فقاطعه الأمير أيضا وقال: «أحدث عهدا - أحدث عهدا».
فانحنى النديم للمرة الثالثة ، وأخذ يترنم بمقاطيع موشح أندلسي.
فقال الأمير «أنشدنا قصيدة لشاعر معاصر».
فرفع النديم يده إلى جبهته كأنه يريد أن يستحضر إلى حافظته كل ما نظمه شعراء العصر، ثم برقت عيناه، وتهلل وجهه، وطفق يرتل أبياتا خيالية ذات رنة سحرية، ومعان رقيقة مبتكرة، وكنايات لطيفة نادرة تجاور النفس فتملؤوها شعاعا، وتحيط بالقلب فتذيبه انعطافا.
فحدق الأمير بنديمه وقد استهوته نغمة الأبيات ومعانيها، وشعر بوجود أيد خفية تجذبه من ذلك المكان إلى مكان قصي، ثم سأل قائلا: «لمن هذه الأبيات؟».
فأجاب النديم «للشاعر البعلبكي».
الشاعر البعلبكي!
الشاعر البعلبكي ... كلمتان غريبتان تموجتا في مسامع الأمير، وولدتا في داخل روحه النبيلة أشباح أميال ملتبسة بوضوحها، قوية بدقتها.
الشاعر البعلبكي: اسم قديم جديد، أعاد إلى نفس الأمير رسوم أيام منسية، وأيقظ في أعماق صدره خيالات تذكارات هاجعة، ورسم أمام عينيه بخطوط شبيهة بثنايا الضباب صورة فتى ميت يعانق قيثارة، وقد وقف حوله القواد، والكهان والوزراء.
وامحت هذه الرؤيا أمام عيني الأمير مثلما تتوارى الأحلام بمجيء الصباح، فوقف ومشى جامعا ذراعيه على صدره، مرددا آية النبي العربي
Bilinmeyen sayfa