صحيح أنها انشغلت من رأسها لأخمص قدميها في إعادة ترتيب «البيت الهلالي» عقب مهامها الجديدة التي وضعتها في موقع الأم الكبرى للجميع، وبرغم حداثة سنها التي لم تتعد الرابعة والعشرين.
إضافة إلى أخذ الجازية وراثة الأميرة الأم - شماء - والانفراد الأكبر بالقرار، ويا له بالطبع من قرار أصبحت تفرضه الطبيعة المحيطة التي تحط بأثقالها وكوارثها على الهلالية وعرب الجزيرة عامة نتيجة للجدب الذي دخل عامه السادس وقوض كل أخضر ويابس في نجد وما حولها! وهو ما يستلزم الإقدام على الحركة السريعة اليقظة لتجاوز الكارثة التي لا حد لها. - اليوم قبل الغد.
وهو ما أكدته وصية الشماء وقتله الجميع بحثا، مطالبين بالخروج والهجرة ومعاودة الفتوحات قبل فوات الأوان.
لذا فالقرار هنا متروك بانتظار أن تنطق به يوما شفتا الجازية. - الرحيل.
لتنطلق على الفور طبول الحرب الكبيرة المسماة ب «الرجروج»، المتوارثة منذ أيام ملوك العرب القدامى وتباعنتهم، بدءا من يعرب أبي العرب العاربة وعبد شمس بن سبأ وحسان اليماني ومن نسلهم من التباعنة - جمع ملك أو تبع - لذا فالقرار الكبير الملح بالزواج يجيء في رأس الجازية وفي مخيلتها في غير أوانه. ومما زاد الأمر تعقيدا تلك الضغوط بطلب الزواج منها من الأميرين دياب وشكر وهي على هذا النحو؛ من الكدح والطحن اليومي في نجد وما حولها من مدن وكيانات ومضارب تبعد آلاف الفراسخ، وعليها أن تقطعها طولا وعرضا ليل نهار تتلقى سيول الكوارث تلو الكوارث من التي تراكمت في السنوات الأخيرة على عرب الجزيرة.
وهو ما لم يعتقده الهلاليون الذين بدوا على مدى سنين الجدب الأخيرة السبع أقرب إلى عقد منفرط الخرزات بإزاء الكوارث التي حطت والتي أوهنت من سواعدهم الضاربة مشرقا ومغربا، بل والأكثر مرارة هنا هو تمرد حلفائهم عليهم أخذا بمبدأ «وقع الجمل وكثرت سكاكينه».
لذا فالأولوية هنا من وجهة نظر الجازية هو تضميد ما يمكن من جراحات، وترطيب أفواه هدها العطش وجفاف الأفواه من كبيرها لصغيرها لدرجة الإقدام على بيع كنوز الشماء أمها التي «تقطع بمال الغرب وأبوه»، والتي لا نهاية لندرتها، لشراء ما يلزم من ضرورات سد الرمق.
باعها أبو زيد الهلالي في ربوع الهند وتركستان والأندلس وبلاد اليونان ليشتري ما يسد به الأفواه، وباعها دياب بن غانم في بحر العرب لإطعام قبائله المتحالفة.
وتلك كانت فرحة أمها الشماء الكبرى قائلة لكل من طالبها بالإبقاء على بعض ممتلكاتها: هي ملك الناس، تعود إليهم.
حتى إذا ما نضبت كنوز أمها، فتحت هي بنفسها المخازن والمؤن للجميع حسب رغبة السلطان حسن، ولو كانت جبلا لنضب واختل. - ماذا أفعل؟!
Bilinmeyen sayfa