88

* وصل

فتبا وتعسا لأوهام عامية خسيسة زعمت أن اللذات القوية المستعلية هي الحسية ، وأن ما عداها لذات ضعيفة ، وكلها خيالات غير حقيقية.

قال في الإشارات : وقد يمكن أن ينبه من جملتهم من له تمييز ما ، فيقال له : أليس ألذ ما تصفونه من هذا القبيل هو المنكوحات ، والمطعومات ، وأمور تجري مجراها ، وأنتم تعلمون أن المتمكن من غلبة ما ، ولو في أمر خسيس كالشطرنج والنرد ، قد يعرض له مطعوم ومنكوح فيرفضه لما يعتاضه من لذة الغلبة الوهمية ، وقد يعرض مطعوم ومنكوح في صحبه حشمة (1) فينفض اليد منهما مراعاة للحشمة ، فتكون مراعاة الحشمة آثر وألذ لا محالة هناك من المطعوم والمشروب ، وإذا عرض للكرام من الناس الالتذاذ بإنعام يصيبون موضعه آثروه على الالتذاذ بمشتهى حيواني متنافس فيه ، وآثروا فيه غيرهم على أنفسهم مسرعين إلى الإنعام به.

وكذلك فإن كبير النفس يستصغر الجوع والعطش عند المحافظة على ماء الوجه ، ويستحقر هول الموت ، ومفاجأة العطب عند مناجزة الأقران والمبارزين ، وربما اقتحم الواحد منهم على عددهم ممتطيا ظهر الخطر ، لما يتوقعه من لذة الحمد ، ولو بعد الموت ، كأن تلك تصل إليه وهو ميت ، فقد بان أن اللذات الباطنة مستعلية على اللذات الحسية.

Sayfa 108