فكتب إليه عمر: أما بعد، فإني والله ما أنا من أساطيرك التي تسطر ونسقك الكلام في غير مرجع، وما يغني عنك أن تزكّي نفسك. وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة فشاطره مالك؛ فإنكم أيها الرّهط الأمراء جلستم على عيران المال، لم يعوزكم عذر، تجمعون لأبنائكم، وتمهّدون لأنفسكم. أما إنكم تجمعون العار وتورّثون النار.
والسلام.
فلما قدم عليه محمد بن مسلمة صنع له عمرو طعاما كثيرا. فأبى محمد بن مسلمة أن يأكل منه شيئا. فقال له عمرو: أتحرّمون طعامنا؟ فقال: لو قدّمت إليّ طعام الضيف أكلته، ولكنك قدّمت إليّ طعاما هو تقدمة شر. والله لا أشرب عندك ماء. فاكتب لي كل شيء هو لك ولا تكتمه. فشاطره ماله بأجمعه، حتى بقيت نعلاه، فأخذ إحداهما وترك الأخرى! فغضب عمرو بن العاص فقال: يا محمد بن مسلمة، قبح الله زمانا عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه عامل. والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعلى ابنه مثلها، وما منهما إلا في نمرة «١» لا تبلغ رسغيه؛ والله ما كان العاص بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزوّرا «٢» بالذهب.
قال له محمد: اسكت، والله إن عمر لخير منك، وأما أبوك وأبوه ففي النار، والله لولا الزمان الذي سبقك به لألفيت مقتعد شاة يسرك غزرها «٣» ويسوءك بكؤها «٤» .
فقال عمرو: هي عندك بأمانة الله. فلم يخبر بها عمر.
وأبو سفيان في مال وأدهم
: ومن حديث زيد بن أسلم عن أبيه قال: بعث معاوية إلى عمر بن الخطاب وهو على الشام بمال وأدهم، وكتب إلى أبيه أبي سفيان أن يدفع ذلك إلى عمر- يعني بالأدهم القيد- وكتب إلى عمر يقول: إني وجدت في حصون الروم جماعة من أسارى
1 / 46