وقد كانت نتيجة تلك المقابلة عقد معاهدة أطلق عليها اسم زراونو، وكانت هي التي يقول عنها المتخرصون الساسة الاستعماريون، والمؤرخون الذين يراعون في تاريخهم حب النفس والأنانية: إنها نتجت عن خوف الأتراك من سوبيسكي، كانت نتيجة المعاهدة وأهم فقراتها: أن تأخذ تركيا بادوليا وأن تأخذ بولاندا الأكرين على شرط أن تدفع لهم كل سنة جزية مخصوصة.
انتهت الحرب على خير، فسار أحمد كوبريلي باشا ووجهته القسطنطينية، فكان هذا آخر عهدنا به، أما جون سوبيسكي فإنه توجه وقبلته وارسو محط رحاله وآماله.
سار إلى حيث يدعوه غرامه الطاهر، وحبه الشريف، سار إلى حيث يلاقي صوفيا، تلك التي كان خيالها لا يبرح ذهنه طول هذه الحرب الشعواء.
فسار حيث يلاقي غرامه ومجده، فإنه بلا شك كان منتظرا من الأمة والحكومة أن يكافئاه على ما قام به لهما من خدمات جليلة، لولاه لكان قضي الأمر، وصارت بولاندا مستعمرة تركية.
فلنسر معه حتى نرى كيف تكافئ الأمم الحية قادتها، بل كيف تفرح الشعوب بمنقذيها، وكيف ينال العاملون من خير رغما عن سعي أعدائهم وكيدهم، والله يجازي كلا على قدر عمله، إنه خير المحسنين.
الفصل السابع
في وارسو
سار سوبيسكي خارجا من وارسو في أول الحرب قاصدا ميدانها وبلاده تنظر إليه بعينين تائهتين كفتاة عذراء هجم عليها عدو ليغتصبها أو كاد؛ فبرز إليه من حيث لا يعلم قرن يناجزه فتناطحا وتبارزا.
هلعت الفتاة فاحتبست أنفاسها، ووقفت دقات قلبها، وسرى الدم باردا في عروقها، منتظرة نتيجة الكفاح لترى هل ينصر الله منقذها أم يرديه فتموت معه.
هكذا كان شأن وارسو مع الأتراك وسوبيسكي؛ فإنها كانت ساكنة هادئة، والأهلون لا ينبسون ببنت شفة، كأنما على رؤوسهم الطير، منتظرين وصول الأتراك بخوف وقلق.
Bilinmeyen sayfa