وقد ذكر أن المأمون استوزر بعد من قدمناه لك أبا عباد ثابت بن يحيى بن يسار وأبا عبد الله بن يزداد، وقد ائتما في سيرتيهما بمن سبقهما، كما أنه ذكر أنه استوزر عمرو بن مسعدة، وهو صنو أحمد بن يوسف نباهة وكفاية وكتابة. وإنا لا نرى مدعاة لإثبات ما هو من لون واحد، ففي ذلك إضاعة للوقت وتكرار للقول. (2) الجند والقواد في عصر المأمون
لا نريد هنا أن نتكلم عن ديوان الجند وتاريخه ولا عن مرتبات الجند وتحولهم منذ العهود الأولى فإن ذلك يطول كثيرا، على أنا نحيلك مع ذلك إلى ما جاء بالجزء الأول من تاريخ التمدين الإسلامي في هذا الباب، وقصارى ما نريد قوله الآن أن راتب الجندي الراجل، وهو مثل «النفر» في النظام العسكري الحديث، هو 240 درهما في السنة، فضلا عن حصته في الغنائم عند الغزوات. ويظهر أن حصة الجنود من الغنائم كانت حبست عنهم حتى ردها عليهم الأمين سنة 198 هجرية، فأصاب الرجل ستة دنانير.
ولما قام النزاع بين الأمين والمأمون جعل المأمون راتب الجندي ثمانين درهما في الشهر، على أن هذا الراتب عاد إلى ما كان عليه بعد انتهاء الفتنة.
أما القواد العظام في هذا العصر، فإنا نكتفي بما وقفت عليه أثناء النزاع بين الأخوين؛ لأن من التكرار في القول أن نعيد هنا ما قلناه هناك. (3) ديوان القضاء والمظالم والحسبة
ستقف من بحوثنا التي أفردناها لتحليل أخلاق المأمون على شيء من سلطان القضاة في ذلك العهد، ونحيلك هنا إلى المحاضرة القيمة التي ألقيت في المجمع العلمي بدمشق عن تاريخ القضاة في الإسلام، كما نحيلك إلى الفصل المسهب الذي أفرده في هذا الموضوع صاحب التمدين الإسلامي.
ويكفينا هنا أن نقول: إن نظام الحكم أو الفصل في الدعاوى في ذلك العهد كان متشعبا بقدر ما كان محكما؛ إذ قد كان يوجد إلى جانب ديوان القضاء ديوان المظالم وديوان نظر الحسبة، وهذه الدواوين كلها كانت تنظر فيما يرفع إليها من دعاوى.
ويطول بنا الحديث في هذا المقام لو أردنا استيعاب بيان كل نوع من هذه الدواوين وما يختص بالنظر فيه.
على أنه يجوز لك أن تفترض إلى حد ما أن ديوان المظالم كان يشبه في بعض نظامه وسلطته المحاكم العليا كمحاكم الاستئناف والنقض والإبرام، كما يشبه إلى حد غير قليل المجالس التأديبية.
وإنا نحيلك هنا إلى الفصول الممتعة التي أفردها أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي في كتابه القيم «الأحكام السلطانية»، فقد عالج فيها الكلام عن القضاة وما يختصون به من الدعاوى، وعن ولاة المظالم وما يختصون به أيضا، وكذلك عن ولاة الحسبة وحدود سلطانهم، وقد نقل عنه صاحب نهاية الأرب في نهاية الجزء السادس جملة صالحة منه؛ فراجعها.
أما راتب القضاة فنقول: إن راتب القاضي بلغ في أيام المأمون 4000 درهم في الشهر، أي حوالي 270 دينارا، وهذا الراتب في ذاته يدل على ما وصلت إليه الثروة في ذلك العصر. وقد كنا نود أن نختص الولاة وراتبهم بكلمة لولا أن المصادر في ذلك تنقصنا، وفيما بيناه عن القضاة مقياس لمن كان في مكانتهم ولمن كان أرفع منهم أو أقل مرتبة؛ فعليك أن تفكر وتقارن.
Bilinmeyen sayfa