رفع الرأس فجأة بالسؤال، وكأنها إجابة متأخرة جدا عن قولنا له: نحن أطباء، لا تخف، فضفض حتى تستريح، ولا تخف، فنحن نريد مصلحتك، نحن أطباء. - هل سأموت؟
ودون أن نتفق، لم نجب، رحنا فقط ننظر إليه ولا نجيب.
لم نكن نريد إزعاجه، حتى لا يتمسك بموقفه.
فجأة وجدت حمزة ينفجر فيه غاضبا مؤنبا إياه على هذا الموقف الطفولي الذي لا معنى له بالمرة. معتقل سياسي، ألست كذلك؟ كان واضحا من ثيابه المدنية أنه ليس مسجونا. إذن لماذا هذا التشبث بالصمت؟ أخائف هو على نفسه، وماذا يمكن أن يحدث له أسوأ من هذا الذي حدث والذي جاءوا به إلى هنا بسببه وعلى تلك الحال القريبة من صدمة الموت؟!
فعلا ... يعني ح يكون جرى لك إيه؟
للحق تنفس وتنهد، وقال ببطء ونظراته تعود تنغمس في الفراغ: أوحش شيء على ظهر الأرض. وكدنا نبتسم في رثاء، ماذا يمكن أن يكون؟
وعاد يقول: أوحش شيء على ظهر الأرض، حدث لي ما لم يحدث لبشر.
ومرة أخرى استخففنا بكلامه وكدنا نقهقه، سبعة عشر شهرا ونحن في هذه الزنزانة معا. كان سجن مصر محطة يتوقف فيها القادمون من السجن الحربي في طريقهم لطرة وأبو زعبل والواحات، والقادمون من تلك الليمانات في طريقهم للمستشفى أو للإفراج أو لعذاب آخر في السجن الحربي. وارد وصادر وحركة دائبة جعلتنا نصادف كل ما يمكن أن يخطر على البال من تهم ومتهمين ومعتقلين وأسباب اعتقال، وتعذيب، ومعذبين. النفخ والضرب وكي نصف البطن الأسفل وكل شيء، ولم تبق وسيلة لم نعرفها أو بات لها ذكر. وكل متهم - مثل هذا القادم - يعتقد أنه الوحيد الذي حدث له هذا أو مارسوا معه ذاك.
ماذا يمكن أن يكون قد وقع له؟ - أوحش شيء على ظهر الأرض. - ماذا فعلوا؟ - نمت مع نملة. - وانفجرنا ضاحكين.
طبعا لا يبدو مختل العقل، وإن كان واضحا أنه في طريقه لاختلال عقله، وبوجه جاد صارم يحمل كل ما في هذا العالم من ندم يقولها: نام مع نملة.
Bilinmeyen sayfa