السركسي ما رأيت مثله فارس.
يفتح - يا أبا علي - على الحروب أبواب.
وما توصلوا إلى غايتهم حتى واصلوا سيرهم إلى دمشق التي كان يحكمها «شبيب التبعي» المسمى بالتبع شبيب بن مالك، ووزيره الحكيم المدعو «عميرة».
وكان ذلك التبع المتجبر يتسمى بشاحب العمود، ونجح أبو زيد والفرسان في الوصول قريبا من قصره ومدحه هو وزوجته «جنوب» في قصيدة.
وكالعادة ما إن يحط أبو زيد ورفاقه رحالهم بمدينة أبي نجع، حتى يمضي من فوره إلى الاجتماع بعيونه وعياريه الهلاليين، يصل إليهم أينما كانوا، تقلبت بهم حروفهم وماوريهم وحركاتهم وهجراتهم، وكأنه يتشمم مترصدا خطاهم.
إلى أن حطوا رحالهم على مشارف حلب الشهباء ذات مساء مكتمل القمر، ومن فوره أخرج أبو زيد عناوينه، ومنها عنوان المغنية الهلالية «مي»، حسب ما ذكره له أبو القمصان ووصاياه «الموحلة بالطين» كما كان يدعوها أبو زيد متندرا.
وكما لو أن الجارية الهلالية الحسنة الصوت والمحيا «مي» على موعد مع وصولهم؛ ذلك أن أبا زيد التقى بها من فوره ومنذ الأمسية الأولى التي حطت فيها قدماه أرض حلب الشهباء بقلاعها وساحاتها ومبانيها القوسية الحانية وموسيقاها الشجية ذات الألحان المعروفة وأسواقها المسقوفة وحواريها وحاراتها المرصوفة والحجارة ووراق بساتينها وسهراتها وغيطانها ذات الهواء العليل.
فما إن قاربوا قصر الأميرة «شاه الريم» الحصين الوافر الجنان، والتي تعمل عندها «مي» كأقرب جواريها، منشدين رافعين عقيرتهم بالغناء على أحوالهم، حتى جرت من فورها مشيرة إلى سيدتها التي كانت تعاني حصارا ضاريا من جانب وزيرها المقرب الوصي على عرشها، والذي كان يتهددها ليل نهار بالزواج منها عن رضا أو رغما عنها؛ لاغتصاب سلطتها دون أدنى شفقة.
جرت مي فرحة مستبشرة إلى سيدتها شاه الريم مؤكدة وهي تنصت إلى غنائهم كما لو كانت تحل رموز كلماتهم الملغزة: خالي أبو زيد، جانا مفرج الكربات.
وحين اختلت به وببقية الأمراء الهلاليين بهرها حسن يونس واعتداده وفروسيته حتى وهو تحت أصباغه ومساحيقه وهلاهيله البالية، فرحبت بهم وأدخلتهم خلسة إلى سيدتها التي حكت لهم دامعة العينين مأزقها مع وزيرها ومملوكها الجشع «الهصيص» الذي استبد بحقوقها مستغلا كونها فتاة مسكينة لا نصير لها.
Bilinmeyen sayfa