هتف عزت: يا للتعاسة!
فانخرطت بدرية في البكاء وقالت: تركني في وحدة مرعبة!
إنه يتردى في نفس الوحدة المرعبة. لم تسرع بتحرير الخطاب الغفل من الإمضاء؟ كأنما لم يكن له من هدف سوى تسجيل الخسة على نفسه، سيعترف حمدون قبل وصول خطابه بيوم أو يومين. من العبث أن يمضي في إقناع ذاته بأنه فعل ما يمليه عليه الواجب الإنساني، وها هي ذي بدرية حرة وحمدون يرسف في الأغلال، ألم يكن ذلك حلمه الملح؟! لكنه مريض وبدرية دميمة، والدنيا تعاني أنيميا حادة لا تصلح معها للحب. قال بأسى: اغسلي وجهك، اشربي قدحا من الشاي، علينا أن نفكر بهدوء في الكارثة.
فنهضت وهي تقول متأوهة: إنه لا يدري كم أحبه!
19
عرف الآن أن حمدون عجرمة المؤلف والممثل هو قاتل يوسف راضي المحامي، وأن الباعث على الجريمة هو ما لاحظه القاتل من غرام القتيل بزوجته. ذاع أيضا خبر الخطاب الغفل من الإمضاء الذي اتهم حمدون بقتل يوسف. أعيد التحقيق مع بدرية فأكدت أقوال حمدون، ولم تشر من قريب أو بعيد إلى جماعة أبناء الغد. ولم تجد بدرية في وحدتها المرعبة من أنيس أو معين إلا عزت. زالت دمامتها الطارئة، ولكن ثقلت ملامحها بأسى ثابت وعميق. ورغم مرارة نفسه فإنه لم يفقد الأمل في مستقبل قريب أو بعيد. واستمرت الفرقة في أداء البروفات دون اشتراك بدرية، معيدة المسرحيات التي مثلتها في روض الفرج. وتعمد عزت أن يشعر بدرية من آن لآن بأنه ما زال يمارس عمله كمدير، وكانت تعلم من ناحية أخرى بأنه لا مورد له إلا العمل؛ لذلك تشجع ذات يوم وقال لها: علينا أن نبدأ العمل في ميعاده، وإلا عرضنا أنفسنا للإفلاس.
فتمتمت بضيق شديد: ما أبغض ذلك! - أشاركك الإحساس، ولكن لا بد مما ليس منه بد.
فقالت بحزن: نحن الآن بلا مؤلف. - ولكننا نملك رصيدا لا بأس به من المسرحيات فضلا عن التراث والروايات المترجمة. - إنه خسارة لا تعوض! - ذلك حق، ولكن علينا أن نفكر في كل شيء وفي المستقبل.
وهنا قالت برجاء: أود أن أنجز عملا هاما قبل بدء الموسم. - ستجدين مني ما تتوقعين وفوق ما تتوقعين. - لقد قابلت محامي حمدون فأملني كثيرا في إنقاذه من حبل المشنقة. - أرجو هذا؛ فقد سلم نفسه وانتحل للجريمة عذرا مخففا. - طلبت منه أن يبلغه رجائي في أن يتزوج مني مرة أخرى!
فلم يدر ماذا يقول وهو يتلقى لطمة جديدة بلا رحمة، أما بدرية فاستطردت: سيعينني ذلك على مواصلة الحياة.
Bilinmeyen sayfa