66

أنا أبو سعدى الزناتي خليفة

هنيئا لمن كان خالي عنا حقود.

فليس من المعقول أبدا أن يتخلى الزناتي عن استرخائه ولذائذه ليشغل نفسه بالتوافه وبكل صغيرة وكبيرة، ترك أمرها لجلاده الأصغر العلام بن هضيبة ابن أخته، الذي توسم فيه منذ أن تربى في حجره كل طاقات العنف وقسوة القلب وكل علامات الكره والحقد، فاكتمل ناحلا أصفر الوجه عبوسا على شاكلة كل منتش بسفك الدم وإهراقه، بل على شاكلة وطبائع الزناتي ذاته خاله ومعلمه الأول.

لذا فما إن تناهى إلى أسماع الزناتي خليفة خبر مفاده ذلك التسيب الحادث والفوضى عند مداخل بوابات تونس قرطاج، وبخاصة حين أسر له «عياره» - وكان عجوزا محنكا نافذ البصيرة - بالشك في تسلل بعض عيون عرب المشرق المعروفين بالهلالية، حتى انتفض كالملدوغ سائلا عن ابن أخته العلام بن هضيبة: أين العلام؟ ماذا يحدث؟! عيون بني هلال، يا لها من كارثة! هنا في تونس ... قرطاج؟!

ومضى يتساءل منزعجا عبر جنبات قصره يطرق كفا بكف غير مصدق: جواسيس عرب المشرق! جواسيس الهلالية! أيعقل هذا؟!

فكيف تصل الغفلة والتسيب بالعلام إلى حد تسلل عيون بني هلال وبصاصيهم إلى تونس بطولها وعرضها؟! وعلى هذا النحو يسوقه بصاصو الزناتي والعلام ذاته من دون التوصل إليهم أو إلى أثرهم، فهو ما لا يطاق: كارثة.

استدار سائلا في حدة: هذا أمر لا يمكن احتماله ...!

استدار الزناتي وهو يتفوه بهذه الكلمات نازلا عن عرشه المتوارث منذ ملوك اليمن من العرب العاربة أو الغابرة: لا يحتمل يا علام.

وحاول بعض المقربين من وزراء الزناتي تهوين الأمر: العلام في أي حال ابن شقيقتك ومن لحمك ودمك.

هنا استدار الزناتي وقد أصبح أكبر غضبا وهياجا رافضا هذا المنطق مشيرا بأطراف حربته المتعددة الرءوس إلى ذراع قائلا: إنه لن يتوانى عن قطعها - أي ذراعه - إذا توانت أو تراخت عن أمن تونس وقلاعها الحصينة، ثم أردف يقول: نخلة بلا طرح لها عندي دواء ... هو المنشاط.

Bilinmeyen sayfa