لاحظت وجود حاشية كبيرة من الخدم والحجاب والخادمات والجواري الحبشيات والسودانيات. وكن منقبات يلبسن الملابس البيضاء تقليدا للمسلمين.
رآني أتطلع مستغربا إلى الرجال الذين تزيوا بهيئة الجنود الفرنساوية.
ابتسم وقال: إنهم من الجيش القبطي. وأنا به برتبة ليفتنانت.
قلت: أنت جندي عند الفرنساوية؟
قال: اسمع. مصر محرومة من جيش وطني للأمة كلها بدلا من الجيوش المتناحرة للمماليك. ومعلمنا يعقوب كون النواة لهذا الجيش من فرقة قبطية دربها ضباط الحملة.
قلت: أنت إذن أوقعت بعبد الظاهر.
قال: لم يكن الأمر بهذا الشكل. لقد ذهبنا سويا إلى بيت في غيط العدة يختبئ به العسكري الفرنساوي. ولحظت على الفور امتلاء المكان حول البيت بعيون برطلمين؛ فأصررت على الانصراف وتركت عبد الظاهر يدخل البيت وحده. وعلمت بعد ذلك أن أعوان برطلمين هاجموا البيت وقبضوا على من فيه.
لم أقتنع بالقصة وبدا ذلك على وجهي.
قال وهو ينهض واقفا: صدقني هذا ما حدث. تعال معي.
ولجنا قاعة كبيرة امتلأت بالجالسين. ورأيت بينهم قبطا وشواما وأجانب ويهودا وضباطا كبارا من الفرنساوية. ودهشت عندما رأيت بعض الشيوخ المسلمين. وكانوا متوجهين باهتمامهم إلى رجل قوي البنية عظيم القامة يجلس في صدر المكان. أدركت أنه لا بد أن يكون المعلم يعقوب. كان في مستهل العقد الخامس، يرتدي جبة قطنية سوداء، وتحيط به مهابة لا تخطئها العين. ورأيت شيخا مسلما يقترب منه وينحني مقبلا يده، فعانقه المعلم بحرارة. ثم دخل أحد كبار الفرنساوية فنهض الجميع وقوفا وهرع المعلم مرحبا بضيفه، وتعانق الرجلان عناقا حارا، وأمسك المعلم بيده وطاف به القاعة مقدما له الحضور، ثم اختفيا في حجرة جانبية.
Bilinmeyen sayfa