7 ⋆
فالنص الأول مأخوذ من الفصل الثاني. وعنوانه: «الحقيقة الذاتية، الباطنية، الحقيقة هي الذاتية». والنص الثاني من الفصل الثالث، وعنوانه: «الذاتية الحقيقية أو الأخلاقية، المفكر الذاتي». «لو تمكن فرد موجود من تجاوز ذاته حقا، لكانت الحقيقة بالنسبة إليه شيئا نهائيا تاما، ولكن أين هي النقطة التي يكون فيها خارجا عن ذاته؟ إن عبارة «أنا هو أنا
I am I »، هي نقطة رياضية لا وجود لها، ومن ثم فلا شيء يحول بين كل شخص وبين اتخاذ وجهة النظر هذه؛ فليس ثمة شيء يحول دون ذلك. فالفرد الخاص لا يستطيع إلا مؤقتا أن يدرك وجوديا وحدة اللامتناهي والمتناهي، التي تتجاوز هذا الوجود. وهذه الوحدة تتحقق في لحظة الانفعال
passion . ولقد فعلت الفلسفة الحديثة كل ما في وسعها لمحاولة مساعدة الفرد على تجاوز ذاته موضوعيا، وهي مهمة مستحيلة تماما؛ فالوجود يمارس تأثيره المقيد، ولو لم يكن فلاسفة اليوم قد أصبحوا مجرد ملفقين في خدمة تفكير شاذ والاهتمام به، لأدركوا منذ عهد بعيد أن الانتحار هو التفسير العملي الوحيد المحتمل لهذه المحاولة. غير أن الفلسفة الحديثة الملفقة تنظر إلى الانفعال بازدراء، ومع ذلك فالانفعال قمة الوجود بالنسبة إلى فرد موجود، ونحن جميعا أفراد موجودون؛ ففي الانفعال تصبح الذات الموجودة لا نهائية في أزلية التمثل الخيالي، ومع ذلك تكون هذه الذات نفسها بأوضح معاني الكلمة في الآن ذاته. أما «أنا هو أنا» الخيالية، فليست هوية بين اللامتناهي والمتناهي؛ إذ ليس هذا ولا ذاك حقيقيا، إنه لقاء خيالي في السحب، وتعانق غير مثمر، كما أن علاقة الذات الفردية بهذا السراب لا توضح أبدا.
إن كل معرفة أساسية تتعلق بالوجود، أو بعبارة أخرى إن كل معرفة، لها علاقة أساسية بالوجود هي معرفة أساسية. وكل معرفة لا تربط ذاتها داخليا بالوجود، في انعكاس الحياة الباطنة، هي من حيث الماهية، معرفة عرضية، ودرجاتها ونطاقها لا قيمة لهما من حيث الماهية. وكون المعرفة الأساسية ترتبط بالوجود ارتباطا أساسيا، لا يعني الوحدة المشار إليها من قبل، التي يفترضها التفكير المجرد بين الفكر والوجود، كما أنها لا تعني، موضوعيا، أن المعرفة تطابق شيئا موجودا بوصفه موضوعا لها. وإنما تعني أن للمعرفة علاقة بالعارف، الذي هو أساسا فرد موجود، وأن كل معرفة أساسية، لهذا السبب ترتبط ارتباطا أساسيا بالوجود؛ فالمعرفة الأخلاقية، والمعرفة الأخلاقية الدينية، هي وحدها التي ترتبط ارتباطا أساسيا بوجود العارف.
والتوسط
mediation
سراب، مثل «أنا هو أنا»؛ فمن وجهة النظرة المجردة يكون كل شي موجودا، ولا ينتقل شيء إلى الوجود. وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون للتوسط مكان في التفكير المجرد؛ لأنه يفترض الحركة. حقا إن المعرفة الموضوعية قد تتخذ من الوجود موضوعا لها، ولكن لما كانت الذات العارفة فردا موجودا، وسائرا في عملية الصيرورة نظرا إلى كونه موجودا؛ فعلى الفلسفة أن توضح أولا كيف ترتبط ذات خاصة موجودة بمعرفة للتوسط، وعليها أن توضح ما تكونه هذه الذات في هذه اللحظة، إن لم تكن تكاد تكون شاردة. وأين هي، إن لم تكن في القمر؟ إن هناك من يتحدث على الدوام، ويكرر الحديث، عن التوسط. فهل التوسط إذن إنسان، كما ظن، بيتر ديكن
Deacon «أن لفظ مطبوع
Imprimatur » إنسان؟ وكيف يتحول الكائن البشري إلى شيء من هذا النوع؟ هل هذا الشرف، وهذا الموضوع الفلسفي العظيم، ثمرة دراسة، أم إن الحاكم يعينه، كما هي الحال في منصب إمام الجامع أو حارس القبور؟ جرب أن توجه أسئلة بسيطة كهذه الأسئلة التي يوجهها إنسان عادي يسره أن يصبح «توسطا» إذا أمكن أن يتم ذلك على نحو مشروع حلال، لا بطريقة «واحد اتنين جلا جلا»، أو بنسيان أنه هو ذاته كائن بشري موجود، ووجوده بالتالي أساسي بالنسبة إليه، ووجوده الأخلاقي الديني هو غاية ما يصبو إليه. إن الفيلسوف النظري قد يجد أن من فساد الذوق توجيه أسئلة كهذه . غير أن من المهم ألا يوجه النزاع في الاتجاه الخاطئ، وبالتالي ألا نبدأ بطريقة موضوعية شاذة لنناقش الأسباب المؤدية إلى الاعتراف بالتوسط، والأسباب المؤدية إلى إنكاره، وإنما أن نتمسك بما يعنيه كون المرء كائنا بشريا.
Bilinmeyen sayfa