وفي المرآة (^١): وفيها نزلت الفرنج على دمياط يوم الجمعة ثالث صفر، وجدّوا في القتال، وأقاموا عليها ثلاثة وخمسين يومًا يضربونها بالمجانيق (^٢)، ويزحفون إليها ليلًا ونهارًا.
ووجه إليها صلاح الدين العساكر مع شهاب الدين (^٣) خاله "وتقي الدين" (^٤) وطلب من العاضد مالا فبعث إليه بشيء كثير. فكان صلاح الدين يقول: ما رأيت أكرم من العاضد؛ جهز إلى في حصار الفرنج ألف ألف دينار، سوى الثياب وغيرها.
واشتغل نور الدين ببلاد الفرنج بالغارات، ووقع فيهم الفناء. فرحلوا بعد أن مات منهم خلق كثير، وكان رحيلهم في ربيع الآخر. وفي شعبان سار نور الدين إلى الكرك، فنازله وضربه بالمجانيق، واجتمع ملوك الساحل وجاؤوه فتأخر إلى البلقاء (^٥).
وقال القاضي ابن شداد (^٦): لما رأى نور الدين ظهور الفرنج ونزولهم على دمياط، قصد شغل قلوبهم، فنزل على الكرك محاصرا لها في شعبان، وقصده فرنج الساحل، فرحل عنها، وقصد لقاءهم، فلم يقفوا له. ثم بلغه وفاة مجد الدين بن الداية (^٧) بحلب في رمضان، فاشتغل قلبه، لأنه كان صاحب أمره، فعاد يطلب الشام، فبلغه خبر الزلزلة (^٨) بحلب التي خرَّبت كثيرًا من البلاد. وسار يطلب حلب، فبلغه موت أخيه قطب
_________
(^١) مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٧٤ حيث ينقل العينى عنه بتصرف. ويذكر صاحب المرآة فقط أن مدة إقامة الفرنج على دمياط ثلاثة وخمسين يومًا، انظر ما سبق.
(^٢) "المناجنيق" في المرآة وهي آلة من خشب لقذف الحجر على العدو إلى مسافات بعيدة. القلقشندي: صبح الأعشي، ج ٢، ص ١٣٦ - ١٣٧.
(^٣) شهاب الدين محمود الحارمي، خال صلاح الدين الأيوبي، توفي سنة ٥٧٣ هـ/ ١١٧٧ م انظر: مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٢٢؛ وفيات الأعيان، ج ٧، ص ١٥٤، ص ١٦٣.
(^٤) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب. وهو الملك المظفر تقي الدين أبو سعيد عمر بن شاهنشاه بن أيوب ابن أخي السلطان صلاح الدين صاحب الديار المصرية، توفي سنة ٥٨٧/ ١١٩١ م. انظر: وفيات الأعيان، ج ٣، ص ٤٥٦ - ٤٥٨؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٦٩ - ٣٧٠ (ط. دار الكتب العلمية بيروت).
(^٥) البلقاء: كورة من أعمال دمشق، بين الشام ووادي القرى قصبتها عمان، انظر: معجم البلدان، ج ١، ص ٧٣٨.
(^٦) انظر قول ابن شداد في: النوادر السلطانية، ص ٤٢ - ٤٣ حيث ينقل العيني عنه بتصرف.
(^٧) هو مجد الدين أبو بكر بن الداية وسيأتي في وفيات هذه السنة، وعن أولاد ابن الداية انظر ابن واصل: مفرج الكروب، ج ٢، ص ٢٤؛ مرآة الزمان، ج ٨، ص ١٧٥ - ١٧٦؛ النعيمي: الدارس، ج ٢، ص ٢٥٩، القاهرة ١٩٨٨ م.
(^٨) انظر تفصيل خبر الزلزلة بالشام فيما سيأتي ص ٤١ - ٤٤.
1 / 35