هندام الثوب:
إذا رأيت شابا حسن الهندام نظيف الثياب ثمينها لا تشك في أنه كريم محب للترتيب، ويكون في الغالب مواظبا على عمله ثابتا في مباديه، وإذا كان ممن يفضلون من ألوان الألبسة داكنها كالأسود وفروعه فاعلم أنه من أهل الرزانة، أما إذا كان مبالغا في وقاية ثيابه من الأوساخ والغبار حريصا على الهندام حتى يمنع نفسه من الذهاب أو المجيء خوفا على حسن زيه فهو محب لذاته قليل العناية في أحوال ذويه وأصدقائه، لا يكترث بمساعدتهم أو النظر في شئونهم، وإذا رأيته مع مبالغته في النظافة الخارجية قليل العناية في نظافة ما تحت أثوابه من الألبسة البيضاء مهملا تنظيف جسمه فيغلب فيه الرياء والمداهنة، فهو يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب، وبعكس ذلك إذا رأيته كثير العناية في نظافة جسمه وترتيب أثوابه الداخلية دون الخارجية فاعلم أنه سليم الطوية مخلص، ينظر إلى حقائق الأشياء ولا يعتد بظواهرها، ولا يهمه مدحه الناس أو ذموه، ولكنه لا يصبر على سوء يرتكبه سهوا كان أو عمدا، ويكون في الغالب دقيق الإحساس حي الضمير، يعطي كل ذي حق حقه.
ومن كان ثوبه نظيفا غير مرتب يغلب في طباعه الإسراف والكسل، وإذا شاهدت ترتيبا في بعض أجزاء ثوبه دون البعض الآخر فهو محب للعمل ولكنه لجوج قليل الصبر، وإذا رأيت تفاوتا بين تلك الأجزاء كأن يكون بعضها ثمينا والبعض الآخر رخيصا، أو بعضها ضيقا والبعض الآخر واسعا، أو البعض الآخر قصيرا والبعض طويلا، أو رأيت ثوبه جديدا وطربوشه أو حذاءه قديما فاعلم يقينا أنه ضعيف الرأي قصير النظر في الأمور لا يصلح أن يكون مديرا في عمل من الأعمال.
والثوب الواسع المرتب النظيف دليل على صبر صاحبه ومواظبته وترويه واعتدال مشربه، فإذا كان مع سعة ثوبه قليل العناية بنظافته فيغلب أن يكون مهملا كسولا، وهكذا إذا شاهدت نقصا في حاجيات ثوبه، كأن تكون صدرته ناقصة الأزرار، أو أن يخرج بلا منديل في جيبه، أو نحو ذلك، وإذا لقيت صاحبا لك من ذوي اليسار وشممت من أثوابه رائحة البنزين أو زيت التربنتينا فاعلم أنه بخيل، وقد نظف ثوبه من النكت لئلا يحتاج إلى شراء ثوب جديد، وإذا رأيت في أثوابه رقعا أو رثيا فهو شديد البخل طماع، أما إذا فعل ذلك مدفوعا بضيق ذات يده فهو مقتصد مدبر.
الطربوش:
لا مشاحة في أن وسخ الطربوش يدل على الإهمال أكثر مما على البخل، وأما إذا رأيت عليه آثار التنظيف العنيف كالغسل أو نحوه فاعلم أن صاحبه شديد الحرص، ومن لبس طربوشه مائلا إلى الأمام حتى تبلغ حافته أعلى الحاجبين فهو معجب بجماله أو قوته، والغالب أنه يقدر نفسه أكثر مما هي، وإذا رأيته مع ذلك يرسل هداب طربوشه (الزر أو الشرابة) إلى الأمام فهو لا يخلو من البله، ومن يضع طربوشه وضعا أفقيا كان معتدل المزاج محنكا، وإذا أرسله إلى الوراء فهو كثير الاهتمام حازم متبصر، إلا إذا كان إرساله على هذه الصورة لإظهار شعره المدهون، وأما وضعه مائلا إلى أحد الجانبين فدليل على الإعجاب مع الخفة والاستسلام إلى الشهوات.
الشعر:
إن قص الشعر قصيرا حتى لا يحتاج إلى مشط في تسريحه يدل على إقدام صاحبه ونشاطه وانقطاعه إلى العمل، وأما قصه طويلا وتمشيطه على أشكال هندسية وشدة العناية في ترتيبه فدليل على الميل إلى التشبب والمغازلة، ويندر أن يكون صاحب هذا الشعر مقداما نشيطا. وإرسال الشعر طويلا وعدم العناية في تمشيطه وترتيبه من أكبر أدلة الكسل والإهمال، على أنها قد تكون دليلا على الاجتهاد؛ لانصراف ذهن صاحبه إلى أعمال أخرى هامة تستغرق كل وقته، وهذا نادر.
فراسة الأمم
فرغنا من فراسة الأعضاء في الإنسان الواحد إلى غاية ما بلغ إليه علماء هذا الفن، ونحن باسطون فيما يلي فراسة الأمم؛ لأن الباحث في أصناف الناس يرى لكل أمة صفات عامة تشترك فيها ظاهرا وباطنا على مثال ما قدمناه في «فراسة الأمزجة»، فقد تبين لك هناك أن أصحاب المزاج الواحد يتشابهون في ظواهرهم وفي بواطنهم، وكذلك أفراد الأمة الواحدة وأفراد الصنف الواحد من الناس؛ للأسباب التي قدمناها من علاقة الخلق الظاهر بالخلق الباطن، وهو أساس علم الفراسة.
Bilinmeyen sayfa