قلت: «إلى البارحة فقط كنت قد خلفت ورائى شبابى، وفى هذا الصباح، أو فى الليل فما أدرى، دار الزمن - بى وحدى على ما يظهر - دورة انقلب معها الحال فصار قدامى ما كان ورائى، ماذا كنت أنت أمس؟ طفلة؟ امرأة عجوزا؟ الحاجة زكية»؟
فلمست جبينى بكفها وسألتنى: هل أنت مريض؟
أتشعر بشىء على خلاف العادة»؟
فقلت - برغمى، وإن كنت أدرك أن هذا عبث لا طائل تحته، وقد يجر على ما لا أحمد: «نعم أشعر، وأعرف، يقينا، أن كل شىء على خلاف العادة، ولكنى لست مريضا. أوه. ما الفائدة؟ لن تفهمى. ولن تصدقى إذا فهمت ...».
وأوليتها ظهرى، واتجهت إلى الباب، فلما بلغته سألتها: «هل أظل محبوسا فى الغرفة والشرفة»؟
فأسرعت إلى، وقالت: «أنا متعجبة وخائفة، فليست هذه عادتك».
فلم أرحمها وقلت: «إن كل ما اعتدته تغير - كل شىء تغير - صدقينى وإن لم تفهمى، وقولى لى ماذا ينبغى أن أصنع الآن»؟
قالت: «أرجو إذا نزلت إلى ماما أن لا تتكلم هكذا فإنه لن يسرها، وفى يوم عيدك على الخصوص ... ليتنى أعرف ما بك»؟
فرق لها قلبى، وهممت أن أقبلها شكرا لها على عطفها، واندفعت يداى تريدان تطويقها، ولكنى صددت نفسى مستحييا. وإنى لغلام صغير فيما ترى، ولكن إحساسى إحساس رجل، وطاف برأسى أن هذه فرصة لى، إذا شئت اغتنمتها فلن تردنى عن عناقها وتقبيلها، فما تدرى إلا أنى طفل، ويغنم الرجل الذى انطوى عليه، والذى تنكر فى زى غلام، حلاوة القبلة ومتعتها. ولكنى صرفت نفسى عما يغريها بذلك ، وقلت لها فيما قلت: إنها قد تحنو على، ويعطفها ما يعطف المرأة على الصغار، وقد تحتمل ثقل تقبيلى لها وتعلقى بعنقها، لأنى صغير يلاطف، وقد يسر الأم الكامنة فى نفسها أن يلاعبها طفل، ولكنها لن تستحلى القبلة أو تستطيبها وتستمتع بها إلا من رجل، وما خير قبلة لا تبادلنيها؟ وأنفت أيضا أن أخدعها، وإن كان ما تحولت إليه ليس من فعلى أو تدبيرى.
وقلت لها: «ألا ترافقيننى إلى حيث ماما»؟ فابتسمت وقالت: «كأنك لا تعرف طريقك ... إن كل أحوالك اليوم غريبة. كلا. لا أستطيع مرافقتك. فإن عملى هنا، وهو كثير، كما تعلم».
Bilinmeyen sayfa