وإنما كان ذلك اليوم هو الخامس من شهر (آب) الذي دافع فيه جون سوبيسكي عن الشعب دفاع المستميت، بل هو اليوم الذي قابله فيه خادمها سرجيوس بخطابها الذي تدعوه فيه.
وذلك لأن ميخائيل ملك بولاندا استدعى الكونت سمولنسكي أباها بعد اجتماع المجلس وتقريره تلك القوانين.
فلما عاد استفسرته ابنته عما دار بينه وبين الملك أجابها قائلا: اطمئني يا ابنتي، فإنه لم يدعني إلا ليخبرني أن الأتراك برئاسة أحمد باشا كوبريلي صدرهم الأعظم قد احتلوا كامنياك احتلالا نهائيا، وأنهم يتقدمون بانتظام نحو العاصمة، وقد خيرني في انتخاب قائد لهم فأشرت عليه بانتخاب جون سوبيسكي. - ماذا يا أبي؟ هل ضاع حب الوطن من أفئدتكم؟ فإنك تروي لي خبر احتلال الأتراك لبادوليا وكامنياك بكل سهولة وبساطة، ثم تفاجئني بتعيين سوبيسكي أهل تريدون بهذا التعيين أن تبعدوا عن المجلس خيرة نوابه وأرقى منتخبيه؟! - ألا فاسكتي فإنه تقرر نهائيا ولا مرد لأمر جلالة الملك ونبلائه.
خرجت صوفيا من غرفة أبيها، وقد غص ريقها، وصار تعيين ذلك الحبيب قائدا لجيوش بولاندا قذى في عينيها، وشجى في حلقها، ولا ريب فإنهما ما يكادا يرتشفان كؤوس الحب الطاهر والغرام العذري حتى وافى نبأ الفراق، وحتم عليهما أن لا يتلاقيا بعد، وربما وافى حبيبها أجله المحتوم في تلك الحرب التي ولا ريب سيقاتل فيها مقاتلة الشجاع المستميت.
فكتبت تلك الرسالة ونادت سرجيوس، وقالت له:
سرجيوس، عليك بمقابلة جون، وإعطائه هذه الرسالة يدا بيد، ولا بد من إيجاده، وإن كان في المجلس فانتظره، وإياك أن تأتيني إلا بخبر يسرني، وما هو إلا إيجاده وإعطاؤه الرسالة. - سترين كل ما يسرك يا سيدتي.
غاب سرجيوس ورجع، فكان أول من قابله صوفيا؛ إذ كانت جالسة في حديقتها فسألته: أقابلته؟ - نعم يا سيدتي، وقد أخذ الرسالة، واستفسر من صحتك.
إذن فاستعد يا سرجيوس الليلة - في منتصف الليل - لأننا سنذهب إلى غار السعادة، فقد بلغ الأمر من الأهمية أكبرها. - سمعا وطاعة يا سيدتي.
انتصف الليل، ونامت وارسو، وساد عليها السكون، حتى الطبيعة فإنها شاركتها في ذلك السكون؛ فلم تكن تسمع غير حفيف الأشجار، وخرير نهر الفستيولا، فلم يكن هناك من انتبهت عيونهم ولم يشاركوا ذلك المجموع الآخر في نومه إلا ثلاثة، هم: جون سوبيسكي، وحبيبته صوفيا، وسرجيوس ملاكهما الحارس.
فلو سار القارئ في ذلك الوقت قاصدا ذلك الغار ملتقى العاشقين لوجد سرجيوس واقفا على بابه حارسا، وهما في الداخل يتشاكيان الغرام، ويتبادلان كؤوس المحبة.
Bilinmeyen sayfa