والثاني: أنه لما خطب لبني العباس بلغه، فاغتم، فمات. وقيل: إن أهله أخفوا عنه ذلك على ما ذكرناه.
والثالث: أنه لما أيقن بزوال دولته، كان في يده خاتم له فص مسموم، فمصه فمات. وجلس صلاح الدين في عزائه، ومشي بين يدي جنازته، وتولى غسله وتكفينه ودفنه عند أهله.
وقال ابن الأثير (^١): ولما اشتد مرض العاضد أرسل يستدعى صلاح الدين، فظن أن ذلك خديعة، فلم يمض إليه، فلما توفي علم صدقه، فندم على تخلفه عنه. وكان صلاح الدين يقول: لو علمت أنه يموت من هذا المرض ما قطعت خطبته إلى أن يموت.
وقال ابن خلكان (^٢) قيل: إنه حصل له غيظ من شمس الدولة تورانشاه بن أيوب أخو صلاح الدين، فسمّ نفسه فمات، والله أعلم.
قال العماد (^٣): ولما وصل الخبر بموت العاضد، في ليلة عاشوراء سنة سبع وستين وخمسمائة، بعد الخطبة بمصر للمستضيء بأمر الله أمير المؤمنين، عملتُ هذه الأبيات. فذكر قصيدة منها:
تُوُفِّىَ العَاضِدُ الدَّعِيُّ، فَمَا … يَفْتَحُ ذُو بِدْعَةٍ بِمِصْرَ فَمَا
وَعَصْرُ فِرْعَوْنِها انْقَضَى، وَغَدا … يُوسُفُها فِي الأُمُورِ مُحْتكِمَا
وَانْطَفَأَتْ جَمْرَةُ الْغُوَاةِ، وَقَدْ … بَاحَ مِنَ الشِّرْكِ كُلَّ مَا اضْطَرَمَا
وصَارَ شَمْلُ الصَّلاحِ مُلْتَئِمًا … بِهَا، وَعَقْدُ السَّدَادِ مُنْتَظِمَا
لَمَّا غَدَا مُعْلِنًا شِعَارَ بَنِي الْـ … ـعَبّاسِ حَقًا، وَالْبَاطِلَ اكْتَتَمَا
وَبَاتَ دَاعِىَ التَّوحِيدِ مُنْتَصِرًا … وَمِنْ دُعَاةِ الإِشْرَاكِ مُنْتَقِمَا
وَظَلَّ أَهْلُ الضَّلال في ظُلَلٍ … دَاجِيَةٍ مِنْ غَيَابَةٍ وَعَمَى (^٤)
_________
(^١) انظر: الكامل، جـ ١٠، ص ٣٣ - ٣٤ حيث ينقل العينى عنه بتصرف.
(^٢) انظر: وفيات الأعيان، جـ ٣، ص ١١٢.
(^٣) انظر: الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٤٩٥ - ٤٩٦.
(^٤) "وعما" في نسخة ب.
1 / 76