شاملا وكأنه العودة إلى القبر. •••
ودعونا من خناقة حسن والصاوي.
فالصاوي أنشب أظافره في حسن بدعوى أن الاتفاق كان على الكشف من بعيد لبعيد فقط، ولم يكن الوثب أبدا داخلا في اعتباره. وحسن يرد بغرور أن على الصاوي أن يحمد الله، فحمارته من فرط قبحها بائرة السوق، وفي جوفها الآن نطفة حمار حصاوي منياوي، لا يقل أجرها عن جنيه.
وكأنهما بالاشتباك الذي دار والعمامات التي تهدلت والصراخ والجئير يعيدون للكون نشازه بعد انسجامه، وضجته التي لا معنى لها بعد فحيح الضجيج الخالق.
أما حسن، فقد أصبح قتيل النضارة، تلك النضارة بالذات، فلم يعد مهما لديه أن يرى بها حماره الطريق، الأهم، الكسب. كان يأتي بنضارة الوثب تلك، الوثبة بجنيه، سعر محدد، منها خمسة وعشرون قرشا بدل نظر، أو بالأصح بدل نضارة.
أما عم ناجي فقد تطوع بتصنيع شنبر خاص لحمار حسن، بل وأحضر له عدسات أكبر، وأصبح حمار حسن ونظارته من معالم القرية، وبالذات نقطة جذب السياحة الداخلية لأهالي القرى المجاورة.
وعاث الحمار في أرض القرية بنظارته فسادا، فلم يترك أنثى على حالها، بل أحيانا كان يناوش حتى ذكور الحمير.
وأشاعوا أن حسن أرسل حماره لكتاب الشيخ حسنين، وأنه تعلم القراءة بسهولة تامة، إذ على رأي عم ناجي: أنا مركب له نضارة تقرا لوحدها.
بل وفعلا، وقد رأيت هذا بنفسي، كان الحمار كثيرا ما يرى وهو يحدق في مانشتات الصحف الحمراء، وإن بعضها كان يعجبه فيلعقه بلسانه، والآخر كان لا يعجبه، فيمضغ الصحيفة وعنوانها، ثم لا يلبث أن يبصقها، وينهق بشدة علامة الضيق الشديد.
وربما لهذا صمم حسن على منعه من الاطلاع على أي جريدة أو مجلة، فقد لاحظ أن القراءة بنظارة الوثب تقلل كثيرا من قدرة دابته، ويخسر بعدها بضعة جنيهات من جراء «سدة النفس» التي تحدث لحماره، عقب كل جريدة يقرؤها ويمضغها ويبصقها، وجاهلا سيصير الحمار، وماذا يهم؟! الأدب أو قلته فضلوه على العلم. •••
Bilinmeyen sayfa