وسمعت الوردة ما قالته جارتها البنفسجة؛ فاهتزت ضاحكة ثم قالت: «ما أغباك بين الأزهار، فأنت في نعمة تجهلين قيمتها، فقد وهبتك الطبيعة من الطيب، والظرف، والجمال ما لم تهبه لكثير من الرياحين، فخل عنك هذه الميول العوجاء، والأماني الشريرة، وكوني قنوعة بما قسم لك، واعلمي أن من خفض جناحه يرفع قدره، وأن من طلب المزيد وقع في النقصان».
فأجابت البنفسجة قائلة: أنت تعزيني أيتها الوردة؛ لأنك حاصلة على ما أتمناه، وتغمرين حقارتي بالحكم؛ لأنك عظيمة، وما أمر مواعظ السعداء في قلوب التعساء، وما أقسى القوي إذا وقف خطيبا بين الضعفاء». •••
وسمعت الطبيعة ما دار بين الوردة، والبنفسجة، فاهتزت مستغربة، ثم رفعت صوتها قائلة: ماذا جرى لك يا ابنتي البنفسجة؟ فقد عرفتك لطيفة بتواضعك، عذبة بصغرك، شريفة بمسكنتك، فهل استهوتك المطامع القبيحة، أم سلبت عقلك العظمة الفارغة؟».
فأجابت البنفسجة بصوت ملؤه التوسل والاستعطاف: «أيتها الأم العظيمة بجبروتها الهائلة بجنانها، أضرع إليك بكل ما في قلبي من التوسل، وما في روحي من الرجاء أن تجيبي طلبي، وتجعليني وردة، ولو يوما واحدا».
فقالت الطبيعة: «أنت لا تدرين ما تطلبين، ولا تعلمين ما وراء العظمة الظاهرة من البلايا الخفية، فإذا رفعت قامتك، وأبدلت صورتك، وجعلتك وردة تندمين حين لا ينفع الندم».
فقالت البنفسجة: «حولي كياني البنفسجي إلى وردة مديدة القامة، مرفوعة الرأس، ومهما يحل بي بعد ذلك يكن صنع رغائبي ومطامعي».
فقالت الطبيعة: «لقد أجبت طلبك أيتها البنفسجة الجاهلة المتمردة، ولكن إذا داهمتك المصائب، والمصاعب فلتكن شكواك من نفسك».
ومدت الطبيعة أصابعها الخفية السحرية، ولمست عروق البنفسجة؛ فتحولت بلحظة إلى وردة زاهية متعالية فوق الأزهار والرياحين.
ولما جاء عصر ذلك النهار تلبد الفضاء بغيوم سوداء مبطنة بالإعصار، ثم هاجت سواكن الوجود؛ فأبرقت، وأرعدت، وأخذت تحارب تلك الحدائق، والبساتين بجيش عرمرم من الأمطار والأهواء؛ فكسرت الأغصان، ولوت الأنصاب، واقتلعت الأزهار المتشامخة، ولم تبق إلا على الرياحين الصغيرة التي تلتصق بالأرض، أو تختبئ بين الصخور.
أما تلك الحديقة المنفردة، فقد قاست من هياج العواصف ما لم تقاسه حديقة أخرى.
Bilinmeyen sayfa