ولكن إذا قال لهم: «إن الأمة السورية تقضم قوت الحياة بأضراس مسوسة، وإن كل لقمة تلوكها تمتزج بلعاب مسمم، وإنه قد نتج عن ذلك مرض في أمعائها» إذا قال هذا يجيبونه بقولهم: «نعم، ونحن الآن منصرفون إلى درس أحدث المساحيق وأجد المخدرات».
وإذا قال لهم: «ما قولكم بالاستئصال؟» يضحكون منه؛ لأنه لم يدرس طب الأسنان الشريف.
وإذا أعاد السؤال ثانية يبتعدون عنه متضجرين قائلين في نفوسهم: «ما أكثر الخياليين في هذا العالم، وما أوهى أحلامهم».
مساء العيد
جاء المساء، وغمر الظلام، فشعشعت الأنوار في القصور، والمنازل، وخرج الناس إلى الشوارع بملابس العيد الجديدة، وعلى وجوههم سيماء البشر، والاستكفاء، ومن بين دقائق لهاثهم تنبعث رائحة المآكل والخمور ...
أما أنا فسرت وحيدا، منفردا، مبتعدا عن الزحام، والضجيج أفكر بصاحب العيد.
أفكر بنابغة الأجيال الذي ولد فقيرا، وعاش متجردا، ومات مصلوبا ...
أفكر بالشعلة النارية التي أوقدها الروح الكلي في قرية حقيرة بسوريا، فطافت مرفرفة فوق رؤوس العصور مخترقة مدنية بعد مدنية ...
ولما بلغت الحديقة العمومية، جلست على مقعد خشبي أنظر من خلال أغصان الأشجار العارية نحو الشوارع المزدحمة، وأسمع عن بعد أناشيد المعيدين السائرين في موكب اللهو والخلو ...
وبعد ساعة مفعمة بالأفكار والأحلام التفت، وإذا برجل جالس بقربي على المقعد، وفي يده عصاه يرسم بطرفها خطوطا ملتبسة على التراب ... فقلت في نفسي: «هو مستوحد مثلي» ثم تفرست إليه متبصرا شكله؛ فألفيته رغم أثوابه القديمة، وشعره المسترسل المشوش ذا هيبة ووقار ... وكأنه قد شعر بأنني أنظر إليه متفحصا شكله، وملامحه فالتفت نحوي، وقال بصوت عميق هادئ «مساء الخير» فأرجعت التحية قائلا: «أسعد الله مساءك».
Bilinmeyen sayfa