةً فائقة، وفي بعض الجهات يكاد لا يعرف غيره.
أشهر شروح صحيح البخاري:
نذكر هنا أشهر الشروح على صحيح الإمام البخاري فأولها: (أعلام الحديث أو أعلام السنن) لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي وسوف نفصل الكلام في هذا الكتاب.
1 / 4
من الشروح أيضًا شرح أبي جعفر أحمد بن سعيد الداودي، وهذا شرح معروف متداول ينقل عنه أهل العلم كثيرًا، وأيضًا شرح المهلب بن أبي صفرة ينقل عنه الشراح كالحافظ والعيني والقسطلاني وغيرهم، وشرح أبي الحسن علي بن خلف المالكي المعروف بابن بطال، شرح أبي حفص عمر بن الحسن بن عمر الأشبيلي، شرح أبي القاسم أحمد بن عمر التيمي، قال القسطلاني: "وهذا واسع جدًا"، وشرح عبد الواحد بن التين السفاقسي، ولزين الدين ابن المنير شرح ينقل عنه الشراح ووصف بأنه في نحو عشر مجلدات، وشرح قطب الدين عبد الكريم الحلبي، وشرح مغلطاي التركي، وإن قال عنه الكرماني في شرحه: "إنه بتتميم الأطراف أشبه، وبصحف تصحيح التعليقات أمثل، وكأنه من إخلائه من مقاصد الكتاب على ضمان، ومن شرح ألفاظه وتوضيح معانيه على أمان" هذا وصف الكرماني لشرح مغلطاي، ولا شك أن الكتاب عليه انتقادات وملاحظات، وفيه قصور، لكنه أيضًا شرح من الشروح، ومن ذلكم بل من الشروح المشهورة شرح الكرماني، وسيأتي الحديث عنه مفصلًا -إن شاء الله تعالى-، وشرح سراج الدين ابن الملقن، وشرح شمس الدين البرماوي، وهذا الشرح غالبه مأخوذ من الكرماني ومقدمة فتح الباري، شرح برهان الدين الحلبي اسمه (التلقيح لفهم قارئ الجامع الصحيح) وشرح الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر المشهور بـ (فتح الباري) وهو معروف، يأتي تفصيل القول فيه -إن شاء الله تعالى-، وشرح بدر الدين محمود بن أحمد العيني المسمى (عمدة القاري) ونذكره -إن شاء الله تعالى- بعد ذلك، شرح مواضع منه بدر الدين الزركشي، شرحه أيضًا بدر الدين الدماميني، ولجلال الدين السيوطي تعليق لطيف اسمه (التوشيح على الجامع الصحيح) السيوطي له حواشي على الكتب الستة، وهي مختصرة جدًا، البخاري في مجلد، مسلم في مجلد، إلى آخر الكتب الستة، شروح مختصرة جدًا يغني عنها غيرها، وهذه الشروح المختصرة مختصرة، اختصرها أحد المغاربة، وهذه المختصرات للكتب الستة كلها مطبوعة، النووي -رحمه الله تعالى- شرح قطعةً من الصحيح، من أوله إلى آخر كتاب الإيمان، وكذلك الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- شرح قطعةً من أوله أيضًا، وللحافظ زين الدين بن رجب الحنبلي شرح من أول الكتاب
1 / 5
إلى الجنائز في كتابٍ أسماه (فتح الباري) ابن حجر موافق له؛ لأن ابن رجب متقدم عليه.
شرح الفيروز أبادي (منح الباري في شرح البخاري):
1 / 6
وممن شرحه مجد الدين الفيروز أبادي صاحب القاموس، سمى شرحه (منح الباري في شرح البخاري) كمل ربع العبادات منه في عشرين مجلدًا، وعلى هذا لو كمل يمكن يصير خمسين أو ستين مجلدًا، قال التقي الفاسي: "لكنه يعني الفيروز أبادي ملأه بغرائب المنقولات لا سيما لما اشتهر باليمن مقالة ابن عربي -يعني في وحدة الوجود، القول بوحدة الوجود- وغلب ذلك على علماء تلك البلاد، وصار يدخل في شرحه من فتوحاته -يعني الفتوحات المكية لابن عربي- الكثير، ما كان سببًا لشين شرحه عند الطاعنين فيه"، والمجد الفيروز أبادي لا يقول بهذه المقالة كما هو معروف؛ لكنه من أجل أن يروج الكتاب نقل عن ابن عربي هذه المقالة، وأشان كتابه بما نقله من الفصوص والفتوحات من أجل رواج الكتاب؛ لأن هذه المقالة اشتهرت وانتشرت في اليمن، واعتنقها كثير من الناس، كما يفعله من يصنّف في أي بلاد من البلدان الذي اشتهر فيها مذهب من المذاهب، من أجل أن يروج الكتاب يذكر ما لا يراه، المذاهب التي لا يعتد بها في الإجماع والخلاف مثل مذاهب الشيعة والزيدية، منهم الهادوية، كتب الصنعاني والشوكاني وغيرهم من أهل تلك النواحي مملوءة بهذه المذاهب، وإن كان لا يعتمد بأربابها وأصحابها، لكن لما كان غالب سكان اليمن في زمن الصنعاني من الهادوية شهر أقوالهم وذكرها من أجل أن يروج الكتاب، وقد يكون الأمر بالعكس فقد يطوى بعض الشيء وإن كانت الحاجة إليه قائمة وماسة من أجل رواج الكتاب، كما فعل ابن أبي العز لشرح الطحاوية في نقوله الكثيرة عن شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله تعالى- من أجل أن يروج الكتاب، نقل كثيرًا من كتب شيخ الإسلام بل اعتمد عليه اعتمادًا كليًا في غالب مباحثه، وعلى تلميذه ابن القيم، ولم يذكر ولم يصرح باسمهما من أجل أن يروج الكتاب، فهذا لا شك أنه فيه نوع من التماس المصلحة فلا مانع من أن يكنى عن الشخص أو ينسب أو يعمى أو لا يذكر اسمه إذا خشي على الكتاب من عدم الرواج، وإن كان فيه شبه مما يسمى في مصطلح الحديث بتدليس الشيوخ؛ لكن مثل هذا لا يترتب عليه عمل، ولا حكم من الأحكام فلا مانع من أن ينسب الكتاب إلى شخصٍ لا يكون في نسبته إليه كذب، كثير من كتب شيخ الإسلام محمد
1 / 7
بن عبد الوهاب التي وزعت في الأقطار يقال: تأليف محمد بن سليمان التميمي، سليمان جده، مفتي نجد قبله، سليمان بن علي، فعلى كل حال ما فعله وما صنعه المجد الفيروز أبادي لا مبرر له، وإن اشتهرت هذه المقالة لأن هذه المقالة أمرها خطير وعظيم، تفوق مصلحة رواج الكتاب، يعني لو لم يؤلف الكتاب أصلًا، الناس ليسوا بحاجةٍ إليه، نعم قد يكون فيه فوائد لكن ضرره أكثر من نفعه، وحينئذٍ إذا كان الكتاب بهذه المثابة يحذر عنه، بخلاف ما إذا كان نفعه أكثر من الضرر المترتب عليه، كما هو مع الأسف الشديد غالب التفاسير التي يعتمد عليها المتأخرون، وغالب شروح الحديث على ما سيأتي عند الكلام على شرح الخطابي.
يقول ابن حجر أنه رأى القطعة التي كملت في حياة مؤلفه -يعني الفيروز أبادي- قد أكلتها الأرضة بكمالها، هذه العشرين المجلدة أكلتها الأرضة من الأول إلى الأخير، بحيث لا يقدر على قراءة شيءٍ منها، فلله الحمد والمنة، أكلتها الأرضة وانتهى الإشكال.
ممن شرح الصحيح زكريا الأنصاري وشرحه مطبوع، والمعاصرون لهم شروح مطولة ومختصرة من ذلكم (لامع الدراري) للشيخ رشيد أحمد الكنكوهي هذا هندي، وأيضًا (فيض الباري) لمحمد أنور الكشميري، فيهما فوائد وفيهما لطائف ولفتات، ولا تخلو أيضًا من مؤاخذات وملاحظات، (فيض الباري) هذا لأنور الكشميري وصف الشيخ محمد بن عبد الوهاب بما لا يليق به.
وعلى كل حال الشروح كثيرة واستقصاؤها قد يكون فيه شيء من الطول، والوقت قصير وكانت النية أن نخصص كل يوم لكتاب، لشرح من الشروح، لكن الظاهر أن هذا غير متيسر؛ لأن شروح البخاري كثيرة ومهمة، وفيها نفائس وفوائد لا يستغنى عنها، وسوف نتكلم على ستةٍ منها فقط: الخطابي، الكرماني، ابن رجب، ابن حجر، العيني، القسطلاني، وكل واحد من هذه الكتب يحتاج إلى مدةٍ طويلة لإظهار فضله واستخراج كنوزه ونفائسه، وإن كانت الطريقة المثلى في هذا قراءة الكتاب كاملًا؛ لأنه ليس الخبر كالعيان، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، أو ما يقدر عليه.
1 / 8
هذه الشروح الستة هي أهم شروح البخاري في الجملة، وإن كانت متفاوتة، وفيها كلام طويل يحتاج إلى ...، وأنا أتصور أن لو فتح الباري فقط خصص له أسبوع لما كفى، لكن مثلما ذكرت نقتصر على أهم المهمات ولعل البخاري وشروحه يكفيه اليوم مع الغد، وإن احتجنا إلى شيءٍ من يوم الاثنين، وإلا هو مخصص لصحيح مسلم -إن شاء الله تعالى-.
شرح الخطابي (أعلام السنن):
فأولًا: أعلام الحديث، أو أعلام السنن، نعم شهرة الكتاب بأعلام السنن، وإن كان المحقق رجح من خلال النسخ الخطية أعلام الحديث أعلام السنن لأبي سليمان حمد كذا ضبطه (حمد) سماه أهله حمد كما يقول عن نفسه، وإن قال كثير من الناس أنه أحمد، وليس محرك الميم كما هو الاستعمال الشائع الآن (حَمَد) لا، هو (حَمْد) ولذا يقول الحافظ العراقي في تعريف الحسن:
والحسن المعروف مخرجًا وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد
حَمْد وقال الترمذي: ما سلم ... من الشُّذوذِ معَ رَاوٍ ما اتُّهِمْ
حَمْد –يعني الخطابي- بذاك حد، وقال الترمذي ما سلم .. الخ.
1 / 9
المقصود أن ضبطه (حَمْد) أبو سليمان حَمْد ابن محمد بن إبراهيم الخطابي نسبةً إلى زيد بن خطاب البستي الشافعي المتوفى سنة ثمانٍ وثمانين وثلاثمائة، هذا الكتاب مختصر جدًا، يقول عنه القسطلاني: "هو شرح لطيف فيه نكت لطيفة، ولطائف شريفة"، واعتنى الإمام محمد التيمي بشرح ما لم يذكره الخطابي مع التنبيه على أوهامه، الكتاب يعتبره مؤلفه مكملًا لكتابه معالم السنن؛ لأنه صنف معالم السنن لشرح سنن أبي داود قبل أعلام السنن أو أعلام الحديث، فجعل أعلام الحديث أو أعلام السنن مكملًا لما ذكره في معالم السنن، يقول في المقدمة: "وقد تأملت المشكل من أحاديث هذا الكتاب فوجدت بعضها قد وقع ذكره في معالم السنن مع الشرح له والإشباع في تفسيره، فرأيت الأصوب أن أخليها من ذكر بعض ما تقدم شرحه، وبيانه هناك متوخيًا الإيجاز فيه مع إضافة إليه ما عسى أن يتيسر في بعض تلك الأحاديث من تجديد فائدة، وتوكيد معنىً زيادةً على ما في ذلك الكتاب ليكون عوضًا عن الفائت وجبرًا للناقص منه"، يقول: "ثم إني أشرح بمشيئة الله الكلام في سائر الأحاديث التي لم يقع ذكرها في معالم السنن"، نعم في البخاري أحاديث زائدة على ما في سنن أبي داود والعكس عند أبي داود من الأحاديث ما ليس في الصحيح، "ثم إني أشرح بمشيئة الله الكلام في سائر الأحاديث التي يقع ذكرها في معالم السنن، وأوفيها حقها من الشرح والبيان، فأما ما كان فيها من غريب الألفاظ اللغوية فإني أقتصر من تفسيره على القدر الذي تقع به الكفاية في معارف أهل الحديث الذين هم أهل هذا العلم، وحملته دون الإمعان فيه والاستقصاء له على مذاهب أهل اللغة من ذكر الاشتقاق والاستشهاد بالنظائر ونحوها من البيان لئلا يطول الكتاب.
1 / 10
لا شك أن شرح الخطابي بهذه الصفة كما وصفه مؤلفه يذكر الغريب على وجهٍ موجز خشية أن يطول الكتاب، يقول: "ومن طلب ذلك وجد العلة فيه مراضةً بكتاب أبي عبيد ومن نحا نحوه في تفسير غريب الحديث"، يعني من أراد الاستقصاء في شرح الغريب –غريب ما يقع في الصحيح- فعليه بغريب أبي عبيد، غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، وهو من الأئمة الثقاة المعروفين المشهورين في الغريب في اللغة وفي الحديث أيضًا، إمام أبو عبيد القاسم بن سلام إمام من أئمة المسلمين، وهو موثوق في نقله، وهو أيضًا سليم من حيث اعتقاده، فكتابه من أنفس الكتب، كتب الغريب أُلف فيه من معاصريه ألف أبو عبيدة معمر بن مثنى لكنه دونه في الثقة والمرتبة، وأيضًا غريب الحديث للنضر بن شميل، والفائق في غريب الحديث للزمخشري، والدلائل لقاسم بن ثابت، وكتب الغريب كثيرة جدًا كما ذكرت، ومن أراد أن يقتصر على كتابٍ واحد في الغريب فعليه بكتاب ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، لكن من أراد أن يجمع فهذه أشهر كتب الغريب، في غريب الحديث للخطابي أيضًا صاحب هذا الكتاب، وغريب الحديث لابن الجوزي، مجموعة من أهل العلم صنفوا في غريب الحديث.
شرحه للأحاديث متفاوت، شرح الخطابي للأحاديث متفاوت طولًا وإيجازًا حسب أهمية الحديث وما يستنبط منه، وحسب غموض ألفاظه ووضوحها، فمثلًا: حديث (الدين النصيحة) شرحه في سبع صفحات، وحديث ابن مسعود في تخول النبي ﷺ أصحابه بالموعظة شرحه بأربعة أسطر، تفاوت، لكن يرى أن ذلك الحديث مهم، والحاجة إلى إيضاحه وبيانه قائمة بخلاف حديث التخول بالموعظة؛ لأنه واضح ولا يحتاج إلى إطالة، المؤلف الخطابي شافعي المذهب، يرجح في الغالب مذهب الإمام الشافعي، قد يرجح غيره إذا كان الدليل لا يحتمل التأويل لا سيما إذا كان القول الثاني له وجه عند الشافعية.
الكتاب أعني البخاري –صحيح البخاري- بالنسبة للخطابي مروي من طريق إبراهيم بن معقل النسفي إلا أحاديث من آخره فرواها من طريق الفربري، رواية النسفي في الكتاب تنتهي في صفحة (١٧٩٥) من الجزء الثالث.
1 / 11
مسائل الاعتقاد في الكتاب فيها خلط، وفيها أيضًا خبط عجيب، سلك فيه مسلك الخلف في التأويل، وفي نفي الصفات، في صفحة (٥٢٩) من الجزء الأول قال: "فالذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن نعلم أن ربنا ﷿ ليس بذي صورة ولا هيأة، فإن الصورة تقتضي الكيفية، وهي عن الله وعن صفاته منفية، قد يتأول معناها على وجهين فذكرهما" سلك مسلك التأويل في كثير من الصفات، أوّل صفة (الضحك) بما لا يتلائم مع مذهب السلف كما في صفحة (١٣٦٥و١٣٦٧و١٣٦٨) من الجزء الثاني، وفي الجزء الثالث قرر أن الأسماء والصفات لا تثبت، وضع قاعدة، قرر أن الأسماء والصفات لا تثبت إلا بكتاب ناطق، لا بد أن يكون دليلها من القرآن، أو خبر مقطوع بصحته، فإن لم يكونا فيما يثبت من أخبار الآحاد المستندة إلى أصلٍ، فإن لم يكونا يعني إن لم يكن نص من القرآن أو من الخبر المقطوع بصحته ويقصد بذلك المتواتر، يقول: إن لم يوجد من القرآن أو من المتواتر فبما يثبت من أخبار الآحاد المستندة إلى أصلٍ في الكتاب أو في السنة المقطوع بصحتها، أو بموافقة معانيها، يعني أن الأسماء والصفات لا تثبت إلا بالنصوص القطعية، ويقصد بذلك الآيات والأحاديث المتواترة، أما أحاديث الآحاد وأخبار الآحاد وهي عنده لا تفيد إلا الظن فلا تثبت بها العقائد، ومنها الأسماء والصفات، يقول: وما كان بخلاف ذلك فالتوقف عن إطلاق الاسم به هو الواجب، ويتأول حينئذٍ على ما يليق بمعاني الأصول المتفق عليها من أقاويل أهل الدين والعلم مع نفي التشبيه فيه، يقول: هذا هو الأصل الذي نبني عليه الكلام، ونعتمده في هذا الباب، يقول -لأن الكلام بمناسبة حديث الأصابع- يقول: "وذكر الأصابع لم يوجد في شيءٍ من الكتاب ولا من السنة التي من شرطها في الثبوت ما وصفناه" يعني ثبوتها ليس بقطعي وإن كانت في صحيح البخاري، هذا القول يقول به كثير من المتأخرين الذين يسمون الخلف، وهم بإسكان اللام أحرى، في صفحة (٢٢٣٨) تأول صفة (الفرح) بالرضا بالتوبة وقبولها، يقول: "والفرح الذي تعارفه الناس في نعوت بني آدم غير جائز على الله ﷿" نعم، الفرح الذي يشبه فرح المخلوق لا يقال به بالنسبة لله ﷾، وإنما يثبت الفرح على ما يليق
1 / 12
بجلاله وعظمته كما هو معروف من منهج أهل السنة والجماعة.
التردد، قوله سبحانه: «ما ترددت في شيء ...» هذا في الحديث الصحيح –حديث قدسي- صفحة (٢٢٥٩) قال: "التردد في صفة الله ﷿ غير جائز"، ثم تأوله على وجهين فذكرهما، هذا منهجه في تقرير مسائل الاعتقاد في هذا الكتاب، وفي معالم السنن أيضًا، لكن الذي نقل عنه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في الجزء الخامس صفحة (٥٨ و٥٩) بواسطة رسالته في الغنية عن الكلام وأهله، نقل عنه شيخ الإسلام ما يخالف هذا الكلام، ولعله رجع عن مسلكه السابق.
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- نقلًا عن الخطابي: يقول: "فأما ما سألت عنه من الصفات، وما جاء منها في الكتاب والسنة فإن مذهب السلف إثباتها وإجرائها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا بذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، وإنما القصد في سلوك الطريق المستقيم بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي والجافي والمقصر عنه، والأصل في هذا –كلام نفيس- والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات -هذا كلام الخطابي- ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلومًا أن إثبات الباري –سبحانه- إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجودٍ لا إثبات تحديدٍ وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، وما أشبهها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولسنا نقول: أن معنى اليد القوة أو النعمة، ولا معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: أنها جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إن القول إنما وجب بإثبات الصفات؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وعلى هذا جرى قول السلف في أحاديث الصفات" هذا كله كلام الخطابي مما نقله عنه شيخ الإسلام.
1 / 13
فنقول: لعل الإمام الخطابي -رحمة الله عليه- رجع عن قوله في مسائل الأسماء والصفات إلى هذا، ولذا نقله شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- مقررًا له، ولا يخفى عليه ﵀ ما سطره في كتبه الأخرى، يقول في الغنية عن الكلام وأهله، كتاب اسمه (الغنية عن الكلام وأهله) للخطابي ما أعرفه وجوده.
أقول: مثل هذا الكلام الذي نقلناه عن الخطابي في الأسماء والصفات والتأويل هو موجود مع الأسف الشديد في غالب الشروح، إذ لا يسلم منها إلا القليل النادر، وحبذا لو انبرى لهذه الكتب من التفاسير والشروح من يوثق بعلمه وعقيدته وفهمه وعلق عليها تعليقات تكون مختصرةً نافعة، كما فعل شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀ في تعليقه على أوائل فتح الباري، تعليقات نفيسة بأسطر قليلة جعل الله ﷾ فيها من البركة ما جعلها تدور في الأقطار، وتصحح كثيرًا من المفاهيم، الكتاب حتى فتح الباري على ما سيأتي الحديث عنه لم يسلم من نقل أقوال المأولة في الصفات، ومع ذلك ينقل أقوال السلف وينقل أقوال غيرهم ويسكت ولا يرجح، المقصود أن مثل هذه الأقوال تحتاج إلى تعليق لطيف يبين الحق في هذه المسائل.
هناك من الكتب ما يسلم -وإن كان قليلًا- من هذه الملاحظات كشرح الحافظ بن رجب -رحمه الله تعالى-؛ لكنه لم يكمل كما سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله تعالى-.
شرح النووي لصحيح البخاري:
1 / 14
نظرًا لضيق الوقت نعرض بسرعة للقطعة التي شرحها النووي من الصحيح، شرع أبو زكريا يحيى بن شرف النووي في شرح الصحيح؛ لكن المنية اخترمته قبل أن يقطع فيه شوطًا كبيرًا، فلم يشرح من الصحيح سوى بدء الوحي وكتاب الإيمان فقط، وهو شرح كما وصفه مؤلفه بأنه متوسط بين المختصرات والمبسوطات، لا من المختصرات المخلات، ولا من المبسوطات المملات، يقول: "ولولا ضعف الهمم، وقلة الراغبين في المبسوط لبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات" الكلام صحيح، العمر ينتهي قبل أن يقرأ الإنسان الشروح التي كتبت على الصحيح فضلًا عن أن ينتقي منها ما يراه مناسبًا، ويستطرد في الشرح ويذكر كل ما يحتاج إليه من فوائد البخاري، يقول: "ولولا ضعف الهمم وقلة الراغبين في المبسوط لبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات مع اجتناب التكرير والزيادات العاطلات، بل ذلك لكثرة فوائده، وعظم عوائده الخفيات والبارزات".
ابتدأ النووي -رحمه الله تعالى- شرحه بمقدمة ذكر فيها أهمية علم الحديث، ومنزلة الإمام البخاري وصحيحه ورواته، وذكر فيها أيضًا سبب تصنيفه، ثم ذكر فهرسًا لكتب الصحيح وعدد أحاديث كل كتاب، ثم ذكر فصلًا عن أبي الفضل بن طاهر في طبقات من روى عنهم البخاري، ثم ذكر أسانيده إلى الإمام البخاري ثم أشار إلى بعض المسائل الاصطلاحية، يعني ذكر طبقات من روى عنهم الإمام البخاري مهم جدًا، حينما تعرف أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- روى عن المكي بن إبراهيم بدون واسطة، وهذا غالب الثلاثيات من طريقه، ثلاثيات الصحيح من طريق المكي ابن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، أعلى ما في الصحيح، حينما تنظر في الصحيح تجد البخاري روى عن المكي بن إبراهيم بدون واسطة، تجده في موضعٍ آخر روى عن المكي ابن إبراهيم بواسطة ثلاثة أشخاص، فإذا عرفت طبقات الرواة سلمت من توهّم سقوط راوٍ أو أكثر حينما يروي عن مثل المكي ابن إبراهيم بدون واسطة، ويروي عنه في مواضع بواسطة، فعلمك بهذه الطبقات يجنبك مثل هذا الوهم، ختم المقدمة بضبط جملةٍ من الأسماء المتكررة في الصحيحين من المشتبه.
1 / 15
يمتاز شرح النووي -رحمه الله تعالى- بالإطالة في تراجم الرواة، يترجم لرواة الأحاديث، ويطيل فيها إطالةً نسبية بالنسبة إلى الشروح الأخرى فيذكر سيرهم وما يستحسن ويستطرف من أخبارهم، ولا شك أن في هذا فائدة للقارئ وتنشيط لهمته والأخبار في الجملة محببة إلى النفوس، فيكون فيها متعة واستجمام من جهة، لكن هذه الإطالة في تراجم الرواة صارت على حساب معاني الأحاديث، وما يستنبط منه من أحكام وآداب وفوائد، فمثلًا الحديث الرابع، استغرق عند النووي صفحات جلها في تراجم الرواة من (٦٦) إلى صفحة (٧٠) من الشرح من (٦٦) إلى (٧٠) بدأ بشرح الحديث الرابع، ترجم لابن عباس في صفحة ونصف، بعده سعيد بن جبير في صفحة .. الخ، ثم في منتصف صفحة (٧٠) منتصف الصفحة الأخيرة فصل في معنى الحديث: قول ابن عباس ﵄ .. الخ، منتصف الصفحة الأخيرة هو بيت القصيد، نعم تراجم الرواة مهمة لكنها في مثل هذا الكتاب الذي التزم مؤلفه الصحة، وانتقى من الرواة أعلاهم، ومن رواياتهم أثبتها، تكون فائدة التراجم أقل؛ لأن للتراجم كتب مستقلة، لكن بيت القصيد معاني الحديث، ألفاظه وما يستنبط منه من أحكام وآداب، النووي -رحمه الله تعالى- قصر في هذا الجانب، شرحه لذيذ وممتع لكنه في هذا الجانب فيه قصور، ووصفه بأنه شرح مختصر، والنووي كما يلاحظ من كتبه يعتني بالتراجم لا سيما بتراجم من عرف بالزهد والعبادة فيذكر تراجم هؤلاء بإسهاب، ويذكر من أخبارهم ما يستلذ ويستطاب، تنشيطًا لهمم القراء، وإشادةً وإفاءً لبعض حقوق هؤلاء؛ لأنه هو ﵀ من هذا النوع، صاحب علم وأيضًا عبادة وزهد وورع، وهو مشهور بذلك، وبهذا يكون الوقت تمت الساعة المتفق عليها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الأسئلة المطلوبة الإجابة عليها كثيرة، لكن نقتصر منها بما له صلة بموضوع هذه الدروس.
يقول: يتميز صحيح البخاري بكثرة الروايات، وبعض الروايات تزيد وبعضها تنقص، فهل تبينون لنا روايات البخاري لا سيما الروايات التي عليها الشروح المشهورة؟
1 / 16
أما بالنسبة لروايات الصحيح، كما أشار الأخ كثيرة، قد روى الصحيح عن مؤلفه ما يقارب التسعين ألفًا من الرواة، لكن الروايات التي اتصلت بالأسانيد إلى وقتنا معروفة ومحصورة، ولعل من أشهرها وأوفاها رواية أبي ذر التي اعتمد عليها الحافظ ابن حجر في شرحه، ومن الروايات ما اعتمده الخطابي وأشرنا إليه بالأمس رواية إبراهيم بن معقل النسفي، من الروايات المشهورة أيضًا رواية حماد بن شاكر، وهي تنقص قليلًا عن رواية أبي ذر، والروايات كثيرة، والله المستعان، لكن أوفى الروايات رواية أبي ذر، وهي أشهر الروايات وأتقنها، والحافظ اليونيني -رحمه الله تعالى- اعتنى بهذه الروايات، وقابل بينها، ورمز لكل رواية بحرف، وأثبت فروق هذه الروايات، على هامش نسخته بدقة وإتقان، ومن أراد صورة ما كتبه اليونيني وأتقنه وحرره وهذا الكلام سابق لأوانه فعليه بإرشاد الساري للقسطلاني، الذي يعتني بذكر جميع الفروق، سواء ترتب على هذه الفروق فائدة أو لم يترتب عليه فائدة، بخلاف الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- فقد اعتمد على رواية أبي ذر فقط، وأشار إلى ما عداها عند الحاجة، فلم يستقصي جميع الروايات، ولم يذكر جميع الفروق، إنما أشار إلى ما يحتاج إليه.
يقول: أسماء الطبعات الجيدة والمحققة لكتب الشروح حيث لا يخفى عليكم انتشار الكتب التجارية؟.
1 / 17
هذه الشروح الكبيرة في نشرها وطباعتها والعناية بها ما يحتاج إلى نيّةٍ خالصة؛ لأن مجرد قصد التجارة لا يوفي هذه الكتب حقها؛ لأنه إذا كان النشر بنية التجارة فقط فالناشر يحاول أن يسدد ويقارب فلا يمضي فيها وقتًا يخسر فيه من جهةٍ أخرى، وإن كسب سمعةً وشهرة؛ لكن تأخير الطبع الذي يقتضيه أو تقتضيه العناية يكلفه أشياء من أشياء مادية أخرى، على كل حال الشروح أما بالنسبة لشرح الخطابي فهو لم يطبع إلا مرة واحدة، وهو بتحقيقٍ جيد لا بأس به في رسالة دكتوراة، وشرح النووي القطعة التي شرحها النووي طبعت مرة واحدة في المطبعة المنيرية، وهي طبعة جيدة ولم يعد طبعه بعد، بعد ذلكم الشروح التي يتحدث عنها فيما بعد تذكر طبعاتها أثناء الحديث عنها، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- نقل عن الخطابي ما ذكرناه عنه في كتاب الغنية عن الكلام وأهله في مجموع الفتاوى في الجزء السادس صفحة (٥٩ و٦٠ أو ٥٨ و٥٩) بهذا الحدود.
طالب:. . . . . . . . .
يمكن الخامس، نعم الخامس، هو موجود عندي، مدون حتى على الفتاوى نفسها.
يقول: هل هناك شرح (مختصر البخاري) للزبيدي، وشرح (مختصر مسلم) للمنذري مطبوع موجود في السوق الآن؟
نعم، هناك شروح للمختصرات، منها شرح الشرقاوي المسمى (فتح المبدي) على الزبيدي، أقول: هذا الكلام وكانت النية أن نتحدث عن هذه المختصرات وشروحها، لكن أتصور أن الوقت لا يكفي، مناسبة هذا السؤال نقول باختصار: الزبيدي له مختصر جيد لصحيح البخاري وعليه شروح منها (فتح المبدي) للشرقاوي، وهو شرح تحليلي جيد في الجملة إلا أنه لا يسلم من المخالفات، فمما قاله في كتاب الطلاق: "وقال ابن تيمية التابع للروافض والخوارج"، هذه تنبئ عن شيء، لا يسلم الكتاب من مخالفات، لكنه يحلل الكتاب تحليلًا لفظيًا، أنفس منه بالنسبة لمختصر الزبيدي شرح الشيخ صديق حسن خان واسمه (عون الباري) هذا شرح نفيس وجيد، ويستفيد منه طالب العلم الذي لا يحتاج إلى ما في البخاري من تكرار وأسانيد، شرح صديق مأخوذ في الجملة -في جملته- من إرشاد الساري، ويتميز شرح صديق بنقده للقسطلاني فيما يخالف فيه من مسائل الاعتقاد، وهذه ميزة يمكن أن يستفاد منه فيها.
1 / 18
مختصر صحيح مسلم للمنذري له أيضًا شرح للشيخ صديق حسن خان اسمه (السراج الوهاج) طبع قديمًا بالهند ثم صور وطبع أخيرًا في قطر، هو شرح جيد نفيس فيه مباحث لا توجد في شروح مسلم.
يقول: عندما يريد الطالب المبتدي في دراسة شروح الكتب الستة فما هي الكتب التي تراها مناسبة لدراستها؟ سواء شروح البخاري أو غيره من الكتب الستة؟
حقيقةً شرح الكرماني الذي نتحدث عنه الآن مناسبة للبداية إلا أنه لكثرة المخالفات فيه سواء كانت مما يتعلق بالكتاب نفسه المشروح أو في المسائل الحديثية عمومًا أو في مسائل الاعتقاد لا ينبغي للمبتدئ أن يقرأ فيه، لكن طالب العلم المتوسط ينصح به، لكن أولى ما يبدئ به بالنسبة لصحيح البخاري شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-، أما البدء بفتح الباري، كما قال السائل: بحر لا ساحل له، صحيح، والحديث عنه طويل ولعلنا نبدأ في الحديث عنه في نهاية الدرس إن أمكن، الفتح بحر كما قيل، وله مختصرات سيأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى-، لكن ما يمنع أن يستفاد منه ويراجع عند الحاجة، أما بداءة طالب العلم المبتدئ فيه فلا أراها، لأنه كتاب طويل، وفيه مباحث قد يصعب عليه فهمها، فلا يؤمن أن يترك الطالب؛ لأن أول ما يقدم للطفل بعد الفطام الأشياء الخفيفة، السهلة الهضم، أما أن يؤتى له بلحم جملٍ كبير وهو بعد الفطام مباشرة هذا ما يناسبه، فتح الباري كتاب نفيس ومملوء بالفوائد ومشحون بالفرائد في جميع الفنون إلا أنه بالنسبة للصغار قد يحملهم على ترك القراءة، فالطالب في بداية الأمر ينبغي أن يبدأ بالأسهل ثم الأسهل ثم يترقى بعد ذلك، يبدأ بالأسهل ثم يترقى، فلو قرأ قبل فتح الباري شرح النووي على مسلم، على ما سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله- مع ما فيه من المخالفات إلا أنه شرح نفيس لا يستغني عنه طالب العلم.
يقول: هل يحسن بمن قرأ اختصار علوم الحديث وكرره ينتقل إلى ألفية العراقي مع شرحها؟
1 / 19