انتظر حتى أعود إلى السباق وأسترد الجميع، الزوجة والأسرة والأبناء. وبالذات هذا المحبوس في جريمتين، ليس الآن.
دق الباب. دخل أخوه. استراح تنفسه. لم تعد المسألة إذن سرا، استراح تنفسه أكثر حين بدأ الأخ يؤكد له أنه لم يخطئ، وأنه كان بالضبط سيفعل مثلما فعل، ولكن؛ آه من لكن حين تخرج بعد نهاية المواساة. ولكنك كان من الممكن أن تفعل وتفعل. وكأن كان له خيار فيما يفعل وفيما لا يفعل. ساعة القضاء يعمى البصر. ويعمى الفعل. فهو أبدا لم يفعل. إنه مسير فيما لا يفعل. دفعة إثر دفعة، وكأنه كتلة لا وزن لإرادتها. النهاية، معاك فلوس؟ وتنحنح، وآه من الأخ حين يتنحنح، وينخنخ، وفي النهاية يستأذن.
وجاءت أمه وخالته، أمه تنحو عليه باللائمة، وخالته تطبطب.
أهذه آخر تربيتي فيك. بكرة كله يتعدل. متفائلة يا خالة كعادتك تفاؤلا دائما لا معنى له بالمرة. مع السلامة يا ناس. اتركوني وأطفئوا النور.
وفي الظلام أحس أن الظلام يتكاثر، وأنه يجثم على صدره، ولأول مرة كان يرى الظلام رأي العين، وتشنجت الرغبة في ساقه أن يرفس. •••
وكان مفروضا أن يؤكد له انبثاق الرغبة أنه لا يزال حيا، وكان مفروضا أن يدفعه الإحساس بالحياة أن يفرح، ولكنه لم يفرح.
فمن زمن طويل والإحساس عنده بالحياة لم يعد مرادفا للإحساس بالسعادة أو الفرحة. منذ زمن بعيد جدا حدث هذا، بعد أن ذاق كل أوليات الأشياء، أول بدلة، أول نجاح، أول جنيه، أول نظرة حب، أول ليلة مع امرأة، أول ليلة مع امرأته، أول ترقية، أول أمل. منذ زمن سحيق لم يعد هناك أمل، كله تكرار للأول، حتى الإحساس بالحياة لم يكن يحمل إلا مزيدا من الإحساس بالمسئولية، الحياة أصبحت مهام، كلما أحس بها عليه أن يربط نفسه بالتزام وبسرعة أكثر، لتحقيق هدف، ولا نهاية لتحقيق الأهداف، فوراء كل هدف هدف، ووراء كل هدف هدف.
ذات مرة كان أقصى أحلام حياته أن يكون إيراده الشهري الثابت مائة وخمسين جنيها، حين أصبح يصرف مثلها في اليوم الواحد أصبح الهدف خمسة آلاف وعشرة، وكلها ثابت أيضا. أن يخلف ولدا، أصبحوا ثلاثة وبنتا. أن يتعلموا ويتخرجوا، تخرجوا وأصبح الهدف جديدا. أن يعملوا، وهدف أبعد. أن يتزوجوا، وأبعد وأبعد. أن يكون له أحفاد، أعز الولد ولد الولد. وهي، أقصى أمله كان أن تنظر ناحيته عن عمد. حين نظرت أصبح أن يكلمها، حين كلمها، يقبلها، والزواج كان مستحيلا. تحقق. أن يلعب بذيله، ويستمر، لعب. أن يلعب أكثر، لعب أكثر. يحافظ على «السعادة الزوجية»، حافظ وجرب السعادة والتعاسة، والخناق والصلح، وتهديد بالطلاق، والطلاق، والندم، والعودة، والصلح، وشهر العسل الثاني والثالث والرابع حدث ويحدث، كل ما في الأمر أنه أصبح مكلفا أكثر.
كان مفروضا أن يدفعه الإحساس بالحياة أن يسعد. مثلما سعد أول مرة. أن يشفى، يشفى من ذلك المرض العضال، التهاب المفاصل الذي أرقده، وجعل حلم حياته أن يتمكن من السير، مجرد السير، مرة أخرى دون مساعدة أو شماتة من أحد. عاد يسير، ويمشي، ويجري أحيانا، ويلهث، ولم يحس أبدا أنه سعيد، حتى وهو يتذكر كيف كان كسيحا وأعرج ومكبلا، يقبل يده ظاهرا وباطنا أن الحمد لله، ولكن هذا الإحساس العميق الشامل الصامت بالنشوة، أنه سعيد حقا وصدقا، لم يحدث، وإن حدث فلثوان معدودة بالضبط كالإحساس أنه الآن، حين نقولها، قد مضت ومضة، ومرت ثانية، صحيح ليس مثلها مثل أية ثانية أخرى، ولكن الغريب أنها لها نفس طولها، ثانية أخرى مضت.
عريضا، واسعا، شاملا، كان إحساسه بالحب والألفة والتواصل مع كل باقي الكون. في النهار يحب الشروق حين تبدأ الشمس بغمزة جفن في الأفق، تشرق. والنهار رائع بوضوحه، وإشعاعاته، وتحقق كل شيء فيه، كل أحلام الليل تتحقق، إذا لم يكن صباحا، فعلى الغداء، فإذا صعبت لا يأتي عليها بعد الظهر، وما أروع العصر حين يجيء كالذهب الرقيق السائل يسدل فوق كل شيء، وقد تحقق، كل أمنية وقد حققت النهار، وتحقق النهار بها، والآن جاء وقت أن تغلف بالعصر الملون الشفاف، وتصبح هدية ذلك اليوم. الليل جميل، نجومه هناك تبرق بفرحة الوجود مع غيرها معا وتتلألأ، تزف القمر وتتلألأ وتبرق. كل شيء حلو ويستحق المحبة. الإحساس برجولته المبكرة، يحب شكله في المرآة، يطيل التأمل فيه ويحبه، الكلية التي اختارها وحقق اختياره، والمهنة، ومكان التعيين، ولحظة تسلم العمل، كل شيء حتى بصعوباته، يسعد. حب واسع، شامل لا نهائي الامتداد، يشمل كل شيء، وكل إنسان، يحب القرية بيت بيت وإنسان إنسان، والمركز، واسم محافظتهم، ومصر، والدنيا. يحب الدنيا، والعالم. حين تذكر أمامه أو يذكر كلمة البشرية، يحس بالجنس البشري، جسد دافئ بالحياة. هادئ، صاخب، متدفق. يسبح فيه ويشربه ويغوص في أعماقه، ويطفو فرحا عابثا، مندفعا فوق سطحه.
Bilinmeyen sayfa